الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعـــــد
فيا أيها الاخوة الكرام :
إننا في هذا اللقاء الذي نرجو أن يفتح الله علينا فيه من خزائن فضله ورحمته
وأن يجعلنا من الهداة المهتدين ومن القادة المصلحين ومن المستمعين ، المنتفعين ،
نبحث في أمر مهم يهم جميع المسلمين ألا وهو (( قضاء الله وقدره ))
والأمر ولله الحمد واضح، ولولا أن التساؤلات قد كثرت ولولا أن الأمر اشتبه على كثير من الناس،
ولولا كثرة من خاض في الموضوع بالحق تارة وبالباطل تارات
ونظرا إلى أن الأهواء انتشرت وكثرت وصار الفاسق يريد أن يبرر لفسقه بالقضاء والقدر ،
لولا هذا وغيره ما كنا نتكلم في هذا الأمر . والقضاء والقدر ما زال النزاع فيه بين الأمة قديما وحديثا فقد روى أن
النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القدر
فنهاهم عن ذلك وأخبر أنه ما أهلك الذين من قبلكم ألا هذا الجدال 1
ولكن فتح الله على عباده المؤمنين السلف الصالح الذين سلكوا طريق العدل فيما علموا وفيما قالوا
وذلك أن قضاء الله تعالى وقدره من ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه فهو داخل في أحد أقسام التوحيد الثلاثة
التي قسم أهل العلم إليها توحيد الله عز وجل :
القسم الأول :
توحيد الألوهية ، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة .
القسم الثاني :
توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير .
القسم الثالث :
توحيد الأسماء والصفات ، وهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته .
ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى :
القدر قدرة الله.ا.هـ لأنه من قدرته ومن عمومها بلا شك وهو أيضا سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون الذي لا يطٌلع عليه أحد
ونحن لا نعلم بما قدّره الله لنا أو علينا أو بما قدَّره الله تعالى في مخلوقاته
إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه .
أيها الإخوة :
أن الأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره
وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير كالشجرة في مهب الريح ،
ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره .
ولا شك أن هؤلاء ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة
أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
القسم الثاني :
غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد
وزعموا أن العبد مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد ألا بعد أن يقع منهم
وهؤلاء أيضا غلوا وتطرفوا تطرفا عظيما في إثبات قدرة العبد واختياره .
القسم الثالث :
وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة
سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل الشرعي وعلى الدليل العقلي
وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول :
ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه
كإنزال المطر وانبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة
التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة
وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني:
ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها و أرادتهم
لان الله تعالى جعل ذلك إليهم
قال الله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28)
وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152)
وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 )
والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار واجبار
فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح
يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .