كيف يفكر شعب ما فى السياسة وكيف يعبرعن هذا التفكير؟ هذا هو السؤال الجوهرى الذى يجب ان يسأله صناع القرار بل وكل العقلاء فى أى دولة تريد ان تنهض وتتقدم. وذلك لان معرفة كيف يفكر الافراد سوف يمكن الحكام من معرفة ما يريد ويرغبه شعوبهم. ان آراء الافراد فى اى مجتمع هى التى تدفعهم للقيام بما يرغبون القيام به أوعدم القيام بما يرفضون. ولعل من أهم المفاهيم السياسية المعاصرة التى ثم استخدامها للاجابة على هذا السؤال هى ما اصطلح على تسميته "بالراى العام." وفى تصورى لكى يمكننا فهم هذا المصطلح واستخدامه الاستخدام الامثل لابد ان نحاول فهم مكوناته الاساسية. وهذا يتطلب محاولة الاجابة على العديد من الاسئلة التى لعل من أهمها الاتى:
1. ماذا نعنى بالراى العام؟
2. ماهى أهمية الراى العام؟
3. ماهى أهم متطلبات الراى العام؟
4. ماهى أهم خصائص (أوصفات) الراى العام؟
5. كيف يتطور (أوينمو) الراى العام؟
6. ماهى أهم الآليات التى تستخدم لقياس الراى العام؟
7. ماهى أهم عيوب الراى العام؟
أولا: ماذا نعنى بالراى العام؟
الحقيقة التى لا جدال فيها عند كل العقلاء هى ان مفهوم الراى العام هو مفهوم قديم قدم التجمعات البشرية نفسها. فمند تجمع الناس واستيطانهم فى اماكن مستقرة والفرد ذائما حريص على معرفة راى جماعته بطرية او آخرى. بمعنى آخر مند بداية تكوين الجماعات الانسانية ظهر معها ظاهرة محاولة فهم آراء الافراد الذين يشكلون تلك الجماعات. وما اعنيه بالراى العام هنا هو كل وجهات النظر والافكار والسلوكيات التى يملكها افراد المجتمع فى لحظة زمنية معينة. ومن منظور آخر يمكن القول ان الراى العام هو عبارة عن صورة فوتوغرافية للأفكار والآراء التى يحملها مجموعة من الافراد فى لحظة زمنية معينة. ويمكن ان ننظر له ايضا على انه مجرد آلية يمكن بواسطتها معرفة وقياس آراء ورغبارات المواطنين وتوقعاتهم, وكل ما يتعلق بما يدور فى أذهان الناس بالنسبة لمواقفهم السياسية أوانحيازاتهم أوأختيارتهم أوميولهم الايديولوجية والفكرية.
ثانيا: أهمية الراى العام
السؤال الذى قد يسأله البعض هو هل حقا ان الراى العام لابد من دراسته وفهمه والاستفادة منه فى كل مجتمع يريد ان يتقدم وينهض. وهنا يمكننا القول بان دراسة الراى العام ضرورية ومهمة لاسباب عديدة لعل من أهمها: (1) الشعب: بمعنى الايمان بان الشعب هو مصدر السلطات وعليه فمعرفة رايه شىء ضرورى ومهم. وان معرفة الطريقة التى يفكر بها الشعب ستقود الى معرفة الكيفية التى يمارس بها سياسته. (2) الاختيار: بمعنى الايمان بان الراى العام هو الاساس الذى تقوم عليه كل الانظمة المتحضرة. وعليه فكل دولة بغض النظر عن شكل نظام حكمها لابد ان تعطى الاهتمام للراى العام. ولا يمكن ان تجد مرشح (فى انتخابات ما) يريد ان ينجح فى حملته الانتخابية لا يعتمد على استطلاعات الراى العام لمعرفة كيف يفكر افراد منطقته الانتخابية. (3) الوعى: وذلك باعتبار الراى العام المؤشر الضرورى لمعرفة آراء ومعتقدات وأتجاهات الناس فى مجتمع ما. وهو ضرورى لكى تستطيع الحكومة التعرف على مدى وعى المواطن السياسى وانتماءه وايضا المؤشر الاساسى لنجاح اوفشل اى حكومة. وكل حكومة لا تستمع لآراء مواطنيها ولا تستجيب لرغباتهم لا يمكن ان نقول انها تقوم على اساس جماهيرى ولا انها ناجحة مهم أدعت ذلك. (4) أطار للعمل بما يجب ان تكون عليه السياسات المستقبلية. فعن طريق معرفة الراى العام يستطيع صانعى القرار فى الدولة وضع الخطط المستقبلية وتوجيه وادارة شؤونها.
ثالثا: متطلبات (أوشروط) الراى العام:
بمعنى كيف يمكن التفريق بين الراى العام والراى الخاص وبين ما هو راى وما هو غير راى. والحقيقة ان اى فكر يحمله الانسان اوقيمة يؤمن بها لكى تكون راى ولكى يكون هذا الراى عام لابد ان تتوفر فيه على الاقل الشروط الاتى (1) التعبير: ببساطة جدا يمكن القول ان اى قيمة يؤمن بها الانسان أوموقف يتخده لا يتم التعبير عنه لا يمكن اعتباره راى. وبمعنى آخر برغم من الاعتراف بان لكل فرد فكر مقتنع به وقيم مستعد الاستشهاد من أجلها الا ان هذا الفكر وهذه القيم لن يعتبر راى الا اذا قام هذا الفرد بالتعبيرعنها. (2) القضية: لكى يكون الراى راى عام يجب ان يكون هناك قضية معينة يتم اتخاد موقف حولها أو سؤال يجب الاجابة عليه. وبمعنى آخر لن يكون هناك راى الا اذا كان هناك قضية اوموقف يتعلق بهذا الراى. (3) السؤال: ان الراى العام فى العادة يتعامل مع سؤال سياسى اواقتصادية اواجتماعى اوثقافى أو اى قضية تهم الشعب اوالوطن ككل ولا يجب ان يتعلق بالاشخاص انفسهم أوبقضايا خاصة.
رابعا: خصائص (أوصفات) الراى العام:
وهنا لابد من التأكيد على ان هناك خصائص كثيرة يمكن أستنباطها من دراسة الراى العام. وحيت انه فى هذه العجالة لايمكن التركيز الا على ما أعتقد انها صفات هامة ولابد على كل من يرغب فى دراسة الراى العام ان يهتم بها. ومن هذه الصفات الاتى:
1. الدرجة: بمعنى هل الراى قوى ام ضعيف فيما يتعلق بقضية أوشخص اومؤسسة معينة. وبمعنى آخر لابد من قياس الراى العام على كفة الميران السياسى الذى تقاس به درجة قوة الراى ام ضعفه. ومن هذا البعد يمكن ان نستخلص فيما اذا كانت بعض الاراء تدل على ايمان قوى بينما بعضها الاخر لا يمكن أعتبارها آراء قوية. فمثلا عندما يكون الراى العام حول قضية معينة أكثر من 50% نستطيع ان نقول ان هذا الراى قوى ويجب الاهتمام به والعكس صحيح.
2. الأهمية: ان الافتراض الذى يقول ان كل وجهات النظر فيما يتعلق بقضية ما متساوية هو فى الحقيقة مجرد افتراض خاطى. وعليه يمكن الاستفسارعما ادا كان هذا الراى الذى تحصلنا عليه هو فى الحقيقة راى مهم أوغير مهم للافراد الذين شاركوا فى الاستطلاع فيما يتعلق بقضية أوشخص اومؤسسة معينة. لماذا نريد ان نتعرف على هذا؟ وذلك لان فى بعض الاحيان يمكن الاستنتاج بان راى الاقلية القوى والمتماسك قد يكون أهم وأفيد لفهم القضية التى يدور حولها السؤال من راى الاغلبية الضعيف والغير مهم لهم. وبمعنى آخر السؤال هنا هو: الى اى مدى يعتبر الافراد القضية التى سؤلوا فيها مهمة لهم؟ والحقيقة ان هذا البعد يساعد على أختيار الاولويات فى العمل. فعلى سبيل المثال اذا كان هم الاغلبية من الشعب هو قضية الاقتصاد (والحياة اليومية), فمن العبت ان تسالهم اونتحدت معهم على أى قضية آخرى. وان اى راى آخر يمكن الحصول عليه لا يمكن ان نعتبره مهما حتى ولو كان راى قوى.
3. الملائمة: بمعنى مدى علاقة (أوارتباط) الراى العام بالموضوع قيد الدراسة. ففى العادة تعتبر قضية ما ملائمة ومناسبة عندما يراها الافراد المشاركين فى الاستطلاع وكذلك يعتقدون انها وتيقة الصلة بالموضوع. وبمعنى آخر يجب ان يكون الاستطلاع متعلق بالقضايا التى تهم المواطنيين وتخدم مصالحهم وليس مجرد اذاة لجمع المعلومات اوتحقيق أغراض آخرى.
4. الاستقرار (اوالثبات): بمعنى المدة الزمنية التى يبقى فيها الراى العام ثابتا ولايتغير. فقد أثبتت الكثير من الدراسات فى الدول المتقدمة ان الراى العام فى العادة غير ثابت. وقد اصبح من المتعارف عليه عند كل متتبعى الراى العام فى أمريكا انه يتغير بسرعة خصوصا فى القضايا التى تهم المواطنيين. فعلى سبيل المثال فى يناير 17, 1991 ارتفعت شعبية الرئيس الامريكى جورج بوش (الاب) الى نسبه زادت عن 80% وذلك نتيجة لما قام به فيما عرف بحرب الخليج الاولى ضد العراق. ولكن هذا الشعبية العالية ما لبتث الا ان ثلاشت فى أقل من عشرين (20) شهرا. أذ أنخفظت شعبيته الى أقل من 37% فى نوفمبر 1992 مما أذى الى هزيمته فى الانتخابات الرئاسية ضد حاكم ولاية صغيرة جدا تسمى آركنسا وهو السيد بل كلنتون. وعليه فمن المهم معرفة درجة ثبات الراى العام و العوامل المؤثرة فيه حتى يمكن أستنتاج النتائج المفيدة والعمليه والاستفادة من الراى العام فى توجيه السياسات العامة وايضا أستخدامة للضغط على صانعى القرار السياسى. ولعل المثال الثانى الذى يوضح عدم استقرار الراى العام لمدة طويلة (وان هناك عوامل كثيرة قد ثوتر فيه) هو ما حدت فى أنتخابات الرئاسة الامريكية عام 1948 بين الرئيس هارى ترومان ومنافسه حاكم ولاية نيويورك توماس ديوى. ففى هذه الانتخابات تنبأت مؤسسة "قالب بو" لاستطلاع الراى العام بأن حاكم نيويورك ديوى سوف يفوز فى هذه الانتخابات. ونتيجة لهذه التكهنات أخد السيد ديوى يتصرف وكأنه منتصر. ولكن فى يوم الانتخابات (بعد أسبوعين من تكهن مؤسسة "قالب بو") حدتت المفأجئة الا وهى فوز الرئيس ترومان بنتيجة ساحقة (أنظر: ويانى, 1997, ص 205). وكان السبب الاساسى فى هذا التغير هو ان مؤسسة "قالب بو" قد توقفت عن متابعة الراى العام حوالى أسبوعين قبل يوم الانتخابات. وخلال هذين الاسبوعين غير حوالى 14% من الناخبين آراءهم لصالح الرئيس ترومان ولذلك حدتة المفأجاة.
5. التوزيع: بمعنى كيف يتوزع راى الافراد على النطاق السياسى وماذا يعنى ذلك. وبمعنى آخر هل اغلبية الآراء تتمركز فى الوسط أم انها منتشرة فى كل انحاء النطاق السياسى. وبناءا على دراسة توزيع الراى العام على النطاق السياسى يمكن توزيع (أوتقسيم) القضايا المهمة أوالافراد فى الدولة الى يمين ويسار ووسط سياسى.
خامسا: تطور (أومصادر) الراى العام
بمعنى من اين يتحصل الفرد على الاراء التى يحملها والافكار التى يؤمن بها؟ والحقيقة انه يمكن للفرد الاعتماد علي مصادرعديدة فى استخلاص آرائه وأفكاره لعل من أهمها:
1. الايديولوجية:
ان المذهب السياسى الذى يعتنقه الانسان فى العادة يلعب دور أساسى فى آرائه وأختياراته. وما اقصده بالايديولوجية هنا هو مجموعة القيم والافكار السياسية المترابطة مع بعضها البعض والراسخة فى قناعة الانسان ولا تتأثر كثيرا بالزمان ولا بالمكان ولا بالظروف. وذلك كأن يكون الفرد مسلما أومسيحيا أوبوديا أوملحدا اوغير ذلك. ويمكن القول ان هذه القيم والافكار تعتبر عند بعض الافراد أهم المرجعيات الاساسية فى تفكيرهم ونظرتهم للحياة.
2. الثقافة:
باختصار شديد يمكن تعريف الثقافة السياسية هنا علي انها مجموع القيم التي يؤمن بها والانماط التي يمارسها والعادات والتقاليد التى يعيشها المواطنيين في مجتمع معين والمتعلقة بالشؤون السياسية ونظام الحكم في الدولة بغض النظرعن أيديولوجيتهم. من هذا التعريف يمكن استخلاص وتأكيد ما يأتى: (أ) ان أبناء المجتمع لكي يكون لهم مجتمع مدني ومتطور لابد ان يشتركوا في أهم المعتقدات والقيم والسلوكيات التي يقوم عليها المجتمع. (ب) من أهم اهداف الثقافة السياسية هو تشكيل الشخصية السياسية واقناعها بالنظام السائد في الدولة. (ج) لابد من ادراك ان الثقافة عموما والسياسية خصوصا تنتقل من جيل الي جيل وهي عملية مكتسبة ومستمرة وغير تابثة. (د) لابد من ادراك أن النظام السياسي هو نتاج لثقافة التي وجدت فيها. فعلي سبيل المثال نظام القذافي هو نتاج تلك الثقافة التي سادت الوطن العربي وخصوصا في الستينات من القرن الماضى. فالقذافي لم يأتي من الخارج ولم يتعلم في الخارج انما كان نتاج الفكر العربي الذي ساد المنطقة في تلك الفترة وبأختصار فالثقافة السياسية هي انعكاس لكل الاساليب والمناهج التي يفكر ويشعر بها الناس في المحيط الذي يعيشون فيه (للمزيد من الشرح راجع: بالروين, 2005).
3. المصلحة: ان بعض الناس يمارسوا السياسة لا لشى الا انها تجلب لهم مصالح آنيه وشخصية. بمعنى هناك مجموعة من الافراد لا يمارسون السياسة (أواى شىء آخر) الا وهم يفكرون فيما يخدمهم ويعودعليهم بالمنفعة الشخصية والآنية حتى ولو كانت على حساب معتقداتهم فى بعض الاحيان. وعليه فآراء هؤلاء فى العادة تنطلق من مصلحتهم الشخصية المحضة.
4. التربية: باختصار شديد يمكن تعريف التربية السياسية على انها كل العمليات والمؤسسات والادوات التى يستطيع بها الانسان تعلم واكتساب الاّراء والافكار والقيم السياسية فى مجتمعه. وهى تعنى التهيئة "أوالتأهيل" "أوالتكييف" السياسى فى المجتمع الذى يعيش فيه الانسان. وهى بمعنى أخر تعنى كل ما يساعد الفرد فى المجتمع على تشكيل شخصيتة وتعلمه السلوك والانتماء السياسى. وهذة العملية:
• هى عملية مستمرة تبدا منذ ولادة الانسان وتستمر طول حياته ....
