http://el-3amal.com/news/news.php?i=39477 ............................................................ ـ يعتبر يوسف شاهين المخرج المصرى الوحيد - بشهادة الكاتب الإيطالى جارى مانكوش - الذى تعاطف مع الشواذ وأظهرهم بشكل إيجابى وتسامح مع حقوقهم وقضاياهم
ـ فيلم المخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدى "ما تيجى نرقص" تناول علاقة شاذة بين رجلين يمارسان أفعال قوم لوط بجرأة لا تقل عن جرأة خالد يوسف فى "حين ميسرة" بل ربما تَفُوقها
ـ مثَّل عادل إمام بمواقفه السياسية وتعمّده تناول القضايا المتعلقة بالتيار الإسلامى من وجهة نظر السلطة الحاكمة ومؤسسة الثقافة الرسمية التى يسيطر عليها اليساريون علامة مسجلة فى العداء للإسلاميين والحرب المعلنة ضدهم
ـ حسن البنا قال لأتباعه: "العملة الحسنة تطرد العملة الخبيثة .. فإذا كنتم معترضين على ما يقدَّم بالأوبرا يمكنكم أن تبنوا مسرحاً راقياً؛ لأن الإسلام لا يواجه المسرح والسينما بالعصا"
السينما هى مصنع الأفكار والأحلام وساحة صراع وتدافُع الأيديولوجيات، ومَن يسيطر عليها وتكون له الكلمة العليا فى ساحتها، فقد ضمن فى يده أكثر وسائل الإعلام والتثقيف والتوجيه سحراً وتأثيراً. وعلى مدار التاريخ كانت السينما محور اهتمام أصحاب الأيديولوجيات والأفكار، فقد استغلتها الصهيونية استغلالاً واسعاً فى تشويه صورة العرب والمسلمين والحطّ من شأنهم وفى تمجيد اليهود والإعلاء من شأنهم، واستغلتها الشيوعية واهتمت بها اهتماماً بالغاً منذ اليوم الأول عام 1907م، فقد قال ماركس: "لأُنسينَّ الناسَ بالمسرح"، وأتى لينين بعده ليقول: "لئن غابت السينما عنا إلى الآن، فليعلم الماركسيون فى العالم أن السينما بالنسبة لنا أهم الفنون"، وقال الثائر الماركسى المعروف ليون تروتسكى: "لئن تركنا السينما دون أن نعبئها تعبئة ماركسية هادفة فلا أقول نحن مقصرون، بل أقول نحن متخلفون وأغبياء"!، وفى عام 1929م وصفت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السينما بأنها : "من أهم أسلحة الثورة الثقافية وبأنها سلاح فعال فى إثارة الجماهير وفى الدِّعاية للتربية الشيوعية وفى حشد الجماهير الغفيرة حول مبادئ الحزب" ، والسينما إلى جانب تأثيرها الساحر فى الشعوب هى الفن الوحيد الذى يحتضن باقى الفنون مجتمعة ، ففيها الكتابة والتأليف والغناء والموسيقى والديكور والتمثيل والإخراج ، ولذلك سُميت بالفن السابع .
أما السينما المصرية فتاريخ تأثيرها فى أفكار وأخلاق وتوجُّهات وقناعات المصريين السياسية والثقافية والسلوكية يمتد لعقود طويلة ، نظراً لتداخُلها مع الواقع السياسى المصرى واعتماد حكام مصر المتعاقبين عليها فى تمرير وفرض مشاريعهم فى الحكم . وحتى تتضح لنا الرؤية حول مستقبل الصراع والمواجهة بين الإسلاميين وهم الوافدون الجدد على سوق المنافسة الحقيقية فى الواقع السياسى والثقافى المصرى ، لا بد من إلقاء نظرة خاطفة على واقع السينما المصرية وحالها خلال الأعوام الأخيرة التى سبقت الثورة المصرية .
