عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِنَبِيِّهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ.- وفي رواية : إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قَالُوا : لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ِللهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
أخرجه \"أحمد\" 4/102(17064) و\"مسلم\" 1/53(107) و\"أبو داود\" 4944 و\"النَّسائي\" \"الكبرى\" 7773 .
اهتم الإسلام اهتماما كبيرا بالنصيحة , ووضع لها آداباً وأخلاقاً حتى تؤتي ثمارها و تبلغ مراميها و تحقق أهدافها , فالنصيحة لها هدفها و دورها في حماية المجتمع المسلم , قال تعالى في محكم كتابه الكريم: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } (آل عمران:104).
وفي هذا الحديث الشريف جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في النصيحة , قال ابن حجر في الفتح :\" هذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا أَحَد أَرْبَاع الدِّين ، وَمِمَّنْ عَدَّهُ فِيهَا الْإِمَام مُحَمَّد بْن أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ ابن حجر : الفتح 1/89. وَقَالَ النَّوَوِيّ : بَلْ هُوَ وَحْده مُحَصِّل لِغَرَضِ الدِّين كُلّه ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَصِر فِي الْأُمُور الَّتِي ذَكَرَهَا ,وقال \" هَذَا حَدِيث عَظِيم الشَّأْن وَعَلَيْهِ مَدَار الْإِسْلَام \" النووي : شرح صحيح مسلم 1/144.
قال ابن حجر :\" فَالنَّصِيحَة لِلَّهِ وَصْفهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل ، وَالْخُضُوع لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، وَالرَّغْبَة فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَته وَالرَّهْبَة مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَته ، وَالْجِهَاد فِي رَدّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ . وَرَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع عَنْ أَبِي ثُمَامَة صَاحِب عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : يَا رُوح اللَّه مَنْ النَّاصِح لِلَّهِ ؟ قَالَ : الَّذِي يُقَدِّم حَقّ اللَّه عَلَى حَقّ النَّاس . وَالنَّصِيحَة لِكِتَابِ اللَّه تَعَلُّمه ، وَتَعْلِيمه ، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة ، وَتَحْرِيرهَا فِي الْكِتَابَة ، وَتَفَهُّم مَعَانِيه ، وَحِفْظ حُدُوده ، وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ ، وَذَبّ تَحْرِيف الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ . وَالنَّصِيحَة لِرَسُولِهِ تَعْظِيمه ، وَنَصْره حَيًّا وَمَيِّتًا ، وَإِحْيَاء سُنَّته بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمهَا ، وَالِاقْتِدَاء بِهِ فِي أَقْوَاله وَأَفْعَاله ، وَمَحَبَّته وَمَحَبَّة أَتْبَاعه . وَالنَّصِيحَة لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتهمْ عَلَى م َا حَمَلُوا الْقِيَام بِهِ ، وَتَنْبِيههمْ عِنْد الْغَفْلَة ، وَسَدّ خُلَّتهمْ عِنْد الْهَفْوَة ، وَجَمْع الْكَلِمَة عَلَيْهِمْ ، وَرَدّ الْقُلُوب النَّافِرَة إِلَيْهِمْ ، وَمِنْ أَعْظَم نَصِيحَتهمْ دَفْعهمْ عَنْ الظُّلْم بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن . وَمِنْ جُمْلَة أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّة الِاجْتِهَاد ، وَتَقَع النَّصِيحَة لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومهمْ ، وَنَشْر مَنَاقِبهمْ ، وَتَحْسِين الظَّنّ بِهِمْ . وَالنَّصِيحَة لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الشَّفَقَة عَلَيْهِمْ ، وَالسَّعْي فِيمَا يَعُود نَفْعه عَلَيْهِمْ ، وَتَعْلِيمهمْ مَا يَنْفَعهُمْ ، وَكَفّ وُجُوه الْأَذَى عَنْهُمْ ، وَأَنْ يُحِبّ لَهُمْ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ ، وَيَكْرَه لَهُمْ مَا يَكْرَه لِنَفْسِهِ . ابن حجر : الفتح 1/89.
لذا لقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام النموذج الأعلى والأسمى في نصيحة قومهم ودعوتهم بالحسنى إلى منهج الله , قال نوح لقومه: \" أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ \" الأعراف:62، وكذلك قال هود لعاد: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ\" الأعراف:68، وكذلك قال صالح لثمود: \" أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ\" الأعراف79..
وترك التناصح بين الناسب سبب لنزل العذاب عليهم , قال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم ) رواه أحمد .
روى الترمذي في \"جامعه\" عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية، وتتأولونها على غير تأويلها: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
فالنصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} سورة العصر.
وهي من أوليات حق المسلم على أخيه المسلم, قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) مسلم.