• وهى عملية تعتنى بالكيفية التى يتم بها تأهيل المواطن وتربيته سياسيا وثقافيا وأجتماعيا ...
• وهى عملية تعتنى بمعرفة مصادر ومؤسسات وعمليات الحصول على المعرفة والحس السياسى فى الدولة..
• وهى عملية تعنى أن التوجهات السياسية لا تاتى من فراغ وان الانسان هو نتاج مجموعة من المعطيات والشروط التى يتربى فيها.
• وهى عملية تعنى أن تحقيق الشخصية السياسية والثقافية هى عملية شاقة وتدريجية وتراكمية.
• وهى عملية التأهيل السياسى الذى يمكن جيل معين فى المجتمع من نقل ثُقافته وأفكاره ومعتقداته للأجيال القادمة (للمزيد من الشرح راجع: بالروين, 2007).
5. المعلومات: بمعنى ان نوع وكمية المعلومات المتوفرة لذى الفرد سوف تحدد نوع وطبيعة رائه. فمما لا جدال فيه ان راى الانسان المثقف يختلف عن راى الانسان الامى.
6. القيادة: لابد من أدراك ان الراى العام فى بعض القضايا يمكن صناعته وتشكيلة عن طريق القيادة الفاعلة والمؤثرة وخصوصا لذى الافراد الذين ينتمون الى جماعات مصالح أو جماعات سياسية معينة.
فى الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجاب على الاسئلة الاتية: ما هى أهم الآليات التى تستخدم فى قياس الراى العام؟ وما هى أهم العيوب والانتقادات التى توجه للراى العام؟
يتبع ... والله المستعان
************
حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على مفهوم الراى العام, ولماذا يعتبر مهم, وما هى أهم خصائصه (أوصفاته). وفى هذا الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال سأحاول الاجابة على ما هى أهم الآليات التى تستخدم فى قياس الراى العام؟ وما هى أهم العيوب (والانتقادات) التى توجه للراى العام؟
سادسا: ما هى الآليات التى تستخدم فى قياس الراى العام
السياسيون فى المجتمعات الحره دائما يرغبون فى معرفة ومتابعة آراء مواطنيهم. والسؤال بالنسبة لهم هو كيف يمكن قياس آراءهم والاستفادة منها. بمعنى كيف يمكن ان يعرف السياسيون ما يفكر فيه الشعب ومادا يريد. والحقيقة ان الراى العام يتم تشكيله (أوتكوينه) بطرق عديدة بعضها علمى ومنهجى وبعضها الآخرغيرعلمى وغير منهجى, وبعضها باساليب مقصودة وهادفه وبعضها الآخر باساليب غير ذلك. وهذا ايضا يعنى ان الانسان ذائما وبطبيعته يحمل راى حول الكثير من القضايا والاشخاص والمؤسسات فى الدولة وخارجها. ولكى نفهم الراى العام وكيف يمكن قياسة يجب ان نتحدت على أهم الاساليب التى يمكن أستخدامها لتحقيق ذلك. ولعله من المناسب فى هذه العجالة ان نقسمها الى أساليب علمية وأساليب غير علمية وهى باختصار شديد كالاتى:
1. الاساليب الغيرالعلمية:
(أ) العينة الوهمية: وهى ان يقوم الباحت بعرض مجموعة من الاسئلة على مجموعة من الافراد الذين يثم أختيارهم بأسلوب شخصى وغيرعلمى. كأن يسأل هذا الباحت أصدقاءه أومجموعة يعرفها أويتعامل معها فيما يعتقدوا أوفيما هو رائهم فى قضية ما. ولعل خير مثال على هذا النوع هو الاستطلاعات التى تجدها اليوم فى أغلب المواقع الالكترونية والقنوات الفضائية. فبالرغم من ان هذا النوع من الاستطلاع قد يكون له تأثير كبير وملموس على بعض فئات الشعب خصوصا المتتبعين لهذه المواقع والفضائيات, الا انه لا يملك اى قيمة علمية ولا يجب الاعتماد عليه (الا فى تحقيق أغراض معينة ومحددة أو من أجل التعبئة والتسويق لبضاعة أوفكرة معينة يؤمن بها الانسان) وذلك لان هذه العينة لا ثمتل الشعب وغيرعلمية ومتحيزة للفئات التى تتعامل معها.
(ب) الاعلام: ويعنى مشاهدة التلفزيون والاستماع للراديو وقراءاة الجرائد والصحف اليومية وخصوصا قسم تعليقات القراء فى المواقع الالكترونية وصفحة رسائل الى المحرر فى الجرائد الورقية. هذا المصدر يعكس ايضا شريحة من الافراد الذين يعبرون على آرائهم. ومن الممكن الاستفادة منها وتسخيرها لخدمة الخير ولكن يجب الا يثم الاعتماد عليها بالمطلق.
(ج) الزيارات الميدانية: وتشمل كل الاتصالات الشخصية بالجماهير من قبل السياسيين ومحاولة التعرف على آرائهم ورغباتهم ومشاكلهم. والحقيقة ان هذا النوع من الاستطلاع هو ضرورى وهام سياسيا الا انه لا يجب الاعتماد عليه اعتماد كلى فى وضع السياسات العامة وخصوصا الهامة منها.
2. الاساليب العلمية:
والسؤال المهم هنا هو ما هى أهم مكونات الاستطلاع (أوالمسح) العلمى؟ والحقيقة انه من البديهى ان أحسن وسيلة لمعرفة كيف يفكر الناس هو ان تسأل كل واحد منهم. وحيت ان هذا شبه مستحيل خصوصا عندما نتحدت على كل المواطنيين فى دولة مهما كان عدد سكانها الا فى قضايا محدودة جدا كالاستفتاء العام أوالاحصاء السكانى. وعليه فلابد من الألتجاء الى أساليب آخرى قد لا تكون دقيقة ولكنها قد تؤدى الغرض اذا تم أستخدامها الاستخدام الصحيح وبالاساليب العلمية. ولعل من أهم هذه الاساليب هو ما يعرف بالاستطلاع (أوالمسح) العلمى. ولكى يكون الاستطلاع علمى ويعكس الحقيقة الى درجة كبيرة جدا (ولا أقول 100%) لابد ان يتكون من على الاقل الاتى:
1. العينة :
بمعنى هل يمكن ان نسال كل فرد من ابناء الشعب لمعرفة أراءهم اما ان هناك أساليب آخرى لمعرفة كيف يفكر الناس فى المجتمع. والاجابة ببساطة هو أستخدام أسلوب "العينات." والمقصود بالعينة هنا هو اختيار مجموعة صغيرة ومناسبة من السكان من أجل استنتاج راى الشعب كله. بمعنى آخر بدلا من ان يستطلع (أويسأل) الباحت كل الشعب فانه يكتفى بأن بسأل عينه منهم. والاكتفاء بعدد قليل من الافراد ضمن الامكانيات المتوفرة والوقت المتاح. وهنا لابد من الاشارة الى ان مفهوم العينة يقوم على مبدا أساسى يقول: يمكن معرفة (أوفهم) المجموع عن طريق دراسة الجزء. بمعنى محاولة معرفة كيف يفكر الافراد (أوالشعب) وماذا يرغبون عن طريق أخد ودراسة مجموعة صغيرة منهم. وعليه فالعينة هى المكون الاساسى والضرورى الاول للقيام بالاستطلاع العلمى. وهنا قد يسأل سائل فيقول: ولكن كيف نستطيع عن طريق استخدام عينة صغيرة من الافراد التنبؤ ومعرفة الكيفية التى يفكر بها جماعة ما أوحتى كل الشعب. والحقيقة ان هذا الاسلوب يشبه اسلوب الطبخ. فعلى سبيل المثال عندما يقوم انسان بطبخ قدر من الطبيخ أوالمكرونة (أو كما نقول بالليبى المبكبكه) فان كل ما يجب ان يقوم به الطباخ (خلال الطبخ) لمعرفة جودتها ولذتها هو ان يذوق كمية صغيرة جدا لا تتجاوزغرفه واحدة بملعقة الأكل. ومن خلال تدوق ما بهذه الملعقة يستطيع الطباخ ان يحكم على جودة ولذة كل الطبيخه اوالمكروته فى القدر. وعلى نفس هذا القياس يمكن النظر للعينة بالنسبة للشعب. وهنا لابد من التاكيد على انه لكى تكون العينة مقياس (أوانعكاس) لكل الشعب لابد ان تتوفر فيها مجموعة من الشروط العلمية لعل من أهمها: (أ) ان تكون العينة ممثلة لكل ابناء المجتمع. بمعنى يجب ان تتمثل فى العينة العلمية كل شروط وصفات الأصل (أوالمجموع) الذى اختيرت منه. (ب) لعل احسن اسلوب لاختيار العينة لدراسة الراى العام هو استخدام الاسلوب العشوائى. وهو يقوم على اساس المبدا الذى يقول على ان كل فرد من افراد المجتمع يجب ان يكون له نفس الفرصه ليتم اختياره كغيرة من الافراد الاخرين. بمعنى يجب ان لا تكون هذة العينة انتقائية بل مفتوحة للجميع. وبمعنى آخر هو ان كل افراد الجماعة التى نرغب دراستها لهم فرص متساوية ليكونوا من ضمن أعضاء هذه العينة. (ج) لابد من أختيار الحجم المناسب للعينة بناء على حجم السكان. وفى هذا الصدد لابد من الاستعانة بجداول العينات التى وضعها علماء الاحصاء لهذا الغرض. فى أعتقادى اذا تحقق كل ذلك فى الاستطلاع فانه سوف يعكس الآراء الحقيقة لكل المواطنيين. ولعل المثال الثالى يوضع مدى أهمية اختيار العينة بالاسلوب العلمى. فى انتخابات الرئاسة الامريكية عام 1936 بين الرئيس فرانكلن روزافلت (الذى كان يسعى لأعادة انتخابه مرة ثانية) ومنافسه الجمهورى حاكم ولاية كانسس آلفرد لآندن أرسلت مجلة ليترارى دايجست أستطلاع الى كل المشتركين فى هذه المجلة وكل الذين اشتروا سيارات جديدة فى عام (1935- 1936) وكل من لديه هاتف فى امريكا. وكان عدد الاستبينات التى أرسلتها تفوق العشر (10) مليون أستبيان. ولقد أستلمت هذه المجلة 2,376,000 أجابة لهذا الاستطلاع (أنظر: ماكلينغهام, 1993, ص191). وبعد تحليل كل الاجابات أعلنت المجلة ان الذى سوف يفوز فى هذه الانتخابات هو حاكم ولاية كانسس آلفرد لآندن وان النتيجة سوف تكون 55% لصالح السيد لآندن مقابل 45% لصالح الرئيس روزافلت. وعندما جاء يوم الانتخابات وأعلنت النتيجة النهائية كانت عكس ذلك تماما اّذ فاز الرئيس روزافلت فوزا ساحقا (تجاوزت ال 60% من مجموع الناخبين) وكانت وبحق من أكبر المفاجأت فى تاريخ الانتخابات الامريكية. والسبب ببساطة هو ان العينة (بالرغم من حجمها الضخم) الا انها لم تكن علمية. بمعنى آخر لم تكن ممثلة لكل شرائح المجتمع وتجاهلت آراء الاغلبية العظمى فى ذلك الوقت وخصوصا الذين لم يملكوا سيارات وليس لهم هواتف ولم يكن لهم المقدرة المالية على الاشتراك فى هذه المجلة (أنظر: وولى وبابا, 2002, ص108).