سينما 2008م .. المواجهة العنيفة مع السينما النظيفة بإطلالة سريعة على سينما 2008م ، نجد قفزة نوعية على مستويين : المستوى الأول هو كسر إرادة بعض الفنانات والفنانين والسينمائيين المصريين ، ممن تبنَّوْا ما أطلق عليه "السينما النظيفة" فى أعقاب إنتاج فيلم "إسماعيلية رايح جاى" للمطرب محمد فؤاد الذى خلا من المشاهد الساخنة ومشاهد العُرى وعلى الرغم من ذلك حقق نجاحاً جماهيرياً لافتاً ، مما شجع البعض على إنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام التى تعكس الواقع المصرى بموضوعية ، بعيداً عن الإثارة الفجة والتحايل على الجنس ومشاهد الإثارة . وبالفعل امتنع عدد من الممثلات المصريات عن قبول أعمال سينمائية تتضمن مشاهد جنسية وعُريًا وقبلات ساخنة فى إعلان واضح وقوى عن حضور هذا التيار الجديد وتأثيره فى السينما المصرية ، وهى خطوة استفزت تياراً آخر يتمتع بسطوة ونفوذ فى الحقل السينمائى ، يتزعمه المخرج خالد يوسف والمخرجة إيناس الدغيدى ، اللذيْن لم يجدا مع الآخرين صعوبات كبيرة فى مواجهة هذا الاتجاه الجديد والسعى لهزيمته ؛ فاستبدلت سريعاً بالممثلات اللاتى رفعن لافتات الاعتراض على أداء المشاهد الساخنة والجنسية، غيرهن من اللبنانيات والتونُسيات ، لتُعرض خلال ذلك العام بالذات الذى بدأ فيه الترويج بقوة لمصطلح "السينما النظيفة" عام 2008م - مجموعة من الأفلام التى احتوت على مشاهد جنسية صريحة وفجة فى موجة مد إباحى لم تشهده السينما المصرية من قبل. وتفوقت سينما 2008م على سينما الخمسينيات والستينيات والسبعينيات التى اقتصرت على مخاطبة الغرائز وإثارتها ، فقد زادت وعرضت المشاهد الحميمية الفاضحة فى جرأة غير مسبوقة فى طرح الأفكار والمشاهد الإباحية والجنسية ، وكانت الغاية المعلنة هى ضرب تيار السينما النظيفة فى مقتل .
سينما الشذوذ
المستوى الثانى كان كسْر "تابو" لم تقترب منه السينما المصرية مطلقاً منذ بداية انطلاقها وحتى اليوم ، إلا فى حدود بعض المشاهد العابرة القليلة ، وبالتلميح وليس بالتصريح ، وهو قضية الشذوذ الجنسى . فهناك ماضٍ سينمائى مصرى بالفعل يوحى بتناول هذه القضية الحساسة ؛ ولكن على استحياء وبطريقة غير مباشرة فى أفلام مثل "حمام الملاطيلى" و"الإرهاب والكباب" (الذى تناول القضية بأسلوب ساخر)، ثم فى "سرقات صيفية" ليسرى نصر الله ، وفيلم "ديل السمكة"، الذى كتبه وحيد حامد .
ولكنَّ هناك مرحلتين أسستا لجيل من المخرجين امتلك الجرأة والشجاعة الكافية لكسر هذا "التابو" الذى ظلت السينما المصرية تقف على استحياء على بابه طوال عقود ، ولجيل آخر من الممثلين أكثر جرأة اقتحموا هذا الباب ، فى حين اعتذر آخرون خوفاً من ردة فعل الجمهور ، وخاصة أن هناك سابقة مشهورة وهى ما حدث جماهيرياً مع الممثل يوسف شعبان بعد فيلم "حمام الملاطيلى" . ويعتبر يوسف شاهين المخرج المصرى الوحيد - بشهادة الكاتب الإيطالى جارى مانكوش - الذى تعاطف مع الشواذ وأظهرهم بشكل إيجابى وتسامح مع حقوقهم وقضاياهم ؛ يظهر ذلك واضحاً فى فيلم "الليل وناسه" وهو فيلم إنتاج مصرى سوفييتى مشترك ، وكذلك فى ثلاثيته التى انطلقت من خلفيات سيرة شاهين الذاتية (إسكندرية ليه - حدوتة مصرية - إسكندرية كمان وكمان) .
أما فيلم "عمارة يعقوبيان" المأخوذ عن رواية علاء الأسوانى . فقد تناول القضية بمساحات أوسع وبمشاهد أكثر عدداً ، وبتركيز أعمق ، حيث يرتبط التناول بشخصية مِحورية من شخصيات الفيلم ، وهى شخصية حاتم رشيد رئيس التحرير الشاذ جنسياً . هذه الجرأة وهذه الطريقة الجديدة فى التناول والمعالجة أعطت الضوء الأخضر لانطلاق ما يمكن أن نطلق عليه "سينما الشذوذ فى مصر" ؛ فقد بدأت السينما المصرية لأول مرة فى تاريخها فى تناول هذه القضية بصورة أكثر جرأة وأكثر استفزازاً للجمهور ، الذى لم يجد مبرراً ولا معنى لهذا الاهتمام السينمائى غير المسبوق بتلك الشريحة قليلة العدد ، الموبوءة والمخبوءة فى حنايا المجتمع . ففى عام 2008م قدم خالد يوسف فيلمه "حين ميسرة"، الذى تخطّى كل المحظورات باحتوائه على عدد هائل من المشاهد الجنسية الصريحة ، بالإضافة إلى تناوله الجرئ لعلاقة شاذة تجمع بين امرأتين سِحاقيتين ،
وكذلك فيلم المخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدى "ما تيجى نرقص" ، الذى تناول علاقة شاذة بين رجلين يمارسان أفعال قوم لوط بجرأة لا تقل عن جرأة خالد يوسف فى "حين ميسرة" بل ربما تَفُوقها . وأيضاً هناك فيلم "طول عمرى" للمخرج ماهر صبرى ، الذى عُرض فى أحد المِهرجانات المخصصة للشواذ فى مدينة سان فرانسيسكو .
خالد يوسف وإيناس الدغيدى
كأنه كان أمراً مخطَّطاً له أن تكون هذه المرحلة هى الأعنف والأكثر تطرفاً فى تاريخ السينما المصرية فى تناول العلاقات المحرمة وعرض المشاهد الجنسية الصريحة ، وقد أسس لها المخرج يوسف شاهين - الذى يُلقب بالأستاذ - فى أكثر أفلامه جرأةً وهو فيلم "إسكندرية نيويورك" ، الذى تضمن مشاهد جنسية فاضحة لم تقدَّم من قبل على مدار السينما المصرية ، وقد جمعت بين الممثلة يسرا اللوزى والممثل أحمد يحيى ، وكأنها بالفعل مؤامرة ، وحرب معلنة لضرب تيار السينما النظيفة فى مقتل . وبعد موت المخرج يوسف شاهين حمل الراية بعده تلميذه المخلص خالد يوسف ، الذى عزم بحماس شديد على إكمال رسالة أستاذه وقيادة المواجهة من بعده إلى جانب رفيقته فى الدرب إيناس الدغيدى ! ، فكثّفا الضوء على العلاقات غير الشرعية والحمل من سِفاح واعتمدا على المشاهد الجنسية الصريحة المقحمة والمفتعلة ، لدرجة أن البعض من النقاد وكثيرًا ممن شاهدوا أعمالهم أكدوا أنهما يتعمدان الترويج للرذيلة والعلاقات غير الشرعية بتناول هذه العلاقات بشكل صريح وفجّ . فتخطيا بأفلامهما جميع المحظورات والخطوط الحمراء . وكان اسم المخرج خالد يوسف هو الأبرز فى طرح هذه الثقافة السينمائية المتحررة من الأخلاق بعدد كبير من الأفلام ، وخاصة فيلمه "الريس عمر حرب" ، وقبله كان فيلم "ويجا" الذى يتناول بشكل فج العلاقات غير الشرعية للفتيات قبل الزواج وبعده ، ورسالة الفيلم واضحة ومفهومة ، فهو يريد أن يجعل من إقامة الفتاة المصرية علاقات مع شبان قبل الزواج أمراً عادياً ، بل ضرورياً فى المجتمع المصرى !، من خلال تقديم نماذج يروج من خلالها لادعاء أنه لا توجد فتاة لم تقم علاقة جنسية قبل زواجها ، واعتمد فى تقديم مشاهد الفيلم الساخنة على خدمات الممثلة التونُسية هند صبرى واللبنانية دوللى شاهين والمصرية منّة شلبى والتى قامت بدور أكثر جرأةً فى فيلمها "الساحر" ، وكان عمرها لا يتعدى عشرين عاماً ، بعد فيلم "أسرار البنات" لمايا شيحة وشريف رمزى اللذين لا يتعدى عمرهما الثمانية عشر عاماً فى محاولتين غير مسبوقتين فى السينما المصرية لرصد علاقات غير شرعية لمراهقين ومراهقات صغيرات السن .
وفى فيلمه "خيانة مشروعة" الذى يحمل نفس الرسالة ونفس المضمون اعتمد خالد يوسف فى تقديم المشاهد الساخنة على خدمات الممثلة المصرية سمية الخشاب والتونسية ساندى ، أما فيلمه "حين ميسرة" فقد حفل بحشد يصل لدرجة الهوس لمشاهد الاغتصاب والعلاقات غير المشروعة والمِثْلية عند النساء . نفس الاتجاه سارت عليه إيناس الدغيدى منذ فيلمها الأول "ديسكو ديسكو" ، فقد اعتمدت على تقديم مشاهد الفِراش بجرأة شديدة ، فضلاً عن اتفاقها مع خالد يوسف فى الطرح حول فكرة ترسيخ ثقافة العلاقات المحرمة وممارسة الجنس قبل الزواج ، فى أفلامها "مذكرات مراهقة" و"كلام الليل" و"دانتيلا" و"الباحثات عن الحرية" ، وغيرها وقد وُجهت إليها اتهامات صريحة بالتحريض على الفسق والفجور والدعوة للإباحية وتعرضت لتهديدات بجلْدها ، وقد اعتمدت فى معظم أفلامها على خدمات التونسية هند صبرى والممثلتين المصريتين يسرا وإلهام شاهين وأُخريات.
عادل إمام والمشاهد الساخنة
مثّل عادل إمام بمواقفه السياسية وتعمّده تناول القضايا المتعلقة بالتيار الإسلامى من وجهة نظر السلطة الحاكمة ومؤسسة الثقافة الرسمية التى يسيطر عليها اليساريون ، علامة مسجلة فى العداء للإسلاميين والحرب المعلنة ضدهم من خلال تشويه صورتهم فى كثير من أعماله السينمائية ، فضلاً عن أن أفلامه لم تخلُ من المشاهد الساخنة وتعمد العُرى ، وفى فيلمه "التجربة الدنماركية" أظهر الشعب المصرى كمتعطش للجنس ، معتمداً على خدمات اللبنانية نيكول سابا وكذلك فى فيلمه "السفارة فى العمارة" وفيلمه "عمارة يعقوبيان" ، معتمداً على خدمات التونسية هند صبرى ، واعتبر النقاد فيلمه "بوبوس" أسوأ ما قدمه ، على اعتبار اعتماده كلياً على الأفّيهات الفاضحة والقبلات والمشاهد الجنسية بدون أى مبرر درامى ، معتمداً على خدمات الممثلة يسرا .
ظاهرة الأخويْن "فوزى"
افتتح عام 2009م موسمه بفيلمى "علاقات ساخنة" و"بدون رقابة" الذى أخرجه هانى جرجس فوزى وتضمن هذا الفيلم مشاهد وعلاقات جريئة ومشاهد عرى وجنس لم تشهدها السينما المصرية من قبل واحتوى على مشاهد شذوذ بين بطلة الفيلم علا غانم وعدد من صديقاتها فى الجامعة .
ومع التراجع الملحوظ لرموز ودعاة السينما النظيفة مع بداية عام 2009م بعد الحرب الشرسة التى قادها المخرجون والمنتجون بالاستعانة باللبنانيات والتونسيات طوال عام 2008م ، شهد عام 2009م تكريساً لحضور هؤلاء اللبنانيات فى السينما المصرية ، مثل هيفاء وهبى ونيكول سابا ودوللى شاهين ومروى ولاميتا فرنجية وغيرهن . وانتهى موسم 2009م بفيلم للمخرج أسامة فوزى وهو شقيق هانى فوزى الأصغر "بالألوان الطبيعية" ؛ أى أن عام 2009 وحده شهد للأخوين فوزى فيلمين اتسما بالجرأة الشديدة فى تناول العلاقات الجنسية واخترقا بقوة "تابوهات" السينما ، هما "بدون رقابة" و"بالألوان الطبيعية" ، ففيلم "بالألوان الطبيعية" يقول من خلاله مخرجه إن الفن بكل ما يقدمه من تحرر ودخوله المناطقَ المحظورةَ فى قضية الجنس والدين، حلال، بل هو العلاج لما يعانيه الشباب من خواء وقلق وتخبط وجلد للذات وتأنيب للضمير وأنه هو الحل لمواجهة الفساد والتطرف الدينى . وبالغ المخرج كعادته فى حشد مجموعة من المشاهد الجنسية الفجة ، والقبلات الساخنة وطلبة يتعرون داخل كلية الفنون الجميلة ويحتسون البيرة ويرتكبون الموبقات داخل قاعات الدرس ، فى مشاهد أظهرت الكلية كأنها ساحة من القبح وكشف السوآت والتعرى ومباشرة الموبقات ، مما دفع طلبة الكلية إلى الاعتراض على الفيلم ، وقاموا بإنشاء جروب على الفيس بوك عنوانه "طلبة الفنون ضد فيلم بالألوان الطبيعية" وطالبوا فيه "بوقف عرض فيلم بالألوان الطبيعية، الذى تعرض بكل جرأة لسمعة كليتنا العريقة بمَن فيها من طلبة وأساتذة أفاضل" .
