معضلتان أساسيّتان ساعدتا على سقوط حكم الإخوان، الأولى تتعلّق بالطريقة التي تعاملَ بها مرسي وجماعته مع الدولة ومؤسساتها، ونظرة المجتمع لهذه الجماعة.
والحقيقة أن ما اصطُلِح على تسميته بـ"الدولة العميقة"، والذي يتمثّل أساساً في المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء والخارجية والإعلام وجزء من الجهاز الإداري للدولة (يبلغ تعداده أكثر من 6 ملايين عامل وموظّف)، أدّى دوراً كبيراً في رفض حكم الإخوان والمساهمة في إسقاطه.
المؤكّد أن هذه الدولة كانت مهدّدةً بعد ثورة 25 يناير، التي زلزلت كيانها ولكن لم تستطع أن تقدّم قيادة سياسية قادرة على إصلاحها لا الانتقام منها أو تفكيكها. فقد حلم بعض الثوار بسقوطها من دون أن يقدّموا بديلاً سياسياً ومؤسسياً قادراً على تغيير المعادلات السائدة داخلها أو إصلاحها؛ وسعى إخوان الحكم على الانتقام منها بعد وصولهم إلى السلطة، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً.
وقد نسي الإخوان طوال عام من حكمهم أنهم جماعة تأتي من خارج الدولة المصرية، التي اعتادت أن تقدّم مَن يحكمون البلاد من عبد الناصر إلى مبارك، وحتى سعد زغلول، قائد ثورة 1919 ضدّ الاحتلال البريطاني، الذي شغل منصب وزير المعارف (التعليم) قبل قيادته للحركة الشعبية. ونسوا أن خبرات النجاح تقول بأن أي قوى أو جماعة راديكالية تأتي من خارج المنظومة السياسية السائدة، لابد أن تتبنّى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لهذه المنظومة السياسة التي صاغت ملامحها في مصر "الدولة العميقة". ويجب ألا تبدو هذه القوى أنها ستسيطر على الحياة السياسية أو تحتكرها، وأنها ستضع الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتعادي الشرطة والقضاء والجيش، وتدخل في معارك مفتوحة مع السلطة القضائية ذات التقاليد العريقة، لا بغرض إصلاحها بل بغرض الهيمنة عليها – ولاسيما أن الجماعة أعدَّت وحلفاؤها قانوناً للسلطة القضائية يقضي بعزل 3500 قاضي بعد خفض سنّ الإحالة إلى التقاعد من 70 إلى 60 عاماً، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب غالبية القضاة.
لاشك أن الدولة المصرية ليست أيديولوجية، فلا يمكن وصف الجيش المصري بأنه حامي العلمانية كنظيره التركي، بل هو جيش يشبه المجتمع في محافظته وتديّنه ومدنيّته أيضاً. كما أن بيروقراطية هذه الدولة لم تعرف حتى في عهد عبد الناصر أي توجّهات عقائدية حين ساد الخطاب الاشتراكي وظهر تنظيم طليعة الاشتراكيين الذي اخترق بعض مؤسسات الدولة. لذلك رفضت الدولة منذ اللحظة الأولى الصورة الأيديولوجية للجماعة، التي وإن لم تسعَ إلى فرض الشريعة على الدولة والمجتمع، ولم تُغيِّر شيئاً يُذكَر في القوانين المدنية، بقيت منطبعةً في الأذهان على أنها جماعة عقائدية مغلقة استفزّت الدولة والمجتمع وأثارت حفيظتهما منذ اليوم الأول لوصولها إلى الحكم.