حين تتحدث عن فسادٍ عريضٍ مستشرٍ داخل أروقة جامعتك، وحين تشكو من تجاوزات مديرها الكثيرة في تعيين أبنائه وأنسابه وقراباته، ثم يأتي من يقول لك:
(معالي المدير رجلٌ وطني صادقٌ).
ويأتي الثاني ليقول: (أنت تنتقده لأنه وطني!).
ويلحقهم ثالثٌ يقول: ( هو يذهب دائماً للحدِّ الجنوبي!).
ثم يجيء أبلد الأربعة ليقول لك: (المدير لا يعاديه إلا حاقدٌ على الوطن).
حين تسمع مثل هذا، فأنت بلا ريبٍ تتكلم عن جامعتي الحبيبة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ حيث يروج فيها منذ سنواتٍ سوق مزايدة المتسلقين والفاشلين على الوطن والوطنية. وحيث لا يستحي اللصوص والفاسدون من التباكي على الوطن الذي يسرقونه!
أنتمي للجامعة بقلبي وكياني، غير أني أعرف –كما يعرف أكثر من بالجامعة- أن ما تسرب للناس من أخبار الفساد فيها لا يعدو أن يكون جزءاً يسيراً لا يمثل سوى رأس جبل الجليد كما يقال. وفي ظني أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من كشف المستورات، فبالون القذارة والعفن متى انفجر وتناثر، فإنَّ من المحال إخفاء رائحته عبر (هاشتاق ب).
يخطئ من يظنُّ أن فساد جامعة الإمام من النوع المعتاد الذي يمكن أن ترى مثله في مؤسساتٍ رسمية أخرى. فالأمر هنا جاوز كل وصفٍ.
ليلة البارحة حدث أمرٌ يغني عن كل شرحٍ وتفصيلٍ. حيث تم ترتيب وإطلاق وسمٍ (أو هاشتاق) للحديث عن فضائل مدير الجامعة ومناقبه، وأنه رجلٌ وطنيٌّ، ومخلصٌ، وصادقٌ، وناصحٌ، و..، و..، و..، و..، ويذهب دائماً للحدِّ الجنوبي!
لا غرابة أن تقرأ مثل هذا الكلام أو تقرأ عكسه في فضاء ، لكن الشيء الغريب، العجيب، المدهش، النادر الوقوع .. أن تشارك حسابات الجامعة الرسمية في ذلك (الهاشتاق) طيلة البارحة، في حفلٍ تهريجٍ خُصِّص لصبِّ المدائح على وطنية معالي المدير!
تنبَّهوا يا سادة .. لست أتحدث عن حساباتٍ شخصيةٍ.
حسابات الجامعة الرسمية تحيي هاشتاق في للحديث عن مناقب المدير!!
هل يعقل هذا؟!
وهل هناك فسادٌ أفضح وأوضح وأقبح من ذلك؟
وهل حصل شبيهٌ لهذا الحال في أي مؤسسة حكومية من قبل؟
إذا كان الناس بالأمس يطالبون بالتحقيق في تعيين المدير قراباته، فإن المطالبة الآن ستكون بالتحقيق معه في استخدام حسابات الجامعة الرسمية لمصلحته الشخصية.
هاشتاق وطنية معالي المدير شارك فيه بالمديح والتبجيل كل من:
-حساب قناة الجامعة الرسمي ب.
-الحساب الرسمي للمعهد العالي للقضاء.
-الحساب الرسمي لعمادة العمل التطوعي.
-الحساب الرسمي لعمادة التعليم عن بعد.
-الحساب الرسمي لعمادة شؤون الطلاب.
-الحساب الرسمي لكلية اللغة العربية.
-الحساب الرسمي لكلية العلوم الاجتماعية.
-الحساب الرسمي لمعهد الإعداد اللغوي.
-الحساب الرسمي لمركز دراسة الطالبات.
لم يكف هؤلاء، فشاركت –أيضاً- الحسابات الشخصية لثلاثة من وكلاء الجامعة:
-وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي.