وأبدى المخرج داود عبد السيد اندهاشه من جرأة الرقابة التى مررت الفيلم المثير للجدل ، أما علماء الأزهر فقد أبدوا اعتراضهم على طريقة مناجاة بطل الفيلم لله سبحانه وتعالى وعلى مشاهد العرى والجنس بالفيلم ، الذى يمثل نموذجاً لطرح الأخوين فوزى السينمائى الصادم .
مستقبل المواجهة السينمائية مع الإسلاميين
كان صعود الإسلاميين مثار جدل وهواجس وتساؤلات كثيرة ، مثل : كيف سيتعامل الإسلاميون مع هذا الواقع الفنى ، وهل هناك مخاوف على مستقبل السينما المصرية ، وهل سيفرض الإسلاميون قيوداً على حرية الفنانين والمبدعين ، وهل ستكون الرقابة على السينما فى ظل سيطرة الإسلاميين أكثر تشدداً من ذى قبل مع نوعية أفلام خالد يوسف وإيناس الدغيدى والأخوين هانى وأسامة جرجس فوزى ؟.
لكن فى المقابل لم يبادر السينمائيون بطرح أسئلة على أنفسهم حول كيفية تعاملهم مع الواقع الجديد الذى صاحَبَ الصعود الإسلامى ، وحول مدى قبولهم لتطوير صناعة السينما لإحداث التغيير الذى يلائم مرحلة ما بعد الثورة ، ولم يبادر أحدهم بوضع خارطة طريق لكيفية مواجهة الوافدين الجدد فى الصراع القادم على امتلاك زِمام عصا التأثير السحرية وهى شاشة العرض السينمائى . بالطبع لن يقبل الإسلاميون فى ظل وضعهم الجديد وفى ظل سيطرتهم على مجلسى الشعب والشورى وتبدّل قواعد اللعبة السياسية أن يظل الوضع القديم قائماً ، حيث استطاع أصحاب الرؤى والأفكار المناهضة للفكرة والمشروع الإسلامى فى ظل غيبة الإسلاميين شبه الكاملة عن الساحة الثقافية عموماً أن يفعلوا ما يشاءون وأن يقدموا ما يشاءون بحرية كاملة .
