بسم الله الرحمن الرحيم..وبه نستعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
إن مما حرمه الإسلام، وغلظ في تحريمه: الرشوة، وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه. ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلماً لأحد. والرشوة من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده، ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها، فالواجب اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها، لما فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والعواقب الوخيمة، وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة، وهم: الراشي والمرتشي والرائش: وهو الوسيط بينهما، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: ((لعن الراشي والمرتشي والرائش)) رواه أحمد والطبراني من حديث ثوبان رضي الله عنه. واللعن من الله: هو الطرد والإبعاد عن مظان رحمته، نعوذ بالله من ذلك، وهو لا يكون إلا في كبيرة، كما أن الرشوة من أنواع السحت المحرم بالقرآن والسنة، فقد ذم الله اليهود وشنع عليهم لأكلهم السحت في قوله سبحانه: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ[
وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من هذا المحرم وبيان عاقبة مرتكبيه منها: ما رواه ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به، قيل: وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم))،وروى الإمام أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسَنَة، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب)). وما رواه الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: (استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهدي لي. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه (أوفي بيت أمه) حتى ينظر أُيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرتي إبطيه، ثم قال: "اللهم هل بلغت؟" مرتين). ومن صورها: الرشوة للحصول على وظيفة في أي جهة من الجهات الرسمية أو غيرها من الوظائف الخاصة. أو دفع رشوة للترقية. أو دفع رشوة للنقل من مكان إلى مكان. أو دفع رشوة من أجل الحصول على علاوة لا يستحقها، أو إجازة غير نظامية. أو إعطاء الطالب هدية لأستاذه من أجل إنجاحه في الامتحان. أو دفع رشوة من أجل الحصول على شهادة أو مؤهل لا يستحقه طالبه. أو دفع رشوة لتيسير أمر من الأمور التي يمنعها النظام الذي وضعه ولي الأمر، كالعمال الذين يدفعون مالاً لكفلائهم ليعملوا بحريتهم في أي مكان. أو دفع المقاول أو من ينوب عنه رشوة للمسؤولين عن المناقصات الخاصة بالمشاريع من أجل إرساء المشروع عليه. أو دفع رشوة للقائمين بالرقابة على تلك المشاريع من أجل استلام المشروع وفيه نقص وعيوب، أو عدم إكماله بالصورة المتفق عليها.
والرشوة لها أشكالٌ كثيرة ومتنوعة (كالمبالغ النقدية، أو تقديم خدمات، أو تسهيلات أو أشياء عينية، أو الدعوة إلى ولائم، إلى غير ذلك من أشكالها الأخرى). وآخر ما وقفت عليه من صورها أن بعض الناس يضع فاتورة هاتف أو كهرباء أمام المراجع قائلاً هذه الفواتير تحتاج إلى سداد، ثم إن قام المراجع بسداد فاتورة الموظف وإلا ترك معاملته واحتج بأعذار واهية لهذا المراجع.
والله المسئول أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ومن المتعاونين على البر والتقوى، الملتزمين بكتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.