2. هامش الخطأ :
بداية لابد من التدكيرعلى ان كل الدراسات التى تقوم على اساس منهج العينات هى دراسات غير دقيقة 100%. بمعنى ان هناك دائما هامش يسمى هامش الخطأ. وان مذى دقة هذا النوع من الدراسات يتوقف على صغر اوكبر هذا الهامش. فعندما يكون هامش الخطأ على سبيل المثال 1% تكون دقة النتيجة 99%, وعندما يكون هامش الخطأ 5% تكون دقة النتيجة 95% وهكذا. وعليه فهذا يعنى ان قضية التكهن والتنبؤ بالنتائج سوف يحددها قيمة (أودرجة) هامش الخطأ. وفى بعض الحالات قد يقود هامش الخطأ الى الغاء اوأعتبار نتائج الاستطلاع لا قيمة لها وذلك لان هذه النتائج قريبه جدا ولا يمكن التكهن بمن سيفوز. فلو أفترضنا على سبيل المثال ان هناك انتخابات قادمه واننا نريد ان نعرف من الذى من الممكن ان يفوز فى هذه الانتخابات. ولو افترضنا ايضا ان فى هذه الانتخابات هناك مرشحين فقط. وان المرشح (أ) قد تحصل فى هذا الاستطلاع على 49% وتحصل المرشح (ب) على 51%. وان هامش الخطأ فى هذا الاستطلاع قد قدر (ب 5%). فهل يمكن القول بان المرشح (ب) سوف يفوز وذلك لانه تحصل على 51%؟ وبمعنى آخر هل يمكن ان نتكهن بمن سوف يفوز فى هذه الحملة الانتخابية؟ بالطبع لا. لماذا؟ لاننا عندما ننظر الى هامش الخطأ نستطيع القول ان هذه النتيجة تعنى ان كل من المرشحين من المحتمل ان يفوز ومن المحتمل ان يخسر. وباستخدام علم الاحتمالات نستطيع ان نتكهن اونتوقع وبثقة 95% بان المرشح (أ) لن يتحصل على أقل من 44% (49 – 5 = 44) ولكن لن يتحصل عن اكثر من 54% (49 + 5 = 54) من مجموع الاصوات. وفى نفس الوقت نستطيع ان نتكهن وبثقة 95% بان المرشح (ب) لن يتحصل على أقل من 46% (51 – 5 = 46) ولكن لن يزيد عن 56% (51 + 5 = 56) من مجموع الاصوات. فماذا يعنى هذا؟ هذا بختصار يعنى ان كل من المرشحين عرضة للفوز وفى نفس الوقت عرضة للخسارة. وبمعنى أخر ان عملية الاستطلاع فى هذه الحالة لا قيمة لها وذلك لان هذا ما يمكن معرفته حتى بدون اجراء استطلاع. والخلاصة ان هامش الخطأ فى عمليات الاستطلاع هو امر مهم وسوف يبقى دائما عامل أساسى فى تحديد دقة أستطلاعات الراى العام وكيف يمكن الاستفادة منها .
3. الاستجواب :
وهذا يعنى محاولة تجميع معلومات عن الراى العام وذلك باختيار عينة من الشعب وعرض عليهم مجموعة من الاسئلة. وبمعنى آخر هو عبارة عن قائمة من الاسئلة الغرض منها تجميع ومعرفة آراء وانطباعات وسلوكيات مجموعة من الافراد. لقد اصبح من المتعارف عليه انه لكى نعرف ماذا يؤمن وكيف يفكر الناس لابد من اجراء استطلاع. ولقد اصبح الاستطلاع من اكثر الوسائل شيوعا لدراسة الراى العام. وان مقدار صدق الاستطلاع سوف يتوقف على عدة عوامل لعل من أهمها (أ) صحة الاسئلة ودقتها. بمعنى يجب ان يكون السؤال واضحا والا يكون غامضا أوله أكثر من معنى. (ب) ان يكون السؤال محددا وذلك باستخدام اللغة البسيطة والمصطلحات المتعارف عليها. (ج) عدم استخدام الاسئلة "الموجه" اى التى تقود الى أجابات معينة ومحددة يسعى من أجلها السائل. بمعنى آخر يجب ان تكون الاسئلة محايدة. (د) يجب تجنب الاسئلة "الرابطة," وهى الاسئلة التى تربط أجابة قضية معينة باجابة قضية أخرى أوبين حل قضية معينه بقضية آخرى وايضا يجب تجنب اسئلة "نعم او لا" لانها ليست فى الحقيقة أسئلة علمية ودقيقة. وبمعنى آخر ان اغلبية الاجابات فى الحياة العملية تتكون من "نعم ... ولكن" أو "لا ... ولكن" أو "لا ... أعلم."