-وكيل الجامعة للتبادل المعرفي والتواصل الدولي.
-وكيل الجامعة لشؤون المعاهد العلمية.
ومعهم:
-عميد كلية اللغة العربية.
-عميد كلية العلوم الاجتماعية.
-عميد المعاهد الخارجية.
-ومدير العلاقات العامة بالجامعة!
هذا ما وصلني على جوالي قبل أن أخلد للنوم ليلة البارحة، وربما تواصلت الحسابات الرسمية بعدي وتسابقت للمشاركة في حفلة الفساد العلنية المكشوفة التي لا تحتاج إلى تحقيقٍ ولا تفتيش لمعرفة من يحركها ويقف وراءها.
حفلة المدائح والمناقب هذه كان لها هدفٌ واضحٌ عجزت عن تحقيقه.
كان الحديث عن وطنية معالي المدير وذهابه للحدِّ الجنوبيِّ، غرضه تغطية الانتقادات الموجهة لمعاليه بسبب تعيين ابنته وأصهاره معيدين بالجامعة رغم انخفاض معدلاتهم عن المستوى المطلوب نظاماً! ورغم وجود الكفاءات التي تستحق أن تكون في تلك المواقع التي هي ملكٌ للوطن وأبنائه، لا لمعالي المدير الوطني المخلص الصادق!
الرسالة كانت واضحة، وأقل الناس فهماً يدرك الآن أن المغزى من القصة كلها: (اسكتوا عن فساد المدير، كي لا تكونوا خونةً لوطنكم)!
كان يكفي ويغني عن ذاك العبث والتهريج أن يخرج بيانٌ رسمي من المدير نفسه، أو من المتحدث باسمه أو باسم الجامعة ليقول للناس: إن ما أشيع عن تعيين أبناء المدير وأصهاره غير صحيحٍ (إن كان غير صحيحٍ). أو على الأقل يخرج بيان مجاملة ودبلوماسية، ليقول إن الجامعة تدرس الأمر وتحقق فيه.
هذا ما يحصل عادةً في المؤسسات الرسمية السوية حين تواجه اتهاماتٍ إعلاميةً. أما أن تتَّهم مؤسسة تعليمية حكومية رسمية بقضايا فسادٍ محددةٍ واضحةٍ، فيلتزم مديرها الصمت، ثم يعمد إلى توظيف منابر الجامعة الرسمية وكبار موظفيها وحساباتها على شبكات التواصل، من أجل رصِّ المديح وسكب الثناء وتصدير شهادات الوطنية لمعالي المدير! حين يحدث هذا، فنحن أمام ظاهرةٍ كونيةٍ يصعب أن يسمع أحدٌ عنها في جامعة أخرى!
وللمزيد من التزييف والتدجيل يأتي موقع إخباري (خبر عاجل)، يملكه أحد المقربين من معالي المدير المرافقين له في سفراته، ومنها سفرته الأخيرة إلى (إندونيسيا)، ليشارك في (الهاشتاق) دون وجود خبر عاجل يستحق النشر.
تلك الطريقة البلهاء تعني –باختصارٍ- أن الجامعة لا تستطيع الردَّ على قضايا الفساد التي تحدث عنها الناس. علماً أن الذي لم يتسرب إلى الآن أكثر وأعظم وأضخم بكثيرٍ مما يتحدث الناس عنه. وأنا أدعو (ولا أريد أن أستعمل لفظة: أتحدى) أدعو مسؤولي الجامعة أن ينشروا قائمةً بأسماء الذي عُيِّنوا على وظيفة (معيد) -في الخمس أو سنواتٍ الأخيرة على الأقل- وأمام اسم كل واحدٍ منهم معدله وتقديره.
ليفعلوا هذا، كي يثبتوا لنا حقاً كيف تكون الوطنية الحقيقية، وطنية الصدق في العدل مع الناس (ومنهم أبناء الشهداء والمقاتلين في الحد الجنوبي)، وطنية التزام الأنظمة واللوائح التي أقرَّها ولاة الأمر، لا وطنية الشعارات والمصالح والفلاشات والكاميرات التي تصاحب معالي المدير حيثما حل وارتحل.
