بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
التبعيضية تعلمنا الموضوعية والتعميم من العمى :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس والعشرين من دروس سورة النساء، ومع الآية السادسة والأربعين، وهي قوله تعالى:
﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
أيها الأخوة، يقول الله جل جلاله:
﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾
فهذه
﴿مِنَ﴾
كما يشرحها علماء العربية تبعيضية، أي بعض الذين هادوا يفعلون، وهذه التبعيضية تعلمنا الموضوعية، والتعميم من العمى، وإطلاق الأحكام من ضيق الأفق، هؤلاء بعضهم يفعلون كذا، وقال بعض علماء التفسير: إنها بيانية، أي:
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً* مِنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾
أي أعداءكم من الذين هادوا، أو أن تكون تبعيضية، أي أن بعض الذين هادوا يفعلون هذا، ماذا يفعلون؟ الحقيقة أمراض بني إسرائيل ذكرت في القرآن الكريم بشكل مفصل، لأن المسلمين مرشحون أن يقعوا فيها، وهذه طريقة تربوية عالية حينما يوجه الله قوماً إلى ثغرات وانحرافات يمكن أن يتلبسوا بها، ويسمي علماء التربية هذا الأسلوب بالأسلوب غير المباشر، وهو أوقع وأشد تأثيراً:
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾
الكلم؛ هو الوحي، الكلم هو كلام الله، وهو المقصود به هنا، حينما لا تستطيع أن تلغي النص، حينما لا تستطيع أن تنكر النص، من منَ المسلمين من شتى بقاع الأرض يجرؤ أن يقول: إن القرآن ليس كلام الله؟ ليس هناك خلاف حول ثبوت كلام الله، أو لا يجرؤ أحد أن يقول: هذا القرآن ليس كلام الله، لكن كيف يطعنون في الدين؟ عن طريق تأويله.