ليس الحديث في هذا المقال عن اللؤماء، فهو لا يعنيهم من قريب لا من بعيد، ولكنه عن الكرماء الذين تفيض وجوههم بماء الحياء، ولا يتصورون أن تسير الحياة جدباء قاحلة، وتصير الحياة أثرة وأنانية.
إن الكريم حين يُسأل يكون بين نارين: نار منع غريزة الكرم التي رضعها مع براءة الطفولة، وعشقها من كثرة ما يسمع من قصص الأجواد، وخوفه من تقوقعه في دائرة البخلاء الذي لا يرون الدنيا إلا جمعًا ، وإن كان ذلك يطفئ ألم حرمان نفسه ويردع مواقف النكران التي تعرض لها في حياته، ونار منع نفسه الاستمتاع بما جدّ في جمعه وكدّ في تحصيله، مع فرحه بإرضاء طبيعة العطاء والجود والبذل في نفسه.
قد كانت العرب تتمادح بكثرة قول (نعم) وقلة قول (لا)، قال الفرزدق يمدح زين العابدين علي بن الحسين:
ما قال لا قط إلا في تشهده *** لولا التشهد كانت لاءَه نعم
ولكن لا بد من (لا) إ ذا طال السؤال.
غير أنه لا يلزم أن تكون (لا) الخشنة، إلا في حالات محدودة يستدعيها الحال، ف(لا) يمكن أن تكون ناعمة، كالمذكورة في قوله تعالى: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسورًا"
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشى أن يلقى أحدًا بما يكره، و (لا) مما يكرهه الناس، ومن الأمثلة التي اقتبسها الناس مخرجًا من الورطات قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال عكاشة بن محصن: ادع الله أن أكون منهم، فقال: "أنت منهم" فقال رجل آخر: ادع الله أن أكون منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها عكاشة"
لكنه كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانًا حين يحاول أحد الناس أن يتجاوز حدود الشرع، كحين شفع أسامة بن زيد (حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) في المرأة المخزومية ليعفو عنها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وزمجر: " أتشفع في حدّ من حدود الله"
وبكل حال
يمكن أن تقول بدل (لا): سأنظر في المرء
ويمكن أن تقول بدل (لا): إذا تيّسرت الأمور
ويمكن أن تقول بدل (لا) يوجد بعض المعوّقات حاليًا