يعدّ فقدان الشهية من أهم الاعراض للعديد من الامراض، ومن المعروف ان الإنسان الاعتيادي الذي لا يعاني من مشاكل نفسية أو صحية فإنه يشعر بالجوع وفق احتياجه للطاقة، وتحت سيطرة الايعازات المركزية الصادرة من الدماغ. ويعد الشعور بالرغبة لتناول الطعام حالة صحية ضمن الضوابط المتعارف عليها. ان فقدان الشهية هو الامتناع اللا ارادي عن تناول الطعام، ولا يعني ذلك الامتناع عن تناول انواع محددة من الطعام، فهذا المفهوم يختلف عن حالة عدم الرغبة في تناول نوع أو انواع محددة من الاطعمة او الاشربة ولاسباب عديدة تختلف باختلاف السبب كتقبل الطعم أو الرائحة أو غير ذلك. "الشهية" هي احدى الفعاليات الحيوية التي يقوم بها الدماغ بالارتباط المباشر مع مجموعة من العوامل منها: خلو المعدة من الطعام، مستوى هورمونات وانزيمات ومواد بايو ـ كيمياوية معقدة اخرى في الدم، الاجهاد وصرف الطاقة، الحالة الصحية العامة، العادات التي يمارسها الشخص كالتدخين مثلا، حيث تعد المواد التي يحتويها التبغ احد اهم عوامل فقدان الشهية,...الخ، علما ان تناول وجبات الطعام وتوقيتاتها من الامور التي تنتظم وفق ارادة الشخص نفسه (اي ما يعرف بالتعويد)، ناهيك عن مجموعة العوامل المتداخلة في عملية تناول الطعام أو الرغبة في تناول الطعام التي تعرف بالـ"الشهية". وفقدان الشهية على الاغلب يكون قائماً مادام السبب أو الاسباب قائمة، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان العزوف عن تناول الطعام على سبيل المثال يكون ملازما لحالة ارتفاع حرارة الجسم أو بعد اجراء عملية جراحية، أو في الادوار الاولى لاي سبب يؤدي الى الالم في جزء أو كل الجسم...الخ. ولاحظ الاطباء ان فقدان الشهية بشكل عام يرتبط ارتباطا مباشرا بالوضع النفسي. ان حالة فقدان الشهية ينتج عنها رفض لتناول الطعام ما يتسبب في نقص في الوزن والطاقة وبالنتيجة يتوقف الكثير من الافعال الحيوية. وسنناقش الموضوع تحت عنوانين، فقدان الشهية لدى الاطفال وفقدان الشهية العصبي، فقدان الشهية لدى الاطفال: من المشاكل الشائعة في طب الاطفال، بل احدى اهم اسباب زيارات الابوين الاطباء هي عزوف الطفل عن تناول طعامه. وهناك ثلاثة انواع من فقدان الشهية لدى الاطفال: الاول: فقدان الشهية الحاد: يكون مؤقتاً يصاحب إلتهابات فايروسية أو بكتيرية (خصوصا امراض الجهاز التنفسي)، إلتهابات الفم واللسان وتقرحاتهما، وكذلك خلال مرحلة التسنين، مع العلم ان ارتفاع حرارة الجسم يشير الى وجود خلل ما داخل الجسم، وان ارتفاع الحرارة بذاتها يمنع الشهية. يبدأ الطفل بتناول طعامه حال زوال هذه الاسباب. الثاني: فقدان الشهية الوظيفي المزمن: شائع بين 2 ـ 6 سنوات من العمر، سببه ان كمية الطاقة (السعرات) التي يحتاجها الطفل في هذا العمر اقل عن السنة الاولى، ان اللجوء الى اطعام الطفل عنوةً يؤدي الى نتائج عكسية، انما الطفل بحاجة الى مدارات من اجل الحصول على ما يحتاجه خلال هذه الفترة من طاقة. الثالث: فقدان الشهية العضوي المزمن: وهو مصاحب لحالات مَرَضية مزمنة كالإلتهابات الروماتزمية، امراض الجهاز التنفسي، امراض الكُلى أو الكبد، العيوب الخلقية في القلب أو الدماغ, ويعاني الطفل نتيجتها من: ارتفاع حرارته، تضخم الغدد اللمفاوية، ونتيجة لفقدان الشهية يصاب الطفل بفقر الدم ونقص الوزن. الكثير جدا من اهالي الاطفال يشكون من رفض اطفالهم تناول الوجبات الغذائية الرئيسة والغنية بالفايتمينات والبروتينات والنشويات...