4. الحيادية:
بمعنى لكى يكون الاستطلاع علمى لابد ان تلتزم المؤسسات التى تقوم به بالحياديه الكاملة والموضوعية والمعرفة الفنية بكيفية ادارة وتفسير هذه الظاهرة. وباختصار شديد يجب ان تكون المؤسسات المشرفة على الاستطلاع مؤسسات محايدة وذات كفاءة عالية. وذلك لان الاستطلاعات التى يقوم بها افراد لهم مصالح خاصة أومؤسسات لها أجندات معينة سوف لن تكون علمية ولا دقيقة ويجب التعامل معها بحدر.
سابعا: عيوب وانتقادات توجه للراى العام
بالرغم من أهمية ودور الراى العام فى الحياة السياسة اليوم الا انه يواجه العديد من المشاكل والتحديات والتى لابد من الوعى بها واخدها فى الاعتبارعند القيام باى استطلاع ولعل من اهمها الاتى:
1. الوسيلة:
ونعنى بها الآلية التى يتم بها تجميع المعلومات. فعلى سبيل المثال يعتمد الذين يحاولون دراسة الراى العام فى الولايات المتحدة على الهواتف الثابتة فى تجميع معلوماتهم. والمشكلة التى تواجههم اليوم هى ان الاغلبية العظمى من الامريكيين وخصوصا صغار السن لا يعتمدون على هذا النوع من الهواتف بل يستخدمون الهواتف المحمولة (الموبالات).
2. السؤال:
ونعنى بهذا كيف يجب صياغة السؤال الصياغة العلمية المناسبة. فالانسان بطبيعتة يرغب فى الرد على الاسئلة الايجابية والبناءة اكثر من الاسئلة السلبية والهدامة. وعلية فعملية صياغة السؤال تعتبر من اهم الشروط فى نجاح اى استطلاع للراى العام. والى جانب الاهتمام بصياغة السؤال لابد من الاهتمام بمكان السؤال ووضعة فى قائمة الاسئلة. بمعنى باى سؤال يجب ان تبدأ وباى سؤال يجب ان تنتهى يعتبر من الامور الهامة التى يجب اخدها فى الاعتبار عند اجراء الاستطلاع. وهذا ما يمكن ان نطلق عليه "علم فن السؤال." وهو من أهم العوامل الرئيسية فى نجاح اى استطلاع للراى العام فى اى مجتمع. وذلك لانه لا شىء فى اعتقادى اقوى من الكلمة. فبالكلمة تستطيع ان تجعل الانسان يبكى ... وبها قد تجعله يبتسم ... وبالكلمة قد تجعل الانسان يحبك ... وبها ايضا قد تجعلة يكرهك... وبالكلمة قد تجعل الانسان يقترب منك ... وبها ايضا قد تجعلة يهرب. وعليه فلا بديل لكل من يرغب القيام بالاستطلاع عن الاهتمام بفن الكلمة ولعل من اهم وأولويات "فن الكلمة" هو فن السؤال وذلك لان فن السؤال فى اعتقادى يمثل أكثر من 50% من الاجابة. فعلى سبيل المثال أن عملية التلاعب بكلمات السؤال اوتغيير مكانه فى قائمة الاسئلة (وذلك بتقديم السؤال اوتأخيره) سوف يقود فى كثير من الاحيان الى تغيير الاجابات. وبمعنى آخر من الممكن لانسان يفقه هذا العلم ان يسأل عشر (10) أسئلة من اجل الحصول على أجابة واحدة والعكس صحيح. اذ من الممكن لهذا الانسان ان يسأل سؤال واحد للحصول على اجابات متعددة.
3. ثأتير هالو:
وهو ميول الافراد لتقديم أجابات مقبولة أجتماعيا للاسئلة المعروضة عليهم بغض النظرعما اذا كانت صحيحة ام خطأ. وبمعنى آخر ميول الافراد فى العادة الى اعطاء السائل ما يريد ان يسمع لكى يظهروا له بالمظهر الايجابى وبانهم مواطنين صالحين. وهذا ما يعرف باجابة المواطن الصالح أوالاجابة المقبولة أجتماعيا حتى وان لم تكن صادقة. فالكثير من الافراد فى الولايات المتحدة على سبيل المثال لا يريدون الاعتراف بانهم لا يشاركون فى العملية الانتخابية. ولكن ادا سألتهم قبل الانتخابات هل سيشاركون فى الانتخابات القادمة, فاجابتهم حتما سوف تكون بنعم. بمعنى انهم يقولون نعم حتى وانهم فى الحقيقة لن يشاركوا وذلك لانهم لا يريدون الاعتراف بانهم لا يشاركون فى العملية السياسية. وهناك الكثير من الدراسات فى امريكا التى توضح ان هناك ما بين 10% الى 15% من هذه الفئة من الافراد فى كل انتخابات عامه (أنظر: ذا, 2004, ص 121). ولعل المثال الثانى على ما يعرف بثأتير هالو هو نوع الاجابات التى قد يقدمها المواطنيين فى اى نظام دكتاتورى خصوصا اذا سألتهم على رأيهم فى الحاكم. فعلى سبيل المثال ما ان تسأل ليبى اليوم (فى داخل الوطن) على رأيه فى القدافى الا ويجيبك بان الاخ العقيد هو قائد أممى ومنزه من كل الأخطاء. فهل يمكن ان نعتمد على هذا الرأى فى دراسة الوضع الليبى اليوم دراسة علمية؟ بالطبع لا.