وفى المقابل هناك تخوف حقيقى من عموم السينمائيين من دخول المبدعين ذوى الرؤى الإسلامية ساحة المنافسة داخل دور العرض السينمائى ، وذلك لأسباب عدة ، منها : أنهم يرغبون فى مواصلة انتصاراتهم على تيار السينما النظيفة ، ويتحسبون للحضور الإسلامى ؛ لأنه سيكون مرجحاً لكِفة هذا التيار فى المواجهة معهم ، بعد أن أحرزوا انتصارات عليه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة . وكذلك هناك تخوف من النجوم الكبار أن يفقدوا عروشهم التى بنَوْها على أنقاض هذا الواقع السينمائى المُهترِئ القائم على نظرية النجم الأوحد الذى يُفصَّل السيناريو على مقاسه والذى يلتهم معظم ميزانية الفيلم ، وبعد أن انتهى زمن الحاكم الأوحد وحكم الفرد من الطبيعى أن تتحطم أساطير النجومية الوهمية التى كانت العامل الأساسى فى فساد الواقع السينمائى المصرى ، وأن تُمنح البطولات الجماعية الفرصة الكبرى . وهذه الإصلاحات وغيرها من المتوقع أن تلقى ترحيباً واسعاً من كل فئات المجتمع المصرى ؛ فهى لا تأتى موافقة لمبادئ الإسلاميين وحدهم ، إنما تمثل مطالب الجماهير المصرية التى تتشوق لسينما راقية تعكس واقعهم بموضوعية وتتناول قضاياهم بإبداع ورُقى خالٍ من الإسفاف والابتذال ، وبطرح يخاطب عقولهم ومشاعرهم وفكرهم ، لا غرائزهم . فضلاً عن كَوْنه أحد أهم متطلبات المرحلة الثورية التى لا تقبل بغير التغيير والإصلاح على جميع المستويات الفكرية والثقافية والإعلامية والفنية ، وكما أفرزت الثورة فى الميادين فناً وطنياً راقياً أعاد الجماهير إلى زمن الفن الجميل والكلمة المسئولة واللحن الأصيل ، فهو بلا شك سيسعى لإيجاد واقع سينمائى مختلف بعيداً عن القوالب الفنية المستهلَكة التى لم تراوح ملفات التسلية الفارغة والأفيهات الفاضحة والعلاقات غير الشرعية ومشاهد الجنس .
كذلك هناك تخوُّف من بَوار وكساد المنتج السينمائى القائم على العُرى والجنس الفاضح ؛ لأنه من المتوقع أن يُقبِل المصريون على الفن الذى يحترم تقاليد غالبية المجتمع المصرى وعاداتهم ويمثل صدى لأفكارهم وقناعاتهم الفكرية والأخلاقية ، تماماً كما كان الاختيار فى صناديق الاقتراع شبه إجماع على التيار الإسلامى ، فمن المتوقع أن يكون الحضور إلى دور العرض السينمائى أيضاً فى صالح التيار الإسلامى ، الذى يَعِدُ بتقديم فن يُشبع الشخصية المصرية السويّة ، التى تميل إلى الرومانسية الهادئة والمشاعر الإنسانية العذبة الخالية من الإسفاف .
مشاركة .. لا مغالبة
سُئل أحد الممثلين المصريين الذين يتمتعون بروح الدعابة : هتعمل إيه فى ظل الحكومة الإسلامية؟! ، فقال فيما يشبه النكتة : "صدِّقْنى مش هيستغنوا عنى ؛ لأنهم لازم يعملوا تمثيليات دينية وهيكون فيها كفار" . وهذا الموقف بما يحمله من سخرية إلا أنه يعبر بذكاء عن مستقبل السينمائيين المصريين تحت سيطرة حكم التيار الإسلامى ، لا أحد يستطيع التنبؤ بما يحدث فى المستقبل ولكن لا أحد يستطيع الوقوف فى وجه التطور وفى وجه إرادة الجماهير ، مع الوضع فى الاعتبار سقوط نظام الحكم الذى كان يدعم بقوة تيار الإسفاف والعُرى وتشويه التيار الإسلامى لأغراض سياسية . وعليه فالفنانون والقائمون على صناعة السينما فى مصر مطالَبون بإعادة النظر والمراجعة والمبادرة لتصحيح الأخطاء قبل فوات الأوان ، وعليهم استثمار شهرتهم وحضورهم الجماهيرى فى تقديم أعمال ذات قيمة للدخول بها فى المنافسة الحقيقية مع الشركاء الجدد . أما فى حال إصرارهم على البقاء فى دائرة أفلام العُرى والجنس والشذوذ ، والإصرار على فرض أنماط بعينها من السلوك على المجتمع المصرى المحافظ بطبعه ، فالمحصّلة النهائية لهذا الإصرار والعناد الذى يتزعمه اليوم المخرج خالد يوسف لن تكون فى صالحهم ، وستبقى فى النهاية العملة الحسنة بعد أن تطرد العملة الخبيثة ، كما سُئل الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين يوماً عما يُعرض بدار الأوبرا ، وفاجأه البعض باقتراح من بعض الشباب المتحمس لحرق الأوبرا وقتل أحمد علام ، فقال رافضاً : "العملة الحسنة تطرد العملة الخبيثة .. فإذا كنتم معترضين على ما يقدَّم بالأوبرا يمكنكم أن تبنوا مسرحاً راقياً؛ لأن الإسلام لا يواجه المسرح والسينما بالعصا"! .