مثير للدهشة ما يجري بين دول الخليج في هذه الأيام. لقد انتقلت إليهم عدوى "جمهوريات" الستينيات والسبعينيات العربية. تحولت قنوات وصحف رصينة إلى أشباه لإذاعة صوت العرب في مصر الناصرية وصوت الوطن العربي في ليبيا القذافي وعشرات الإذاعات المحملة بالشتائم والضغائن والسباب التي كانت تبث من بغداد صدام حسين.
تعودنا على ردات الفعل الهادئة من ممالك وإمارات ومشيخات الخليج. على الحكمة في كل شيء. على الحكماء الذين يقدرون الأمور بمقاديرها دون تجاوز أو تعد على الآخر وشؤونه وقراراته الداخلية.
ما يحدث الآن ليس له تفسير. العلاقات مع إيران مثلا؟!.. دول مجلس التعاون لها علاقات وتبادل تجاري بالمليارات، ولا يمكن أن تقطعها لأن مصالحها ستتضرر بشدة.
مثلا مثلا.. الإمارات تستحوذ على 80% من التبادل التجاري بين طهران ودول مجلس التعاون كاملة، وإيران هي رابع شريك تجاري للإمارات التي يوجد فيها أكثر من عشرة آلاف شركة إيرانية، وتمثل الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران.
الإمارات لا تداري ذلك ولا تخجل منه ولا يطلب منها أحد أن تضحي بمصالحها. السياسة هي "ميكيافيلية" في الأساس وإلا تصبح أشبه بمن يلهو بفوانيس رمضان !
وزير الاقتصاد الإماراتي أعلن في وقت سابق أن حجم التبادل التجاري بين بلاده وطهران بلغ عام 2014، (17) مليار دولار. في 2011 كان 23 مليار دولار وفق وكالة فرانس برس. تطير 200 رحلة طيران أسبوعية بين البلدين.
الإمارات كانت هي المنفذ الحيوي لإيران خلال فترة العقوبات. الواردات التي مرت عبرها أنقذت الاقتصاد الإيراني من الانهيار. لا تقل ما علاقة ذلك بالسياسة؟.. لولا ذلك الممر لسقط نظام الملالي منذ سنين.
يذكر موقع "ساسة بوست" أن الرحلات الجوية بين طهران ودبي محجوزة بالكامل، حيث يسافر رجال أعمال إماراتيون لتسيير مشاريع صناعية وتجارية في إيران، وحظ الشركات الإماراتية التي تعمل في قطاعات التمويل العقاري والخدمات المصرفية من الاستثمار في إيران هو الأوفر.
بعد شهر من توقيع الاتفاق النووي أعلنت شركة موانئ دبي العالمية أنها تجري مباحثات للاستثمار في إيران، فلدى الأخيرة جسر بري جيد من السكك الحديدية سيرتبط بطريق الحرير بين الصين وأوروبا. شركة سيراميك رأس الخيمة المدرجة في بورصة أبو ظبي اشترت 20% من شركة راك إيران، وستوفر ثلاثة خطوط للإنتاج في إيران مع قدرة إنتاج سنوية تبلغ 9 ملايين متر مكعب.
إجمالي صادرات الإمارات إلى إيران بلغت العام الماضي 11.5 مليار دولار، وبلغت الواردات منها 1.2 مليار دولار.
يقول سايمون كير في صحيفة "فايننشال تايمز" أن دبي تحاول تقديم نفسها على أنها جسر للباحثين عن فرص في إيران، وتعيش جالية إيرانية كبيرة في دبي، وكثير من العائلات الإماراتية تعود جذورها إلى أصول فارسية.
نشرت صحيفة الاقتصادية السعودية في وقت سابق بيانات من دائرة الأراضي والأملاك في دبي تظهر أن الإيرانيين يمثلون خامس أكبر جنسية من مشتري العقارات في دبي حيث قام أكثر من ألف مستثمر إيراني بشراء عقارات مختلفة في دبي خلال النصف الأول من 2012.
الكاتب السعودي سلمان الدوسري كتب في جريدة الشرق الأوسط أن الجالية الإيرانية في الإمارات لديها نفوذ اقتصادي ومجتمعي قوي، وبحسب تقديرات شبه رسمية يقدر عدد الإيرانيين في الإمارات بـ 900 ألف نسمة، معقلهم الرئيسي دبي التي يقيم فيها 400 ألف إيراني حسب الإحصائية السكانية للجهات المسؤولة في الإمارات، وأكثر من مليون حسب المصادر الإيرانية.
الواقع أن دول مجلس التعاون ترتبط بعلاقات اقتصادية مع طهران لكن أقل من الإمارات التي تنطلق منها أو تدعم بأموالها وسائل إعلام توتر العلاقة الجيدة القديمة بين دول الخليح وبعضها البعض تحت يافطة تسريبات "التواصل السري مع إيران" مع أنه لا تسريبات و لا سري ولا يحزنون. فالعلاقات علنية ومتواصلة في وضح النهار وبشهادة الأرقام الاقتصادية والمراكز والصحف العالمية المعتبرة.
إذن ما سر الأزمة الطارئة بين دول الخليج ولماذا تتطور إلى الأسوأ وتجد من ينفخ فيها من بعض الإعلاميين في مصر؟!
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)