عبدالرحمن الخريف
مازالت الأيام تكشف لمن اعتاد على انتقاد أسواقنا المالية بوصفها ناشئة وغير ناضجة حقيقة مايحدث بالأسواق العالمية التي يصفها البعض بأنها أسواق متقدمة ولدى المتداولين بها وعي استثماري كبير.
ومع أن البعض كان يتجنى على صغار المتداولين بأسواقنا بوصفهم بالقطيع، فإنه من الغريب أن نتجاهل – عدا تغريدات خجولة - ماشهد به كاتب أمريكي في مقال بالصفحة الأولى لجريدة (النيويورك بوست) الأسبوع الماضي بوصفه لاندفاع المكتتبين في شركة ( فيس بوك) بأنهم " قطيع المغفلين" و"البقرالحلوب" لأنهم اكتتبوا في أسهم الشركة بسعر (38) دولاراً وبمكرر (100) مرة! بعد استدراج عامه الشعب لشراء حلم الثراء السريع، بل اتهمت الصحيفة البنوك الشهيرة التي أدارت الاكتتاب ( جي بي مورجان وجولد مان ساكس ومورجان ستانلي) بشراء كميات كبيرة في أول يوم للتداول عبر وسطاء لدعم سعر السهم كلما اقترب من سعر الاكتتاب، إلا انه انهار في اليوم التالي حتى كسر (31) دولاراً!.
ومع تتبع ماينشر عن هذا الاكتتاب الذي امتنع عنه كبار المستثمرين والوصف " الغير لائق" الذي ناله كل من استجاب للحملات الإعلامية وشهادات البنوك والمؤسسات الاستثمارية العالمية المقيمة للسهم، نجد أن هناك دعوات قضائية رفعت على الشركة ومديري الاكتتاب أمام المحاكم في نيويورك وكاليفورنيا تستند على تضليل وقع فيه المكتتبين وإخفاء لمعلومات تتعلق بضعف الإيرادات المستقبلية بعد نشر تقارير عن خفض أربعة من كبار مدراء الاكتتاب لتوقعاتهم هذا العام الذي شهد الترويج للاكتتاب، وهو ما تسبب في انهيار السهم لما دون سعر الطرح باعتبار أن كبار المستثمرون اطلعوا على التقارير الغير متاحة للمساهمين الجدد! وبعيدا عن ما ستنتهي عليه تلك القضايا وقدرات المحامين، فان الأيام قد تكشف المزيد من الحقائق لمن يعتقد بشفافية الأسواق العالمية استثمارها الآمن!.
إن مايعنينا في شأن ماحدث في شركة (الفيس بوك) هو أن الأسواق المالية - عالمية اوناشئة - تتشابه في الطرق والوسائل المستخدمة في تعظيم الثروات لكبار المستثمرين من أموال باقي المتداولين - سواء أفرادا اوصناديق- وتختلف في البراعة وضعف الرقابة والجرأة في التلاعب تبعا لإمكانية التقاضي والقوه في تطبيق القانون! فالبنوك والشركات العالمية التي نستشهد بأختامها على صحة تقييم شركاتنا هي نفس البنوك التي انكشف خداعها، كما انه إذا كنا نشتكي من اكتتابات بعلاوات إصدار عالية لشركات عائلية معظمها لايطرح للجمهور إلا بسبب المخاطر أمام أرباحها مستقبلا، فان ذلك هو مايحدث بالأسواق العالمية التي نثق فيها ونستثمر أموال البنوك والمتقاعدين والأجيال القادمة بها لاستئثار ملاك الشركات بكعكة التأسيس والإثراء بالنمو الوهمي المستقبلي المباع للشعوب! فالجميع كان يعلم بأن الجيل الجديد تجاوز (الفيس بوك) لمواقع أخرى وان جميع شركات الانترنت التي سبق طرحها (جروب اون وزينجا وغيرها) انهارت أسعارها بعد طرحها للاكتتاب رغم الإقبال عليه!.
وبعيدا عن شركاتنا المضاربية او التي تطرح بعلاوات مبالغ فيها فانه بحكم معرفتنا بشركاتنا وظروفها الاستثمارية وأرباحها فقد يكون الوضع لدينا اقل مخاطره للمستثمرين الذين مع كل انهيار بسوقنا يفكرون بالأسواق العالمية اعتقادا بشفافيتها وحمايتها للمتداولين، وتكمن المشكلة الحقيقة في إصرار صناديق خليجية كبرى على ضخ المليارات بالأسواق العالمية وهي تعلم بمحدودية عوائدها وتتجاهل شركات لدينا تحقق عوائد مضاعفة، فالأولى أن تدعم أموالنا استقرار أسواقنا الخليجية بدلا من تضخيم الأسواق الأمريكية والأوروبية! فشركة (الفيس بوك) التي تعتمد على الإعلانات أصبحت قيمتها (104) مليارات دولار وأرباحها عام 2011م فقط مليار دولار وسهمها طرح ب (38) دولاراً، بينما سابك( مثلا ) التي لديها أصول كبيرة لم تصل قيمتها السوقية (76) مليار دولار أرباحها (7.8) مليارات دولار وسعر السهم (25) دولاراً، ولدينا العديد من الشركات ذات النمو الجيد والمأمون من الأحداث الدولية أفضل من شركات تسوقها على صناديقنا الخليجية سماسرة تحت اسم (مكتب إدارة استثمارات) نخشى أنهم اكتتبوا في تلك الشركة وشملها مقال تلك الصحيفة!.