(( سبحان الذى سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون , اللهم إنا نسألك فى سفرنا هذا البر و التقوى و من العمل ما ترضى , اللهم هون علينا سفرنا هذا و اطوعنا بعده , اللهم أنت الصاحب فى السفر و الخليفه فى الأهل , اللهم إنا نعوذ بك من عثاء السفر و كأبة المنظر و سوء المنقلب فى المال و الأهل ))
السفر قطعة من العذاب، وكيف لا يكون كذلك وفيه فراق الأحباب والأصحاب، إلا أن الإنسان لا يستغني عنه بحال، إذ هو جزء من حياة البشر وبه يقضون مصالحهم ويتبادلون المنافع، وقد فسَّر العلماء السياحة الواردة في القرآن الكريم بالسفر، قال السعدي رحمه الله عند قوله تعالى: {السائحون} “ فسرت السياحة بالصوم، أو السياحة في طلب العلم، وفسرت بسياحة القلب في معرفة الله تعالى ومحبته والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الأقارب ونحو ذلك “ ا.هـ، ولذلك كان السفر عبادة يتقرُّب بها العبد إلى الله إن صح مقصوده، والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله·· وفوائد السفر كثيرة، وقديما قال الشافعي ـ رحمه الله ـ:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
وسأذكر فائدتين من فوائد السفر ثم أعرج على دعاء السفر:
الفائدة الأولى: أن السفر يتيح للمرء أن يستجم من التعب من العمل دينيا كان أو دنيوياً، وإذا صح مقصود العبد في الاستجمام فإنه يثاب عليه، وقد يستأنس لذلك بحديث: إن لنفسك عليك حقاً، وبحديث أبي طلحة رضي الله عنه وكان أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله “ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب... الحديث، قال العلماء: فيه جواز دخول أهل الفضل الحوائط والبساتين، والاستظلال بظلها والأكل من ثمارها، والراحة والتنزه وقد يكون ذلك مستحسناً يترتب عليه الأجر إذا قصد به إجمام النفس من تعب العبادة وتنشيطها في الطاعة.
الفائدة الثانية: أن من فوائد السفر أن ندرك قيمة الأشياء التي نمتلكها في بيوتنا، فالمسافر تقل ملكيته للأشياء خارج بيته، فالأشياء التي يستخدمها يشترك معه الغير في استخدامها، أما في بيته فكل شيء ملكه له الحرية المطلقة فيه، ولذلك فالمسافر إذا عاد إلى بيته بعد السفر خصوصاً الأسفار الطويلة يشعر بأنه دخل إلى المأوى الحقيقي له، الذي تستريح به نفسه ويطمئن به قلبه، فيحمد الله تعالى على نعمه وآلائه عليه، ويكون سفره سبباً في تجديد شكر نعمة الله عليه.
وإذا كان الإسلام قد أباح لنا السفر فإنه شرع للمسافر الكثير من الآداب والأذكار التي تزيد من نعيمه وسعادته في السفر، وتكون سبباً في حفظه، وتأمل قول المسافر حين الركوب سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين “ أي مطيقين “ وإنا إلى ربنا لمنقلبون، قال العلماء: في قوله وإنا إلى ربنا لمنقلبون، تذكير بالموت الذي قد ينشأ عن الركوب من تعثر الدابة وسقوطه عنها فيحمله ذلك على الاستكانة لله سبحانه والتوبة عن سائر المخالفات. وهذا قبل أن تظهر وسائل النقل الحديثة التي تحمل الأخطار أكثر من الدواب، فجدير بمن يركبها أن يستحضر ذلك وأن يعلم أنه قد لا يرجع من سفره إلى أهله، وإن من يستحضر هذا المعنى في سفره حري به ألا يقع فيما نهي عنه