يعرف الذين اختلطوا بالخليجيين وعاشوا بينهم أن خصوماتهم ليست دائمة، وأنهم أشبه بالعائلة الواحدة الذين يختلفون أحيانا فيما بينهم لكنهم لا يفترقون. تقوم دولهم على أنظمة وراثية في الحكم وفي القيم والتقاليد لا تحيد عنها ولا تختلف متى جاء حاكم جديد. السياسة هي السياسة والقيم هي القيم والإعلام هو الإعلام. أي أنها دول مؤسسات غير مرئية لكنها راسخة ونافذة.
تساءلت في مقالي أمس ما الذي جرى في هذه المنطقة الغنية بالبترول والأخلاق الرفيعة فجعلهم يتحولون إلى الاختلاف بالصوت العالي وتبادل الحملات العنيفة التي تكرر مفرداتنا في الشرق العربي من خلال إعلام متشنج متوتر يردح بعلو الصوت!
استعير عنوان المسلسل الذي تبثه قناة فضائية خليجية كبيرة لأطلقه على هؤلاء الذين يصنعون الحالة الجديدة الطارئة على الخليج . حالة الهجوم العنيف والتخوين، وهو يختلف عن تخويننا في الشرق العربي والذي كنا نعني به كل من يقيم علاقة مع إسرائيل أو يتواصل معها سرا وعلانية.
حملة التخوين الإعلامية الخليجية مقصود بها التواصل مع إيران، رغم أن دولهم تقيم علاقات اقتصادية علنية قوية معها تبلغ تكلفتها وعائدتها عشرات المليارات سنويا، ويقيم بين ظهرانيها ما يزيد على مليون إيراني.
"غرابيب سود" وهو مصطلح مستمد من القرآن الكريم، اتخذه مسلسل خليجي عنوانا لتناول موضوع نساء داعش وما يسمى "جهاد النكاح".. يصح في حالتنا أن نطلقة على ظاهرة إعلامية خليجية مستحدثة لم تظهر إلا في الأيام الأخيرة، تتناول بالشتم والسباب العنيف إلى حد التهديد بإزالة دولة أخرى من على الخريطة بسبب تصريح قالت تلك الدولة الأخرى وأكدت أنه مفبرك ولا أساس له من الصحة، ولكن هذا لم يكف ولن يكفي إطلاقا لكي يتوقف غرابيب سود الإعلام الخليجي، يضاف إليهم غرابيب سود من مصر، عن وقف الهجوم غير المسبوق، المقترن للأسف الشديد بتناول الحيوات الشخصية وأصول العائلات وإصدار بيانات وتوقيعات، لم نشهد إطلاقا مثلها في الخليج العربي الذي كنا نستمد منه أدب الخطاب وجمال الحديث واحترام البيوت والعائلات وأصولها.
لم أجد تفسيرا لظاهرة غرابيب سود الإعلام الخليجي الذين ينطلقون في حملاتهم بأنهم ليبراليون وديمقراطيون وملمون بالانترنت والإعلام الحديث. أن يسيطر هاكرز على موقع وكالة أنباء مهما كانت الحماية المتوفرة له، ليس بجديد أو مستغرب. عندما كنت أعمل في موقع قناة العربية سيطر الهاكرز عدة مرات عليه ولم نحرره بسهولة وصلت في إحداها إلى ساعات الليل كله، فعل فيه ما يشاء وبث من خلاله ما يريد بينما كانت محاولاتنا تضيع سدى ونحن نحاول تحريره وإخراج القراصنة منه. كل ذلك رغم ما كنا نوفره من أحدث وسائل الحماية التقنية.
أي أن القصة كلها لما يجري في الخليج حاليا من خلافات، لا قاعدة سليمة لها. وكانت سابقا تنتهي عادة بجلسة عرب لطيفة وكؤوس القهوة العربية.
ما الذي جعل غرابيب سود الإعلام الخليجي يتمادى في غزوته ونقل الحالة الداعشية الحالكة السواد إلى الخليج الطيب الجميل الرائع؟!..