تقدم عدد من النساء للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في مصر، ليتسع بذلك الخرق في حياتنا الإسلامية، وتتمادى تيارات التغريب في إهدار أحكام الإسلام، بسبب حمّى المطالبة بالمساواة الكاملة مع الرجل التي أصابت عقولهم.
وأقوال الأئمة والعلماء في هذه المسألة منذ عصر النبوة مجمعة على عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة وفي مقدمتها منصب الحاكم أو رئيس الدولة، ولكن في هذا العصر الذي تأثر فيه عدد غير قليل من المسلمين بالثقافة والأفكار الغربية الضالة التي تخالف ديننا مخالفة صريحة؛ ظهر من يقول بأن ترشح المرأة للولايات العامة وتوليها لمنصب الرئيس جائز! ولذلك سوف أذكر هنا الأدلة الشرعية التي ذكرها العلماء على عدم جواز تولي المرأة للولايات العامة وخصوصاً منصب رئيس الدولة.
ولكن قبل ذلك لا بد من التفريق بين هذه المسألة وبين المسائل الأخرى في قضية الولاية، فالولايات نوعان خاصة وعامة، فالولايات الخاصة: مثل تولي نظارة الوقف، والوصاية على اليتامى، والولايات العامة: مثل تولي القضاء، وتولي رئاسة الدولة أو الملك. ففي الولايات الخاصة هناك ولايات يصح للمرأة أن تتولاها كنظارة الوقف ووصاية الأم على اليتامى، أما الولايات العامة فليس فيها ما يصح للمرأة أن تتولاه، ولا سيما منصب الإمامة الكبرى. وكل ولاية أحكامها الخاصة بها ولا يصح لا قياس بعضها على بعض، فمثلاً وصاية الأم على اليتامى هي ولاية خاصة ولا يصح أن يقاس عليها القضاء أو الإمامة العظمى؛ لأنهما من الولايات العامة، وقياس العام على الخاص فاسد ومردود.
كما لا بد من معرفة أن الذكورة، مع كونها شرطاً في الولايات العامة عموماً، لا خلاف بين العلماء في كونها شرطاً ووصفاً لازماً سواء في منصب الخلافة العامة التي تحكم دول الإسلام كافة مع ما لها من شروط أخرى، أو في المنصب الذي يقوم مقام منصب الخلافة العامة في حال انقسام وتمزق دولة الإسلام إلى دول متعددة، وهو ما يطلق عليه الآن في كثير من الدول رئاسة الدولة، وفي بعضها الملك، وفي بعضها السلطنة، وفي بعضها الإمارة، قال إمام الحرمين الجويني: (الباب الرابع: في صفات الإمام القوام على أهل الإسلام... ومن الصفات اللازمة المعتبرة: الذكورة...)(1) ، وقال الخطيب الشربيني: (رابعها – أي شروط الإمام الأعظم-: كونه " ذكراً " ليتفرغ ويتمكن من مخالطة الرجال، فلا تصح ولاية امرأة لما في الصحيح "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة")(2).
أولاً: الأدلة على عدم جواز تولي المرأة لرئاسة الدولة:
1- من القرآن الكريم: قال _تعالى_: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ..."[النساء: 34]، ففي هذه الآية جعل الله _تعالى_ الرجل قوّاماً على المرأة، فلا يصح أن تكون المرأة قوامة على الرجل، هذا في الأسرة، ومن باب أولى لا يصح أن تكون قوامة عليه فيما هو أكبر من الأسرة وهي الولايات العامة في الدولة أو الأمة كالقضاء والمجالس النيابية والوزارة والرئاسة.
قال البغوي: "القوّام والقيّم بمعنى واحد، والقوّام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب"(3). وقال ابن كثير: ("الرجال قوامون على النساء"، أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. "بما فضَّل اللّه بعضهم على بعض" أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك المُلك الأعظم؛ لقوله _صلى اللّه عليه وسلم_: "لن يفلح قوم ولَّو أمرهم امرأة" رواه البخاري، وكذا منصب القضاء وغير ذلك "وبما أنفقوا من أموالهم" أي: من المهور والنفقات... فناسب أن يكون قيماً عليها كما قال اللّه _تعالى_: "وللرجال عليهن درجة" الآية، وقال ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء عليهن، أي تطيعه فيما أمرها اللّه به من طاعته...)(4).
وقال الرازي: "واعلم أن فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقة، وبعضها أحكام شرعية، أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة، ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة... وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق...والولاية في النكاح...وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب... والسبب الثاني لحصول هذه الفضيلة: قوله _تعالى_: "وبما أنفقوا من أموالهم""(5).
وقوامة الرجل على المرأة وتقديمه عليها أمر واضح ظاهر في الإسلام في كثير من جوانب الحياة العامة، وتولية المرأة للولايات العامة وخصوصاً رئاسة الدولة؛ فيه مخالفة لأحكام الشريعة، وإهدار لمقاصدها، ومضادة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وهدم لنظام الحياة الإسلامية، قال العز بن عبد السلام: "ولا يَلِيقُ بالرجال الكاملة أَديَانهُم وعقولهم أَن تحكم عليهم النساء لنُقْصان عقولهن وَأَديَانِهن، وَفِي ذَلِكَ كسر لِنَخْوَةِ الرجال، مع غَلَبَةِ المفاسد فيما يحكم به النِّساء على الرِّجَال، وقد قال عليه السلام: "لَنْ يَفْلَحَ قَومٌ وَلَّوْا أَمرهم امرأَة""(6).
2- ومن السنة: روى البخاري عن أبي بكرة قال: "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة""(7) وفي رواية الإمام أحمد: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة"، قال الدكتور مصطفى ديب البغا: ((أيام الجمل) أي كان انتفاعي بتلك الكلمة، أيام وقعة الجمل... وكان انتفاع أبي بكرة -رضي الله عنه- بتلك الكلمة أن كفته عن الخروج والمشاركة في الفتنة. (لن يفلح) لا يظفرون بالخير ولا يبلغون ما فيه النفع لأمتهم. (ولّوا أمرهم امرأة) جعلوا لها ولاية عامة، من رئاسة أو وزارة أو إدارة أو قضاء)(8).
قال المناوي: ("لن يفلح قوم ولوا" وفي رواية ملكوا "أمرهم امرأة" بالنصب على المفعولية وفي رواية (ولي أمرهم امرأة) بالرفع على الفاعلية؛ وذلك لنقصها وعجز رأيها، ولأن الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك، فلا يصح أن تولى الإمامة ولا القضاء)(9).