الخ، وفي الوقت نفسه نجد ان الطفل لا يشبع من تناول الحلويات والمشروبات الغازية أو العصائر..الخ. ان قلق الابوين ناتج عن ادراكهم من ان ما يتناوله طفلهم غير كافٍ لنموه، وهما محقان، فالطفل احوج ما يكون للعناصر الغذائية الرئيسة فهو في حالة نمو وما يصرفه من طاقة تفوق ما يكتنزها من تغذيته غير الصحية، ولكن يجب ان نعرف الحقائق الآتية: 1- ان الاطفال ميالون للحلويات عموما، وهذا بسبب من الطعم المستساغ للحلويات والتي هي مصدر جذب لهم. 2- ان الاطفال في المرحلة السلبية من العمر (2 ـ 4 أو 5 سنوات) يمتازون بميلهم للتمرد. 3- ان الطفل لم يفقد الشهية والدليل انه يتناول الحلويات والكيك والنستلة والعلكة والمشروبات الغازية وغيرها، بل ان كل شيء جديد امام الطفل يبهره، ويجذب فضوله، ناهيك عن طريقة تغليف هذه المواد التي تجذب نظره قبل كل شيء فتراه يتمسك بها. 4- ان الطفل في هذه المرحلة من العمر واقل (يعني بين 9 اشهر والسنة والنصف) يقلد الاخرين، لذا وجد علماء النفس ان الطفل في هذه المرحلة يتناول طعامه مع مجموعة من الاطفال افضل مما لو كان لوحده. وهناك ملاحظة اخرى ان الطفل يتناول طعامه حينما يهتم بشيء آخر كافلام كارتون أو لعبة يتسلى بها وغيرها. 5- على الابوين أو مَن هو مسؤول عن تربية الطفل ان يمتاز بسعة الصدر والتحمّل من اجل اطعامه، كقص القَصص، الغناء، الرقص...الخ. 6- اعتاد الكثيرون من الاهالي على اعطاء اطفالهم ما يطلقون عليه المشهّي، وعلميا لا يوجد مشهي في متناول اليد، كون العلاج الذي يحفز الشهية لابد ان يعمل على مركز الشهية في الدماغ. اما المقويات فالتغذية الطبيعية كفيلة بمنح الطفل كل المواد الاساسية لبناء الجسم دون الكيمياويات وموادها الحافظة والوانها الموجودة في قنينة مجموعة الفايتمينات والمعادن ومنها الحديد. فقدان الشهية العصبي: هو مَرَض نفسي ـ جسماني يصاب به الكبار والصغار، ينتشر بين المراهقات، ربما يكون وقتياً أو مزمناً، اسبابه: اولا: عضوية: ان مركز الشهية لدى الإنسان موجود في موقع في الدماغ اسمه (تحت الماهاد) يتاثر بمجموعة عوامل منها نواقل الايعازات العصبية (السيروتونين، الادرينالين، الدوبامين)، ومنها ايضا الغدة الدرقية ووظائفها الهورمونية. كما لاحظ العلماء ان التوسع في اخاديد الدماغ والتي يجب ان تملأ بالسائل الشوكي كان ملازما لحالات فقدان الشهية العضوي. ثانيا: العوامل الاجتماعية: كثيرون يعانون من مشاكل اجتماعية واجواء غير صحية ولا طبيعية داخل الاسرة. كما ان هناك حالة التأثر بالمشاهير، اذ تلعب دورا في الامتناع عن تناول الطعام. اضافة الى ان بعض المهن تتطلب ان يكون صاحبها نحيفا كراقص البالية أو مضيف الطيران أو عارض الأزياء. ثالثا: العوامل النفسية: كما اسلفنا فإن حافز الشهية يتأثر مباشرة بالوضع النفسي وغالبا ما يكون الحزن أو التأثر العاطفي هو السبب الرئيس في ذلك، أو ربما كانعكاس لحالة خوف من ان اكتساب الوزن سيعود على الشخص بمشاكل، أو نتيجة الالتزام الشديد بتعليمات صارمة خاصة بتحديد التغذية، خصوصا لدى المصابين بداء السكري أو الذين يعانون من ارتفاع نسبة الدهون أو من ارتفاع اليوريا أو اليورك اسد. المصابون بهذه الحالة يعانون 1- هشاشة العظام بسبب نقص الكالسيوم، نقص حجم العضلات. 2- قصور الغدة الدرقية، اضطرابات وظائف المعدة، والامساك المزمن مما يدفع المريض الى استخدام الملينات (المصنوعة من مواد غير طبيعية) فتسبب حالة حموضة الدم وهي حالة خطرة. 3- تورم الغدد اللعابية والبنكرياس. 4- اختلال الدورة الشهرية. 5- انخفاض المغنيسيوم مما يسبب نوبات صرع وانخفاض في القدرات الذهنية والتركيز. 6- انخفاض درجة حرارة الجسم. 7- بطء ضربات القلب بسبب نقص البوتاسيوم وقصور الدورة الدموية مع تورم القدمين. 8- انخفاض ضغط الدم، جفاف في الجلد وشعر الرأس مما يجعله يعاني من حالة التقصف. ملاحظة مهمة جدا: انتشرت في الاونة الاخيرة مانعات الشهية والتي تعمل بشكل مباشر على الدماغ فتسبب الكثير من التلف لمجموعة من اجهزة الجسم ابتداءً بالدماغ نفسه مرورا بالكبد وانتهاءً بالجهاز العضلي. ولابد من الاشارة الى وجود حالة فقدان الشهية الوقتي أو العَرَضي والتي تتزامن مع الدورة الشهرية كجزء من صورة "متلازمة السابقة للحيض"، وهي مجموعة اعراض جسمية ونفسية وعاطفية ترتبط بحدوث الحيض، وتبدا الاعراض بايام قليلة من نزول الطمث وتنتهي بظهوره، تمتاز هذه المتلازمة بتغيرات المزاج، واضطراب السلوك وتغيرات وظيفية. وهناك حالتان اراديتان لا بد من الاشارة لهما: الاولى: اتباع حمية غذائية (عمل ريجيم)، حيث يلجا اليها الكثيرون ممن يعانون من زيادة الوزن ويمتلكون الارادة القوية وبالتالي فـانهم نفسيا وجسمانيا يتعودون على الاكل القليل. الثانية: الاضراب عن الطعام، وهو نوع من انواع التعبير عن الرفض لحالة ما أو وضع ما، ويؤدي الى الكثير من المشاكل واحيانا حتى الموت. وفي جميع الاحوال أو الانواع أو الحالات فإن التوازن الجسماني مطلوب، ويمكن تطبيق معادلة الكتلة الجسمانية لمن هم اكثر من 18 عاماً من العمر وعلى الشكل الاتي: الكتلة الجسمانية = الوزن (كغم) تقسيم على مربع الطول (بالمتر)، فاذا كانت النسبة اقل من 19 فإن الشخص يعاني من قلة وزن. كذلك يمكن التعامل مع حالة فقدان الشهية وفقا لسببها، اما بالنسبة للاطفال فلا يوجد سبب يمنع الطفل من تناول طعامه الا اذا وجد خلل وظيفي حقيقي لديه. وبالنسبة للكبار الذين يودون تناول الطعام ولكن لايستطيعون فإن الغذاء نفسه افضل مشهي مع العمل على ازالة السبب النفسي الكامن وراء فقدان الشهية. وبالتجربة العملية ظهر لنا ان كثرة استخدام الادوية وتضارب بعضها ادى الى حالة فقدان الشهية..