لن يفعلوا ذلك أبداً .. وكيف يفعلون، وقد وصل تعميم لكليات الجامعة بعد تسرب الفضائح، ينص على ضرورة أن ترفع الترشيحات للوظائف في خطابات سرية!!
والتعميم موقَّع من أحد الوكلاء الذين شاركوا في (هاشتاق) الفساد!
رغم حبي لجامعتي إلا أني تمنيت أن يتواصل تسرب الأخبار التي تشرح ما يحصل فيها علَّ الجهات الرقابية تصحو من رقدتها. أما الآن فلم يعد الأمر في حاجةٍ لمثل هذه الأمنيات، فما حصل البارحة لخصَّ القصة كلها.
ما حصل البارحة قصة فسادٍ شرحت نفسها وتعرَّت أمام المسؤولين وولاة الأمر.
حين يتم توظيف المنابر الرسمية للجامعة للحديث عن وطنية مديرها الفذ، وعن إخلاصه وتفانيه في خدمة وطنه، فهذه عينةٌ لواحدٍ من أكبر أمراض جامعتنا وأدوائها، حيث اعتاد مديرها منذ سنواتٍ على التصرُّف في مقدَّراتها ومنابرها ومناصبها ومواردها، وحتى شهاداتها العلمية وكأنها ملكيةٌ خاصةٌ له يستعملها كيفما يشاء.
الذي يعمل داخل أروقة جامعة الإمام لا يحتاج إلى أكثر من بناء علاقة شخصية مع معاليه، ثم يزيد فوق ذلك إدمان المديح والثناء والتبجيل بهذه الطريقة التي قرأها الناس ليلة البارحة، وبعدها سوف تتذلَّل له الصعاب ويلين له ما يستعصي على غيره ممن يحملون من شهادات الكفاءة والتميز ما يكفي ليوصلهم إلى مواقعهم المستحقة التي اغتصبت ومنحت لحاشية معالي المدير وقراباته.
إذا بنيت علاقتك مع معالي المدير، فلن يتم قبولك فقط، بل ستعين معيداً، وسيسجل لك المدير عنوان رسالتك للماجستير أو الدكتوراه حتى لو رفضها القسم العلمي.
وإذا قدمت رسالة علمية هزيلة، وشكلت لك في الكلية لجنة المناقشة، فما عليك سوى الطواف بمكتب المدير وتقبيل رأسه وكتفه، ليلغي اللجنة، ويضع لك لجنة فاسدةً أو متساهلة تمنحك الدرجة العلمية بتقدير (ممتاز) نظير بحثٍ هزيل أو حتى مسروق. ثم لن يطول انتظارك حتى يرقيك معالي المدير لتصبح رئيس قسمٍ، أو عميد كلية خادماً لمعاليه، كي تصبح بعدها عضواً فاعلاً في مسيرة الفساد والإفساد.
إن أردت الوصول فامدح وبالغ في المديح.
وحتى بعد الوصول .. إن أردت الثبات والترقِّي، فواصل مسيرة التطبيل. بل كن طبلاً بجلاجل، كي تفوز وتفلح وتترقى.
هذا حال الجامعة منذ سنواتٍ. فلا تعجب بعد ذلك أن ترى ثلاثةً من وكلائها وبعض العمداء لا يستحيون من المشاركة في (هاشتاق) يستحق حقاً اسم: (هاشتاق الفساد ونقص المروءة والرجولة)، لا تعجب أن يشارك هؤلاء، فتلك رغبة وشهوة معاليه.
كيف لا يشارك مثل عميد اللغة العربية، وقد أكرمه المدير بمنصب (عميد كلية) ولم يمض على تعيينه بالجامعة سوى سنةٍ واحدةٍ. ليردَّ العميدُ الجميل لمعالي المدير فيزوِّر له نتيجة ابنته (ر) الراسبة في مقرر (النحو)، كي تنجح رغماً عن أنف أستاذتها! وربما نراها غداً معيدة في الجامعة إلى جوار بقية أفراد العائلة.