ثامنا: الخاتمة :
فى الوقت الذى اخترعت فيه الدول المتقدمة مفهوم الراى العام واستخدمته فى خدمة شعوبها وتطوير أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية يشاهد المرء بكل مرارة وحزن ان أغلب حكام البلدان العربية والاسلامية لا يحترموا هذا العلم ويتجاهلونه بالكامل. بل والاسوى من كل ذلك ان الاغلبية العظمى منهم لا يقوم حتى باحصاءات علمية ودقيقة لسكانهم على الاقل مرة واحدة كل عشر سنوات. فالدول المتقدمة لا تقوموا بمجرد احصاءات لمواطنيها فقط بل للاجانب المقيمين على أراضيها وايضا حتى لبعض الحيوانات والطيور. ففى الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال قد بلغ عدد الحيوانات الأليفة حسب احصاء 2008 كالاتى: القطط 82 مليون, الكلاب 72 مليون, الارانب 6 مليون, والطيور 11 مليون (أنظر: أحصاء الحيوانات الأليفة, 2008).
فاذا كان هذا هو الحال فى البلدان العربية والاسلامية فكيف بالله عليك يمكن الاهتمام بالانسان أوالقيام باى تخطيط علمى ومنهجى لأى شىء فى هذه الدول. ولعله من المناسب ان أختم هذا المقال بدعوة كل العقلاء والخيرين فى البلدان العربية والاسلامية الى: (1) ضرورة الاهتمام بالراى العام ودراسته وفهمه والاستفادة منه فى كل مجالات الحياة. ان الراى العام ياسيدات وياسادة قد اصبح اليوم حقيقة لا يمكن لاى دولة تريد النهوض والتقدم ان تتجاهله. (2) ضرورة استخدام الراى العام كآليه أساسية من آليات الحكم التى يمكن بواسطتها معرفة وقياس آراء ورغبات المواطنيين وكل ما يدور فى اذهانهم من أفكار ومواقف سياسية ورغبات اقتصادية وميول ايديولوجية. (3) ضرورة فصل مؤسسات الراى العام عن السلطة الحاكمة فى الدولة. (4) ضرورة تشجيع وتمويل المؤسسات المتخصصة لدراسات وتحليل الراى العام فى الدولة بكل الوسائل الممكنه. و(5) ضرورة التاكيد على التزام هذه المؤسسات بالحياديه الكاملة والموضوعية والمعرفة الفنية بكيفية ادارة وتفسير هذه الظاهرة. بمعنى لابد ان تكون المؤسسات المشرفة على الاستطلاع مؤسسات محايدة وذات كفاءة عالية. والا يقوم بها افراد لهم مصالح خاصة أومؤسسات لها أجندات معينة لكى تكون علمية ودقيقة وتعود بالخير على الدولة وعلى الشعب باكمله.
وآخيراعلينا جميعا ان نتدرك بان وجود مؤسسات مستقلة ومتخصصة للراى العام قد اصبحت اليوم ليس مجرد ضرورة عصرية وموضه اجتماعية بل هى شرط أساسى لنجاح اى نظام حكم. وان الحكام الذين لا يستطلعون آراء شعوبهم ولا يستنيرون بها فى اتخاد قراراتهم لا يستحقون الحكم ولن يذكرهم التاريخ بخير. وعلي هؤلاء الحكام ان يدركوا بان بداية الحكم (أى حكم) هو حق الناس فى الاختيار واحترام آرائهم. وان الغرض النهائى من الحكم والسلطة فى اى دولة هو خدمة المواطنيين واشباع رغباتهم وتحقيق الامن والامان لهم. ولعل السؤال هنا هو هل بامكان الشعوب العربية والاسلامية ان تؤسس أنظمة سياسية تقوم على أساس حق الشعب فى ان يختار من يحكمه وكيف يحكم نفسه؟ فى اعتقادى المتواضع ان الاجابة لابد ان تكون "نعم بالامكان" اذا توفرت لدينا: نوايا صادقة ... واهداف واضحة ... وارادة قادرة ... وعمل مستمر.
فهل تتوفر فينا هذه الشروط؟ ... هذا ما يجب ان يسأله كل انسان يحب الخير لنفسه ... ولأهله ... ولوطنه....
وفى الختام يا أحباب هذا مجرد راى ادعو الله ان اكون قد ساهمت فى بناء مستقبل بلادى القريب ...