كيف لا يشارك عميد (معهد الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) في حفلة المدائح، والمدير ينتدبه في شهر واحدٍ ليقضي سبعة أيام في جزر هاواي، ثم عشرة أيامٍ أخرى في جزر الكناري، كي يستمع هناك إلى ندوةٍ عن (فقه الصيام والقيام!).
لا تعجب بعد هذا حين يعبث المذكور بآيات القرآن الكريم، فيستدل لمعالي المدير بقول الله تعالى (واجعل لي وزيراً من أهلي)، كي يسوِّغ تعيين القرابات والأصهار!
سلوكٌ دنيءٌ يشبه صنيع بني إسرائيل في تحريف الكلم عن مواضعه.
يعفى عميد نزيه، ويوضع مكانه عميد مأجور لتمرير قضية فساد واضحة، فيأمر أعضاء القسم العلمي بالتوقيع على محضر غير نظامي، وحين يعترضون يقول لهم: (تلك توجيهات المدير، والمدير حاكم)!!
وليسأل أعضاء قسم الحسبة والرقابة عن هذه الواقعة.
هذا بعض ما يجري في الجامعة.
حين يعترض معترضٌ على هذا الفساد العميق، ثم تنطلق حناجر وأقلام حاشية المدير لتحدثك عن وطنيته الصادقة، وعن خيانة ناقديه، فاعلم أنك تخاطب كلاب حراسة رباها سيِّدها على عضِّ من يقترب منه.
وكلب الحراسة قد يكون أستاذاً جامعياً، وقد يكون عميداً .. وفي جامعة معالي المدير من الممكن أن ترى كلب حراسةٍ يشغل وظيفة (وكيل جامعة!).
معاذ الله أن يكون هؤلاء أهل دين صادقين، فضلا عن أن يكونوا أهل ثقافةٍ وعلمٍ.
معاذ الله أن يكون هؤلاء نماذج لأهل العلم والديانة والتُّقى.
معاذ الله أن يكون هؤلاء هم حراس الوطن المتفانين في خدمته.
البلدُ مملوء بأهل العلم والكفاءة الصادقين في دينهم ومع ولاة أمورهم، ومهما زايد المزايدون، ومهما خادع المخاتلون النفعيون، ومهما لعبوا بورقة الوطن وطاعة ولاة الأمر، فحبل الكذب يبقى قصيرا مبتوتا.
وإذا نجح الكذوب في تغطية دجله عن بعض الناس وفي بعض الأوقات، فلن يستطيع أن يفعل ذلك مع جميع الناس وفي كل الأوقات.
اليوم تكشفت بعض الأشياء، وفي نهاية الطريق سيتكشف كل شيءٍ.
كنت أتمنى في خاتمة هذه التعليقة لو أني أستطيع التوقيع تحتها باسمي، لكني أعترف بعجزي عن ذلك، فليس بي قوةٌ على احتمال عضات كلاب الحراسة.
لكني أقول لمعالي المدير:
المناصب والشعارات لا ترفع حدثاً، ولا تطهر نجاسةً.
حتى منصب عضوية هيئة كبار العلماء، هو مسؤولية كان عليك أن تستحضر معناها.
أما الحد الجنوبي فله رجال تحميه وتحرسه.
فقط نريد من معاليك أن تحمي الثغر الذي وُضعتَ فيه.
نريدك أن تحمي هذا الثغر من نفسك قبل غيرك.
أولئك المرابطون على الحدِّ الجنوبي لهم أبناء وإخوةٌ بعضهم يستحق المناصب التي تسرقها وتوفرها لقراباتك وقرابات حاشيتك.
نريدك أن تحمي ظهور المرابطين من أن تهدر حقوق أبنائهم بالتوظيف غير العادل.
هكذا تثبت للناس وطنيتك.
وهكذا تثبت إخلاصك لولاة الأمر .. حفظهم الله وكفاهم شر المخادعين والمخاتلين والمتاجرين بالشعارات.