إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار (الشعبي رحمه الله).
فالهوى مرض من أمراض القلوب وداء عضال إذا حلَ بالقلب أفسده وأذل صاحبه وجعله أسيراً رقيقاً بعد أن كان حُراً عزيزاً ويسلبه الحرية الهبة الربانية الممنوحة لبني البشر .
وقال العارفون : أعدى عدوٍ للمرء شيطانه وهواه وأصدق صديق له عقله والملك الناصح له .
فالهوى عدو خطير على الإنسان لأنه من داخل الإنسان وخفياً وليس عدواً خارجياً بارزاً ظاهراً حتى يتنبه له الإنسان ولديه طرقاً ملتوية في إقناع الإنسان وينفث سُمَه على انه دواء وعسل لذة للشاربين .
تحذير القرآن الكريم من الهوى :
قال تعالى : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وأتبع هواه وكان أمره فرطاً " .
وقال تعالى : " يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " .
وقال تعالى : " وأمَا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فأن الجنة هي المأوى "
والذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة. فظل في دائرة الطاعة.
ونهي النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة , فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان وكل تجاوز وكل معصية. وهو أساس البلوى وينبوع الشر وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى. فالجهل سهل علاجه. ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها . (سيد قطب)
قصة إتباع الهوى يؤدي الى سوء الخاتمة :
رجل القصة هو بلعام بن باعوراء “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا..” فهو قد انسلخ من العلم والدين كالجلد عندما ينسلخ من الجسد.
والقصة كانت في عهد موسى عليه السلام وبني إسرائيل بعدما أنقذهم الله من آل فرعون، ففي طريقهم إلى فلسطين مروا بأرض بني كنعان، وكان هؤلاء القوم متحالفين مع فرعون كارهين لموسى عليه السلام.
كان بلعام رجلا مؤمنًا، وكانوا غير معترفين به ولا مهتمين به، وكان هو يبغي المنزلة بينهم وعند مرور بني إسرائيل بأرض كنعان بأعدادهم الكبيرة قرروا أن يعسكروا بجوارهم، فخاف منهم بنو كنعان فطلبوا من بلعام بما أنه رجل دين أن يدعو على آل موسى، فقال: “ويلكم هذا نبي الله ومعه الملائكة ومعه المؤمنون” فقالوا : “ لك عندنا المنزلة والمكانة ولا نقطع أمرًا إلا بك حتى تخلصنا منهم”، فمازالوا به يمنونه بالمكانة حتى جلس يدعو على موسى وعلى بني إسرائيل، ولكن دون أن يحدث شيء.
فقالوا له: “ويحك، لم يحدث شيء لهم” فقال: “أما وقد خسرت آخرتي فلن أخسر دنياي، سأدلكم على حيلة ومكر تمكروه بموسى ومن معه من بني إسرائيل يخلصكم منهم: آتوا بنساء القبيلة فجملوهن وأعطوهن بضائع يبيعونها لبني إسرائيل ومُرُوا النساء ألا يمنعن أنفسهن عن أي رجل من بني إسرائيل ففعلوا ذلك فانتشروا بين بني إسرائيل، فعلم موسى فدعا عليه فعاش عمره وطال عمره وهو مكتوم .
وهكذا باع الرجل دينه بزخرفة من الدنيا وخسر آخرته سبب إتباع الهوى فكم من هوى في جهنم بالهوى ؟ .
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الهوى :
عن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أخشى عليكم شهوات الغيِ في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى " . رواه احمد والطبراني
وإنَ الهوى من المُهلكات التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : " وأما المُهلكات فهوى مُتَبع وشُحٌ مطاع وإعجاب المرء بنفسه " . رواه الطبراني
وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " . رواه الطبراني والبيهقي
وقال الفضل بن عياض رحمه الله : من إستحوذ عليه الهوى وإتباع الشهوات انقطعت عنه أبواب التوفيق .
فصاحب الهوى اسير في شهواته ومضلاته والاغلال في عنقه والقيود في يديه إلا إذا ألجم نفسه وذبح هواه بسكين ألإتباع عاد ملكاً عزيزاً بعد إن كان عبداً ذليلاً وفي هذا قال الشاعر :
رب مستور سبته شهوته ... فتعرى ستره فانهتكا
صاحب الشهوة عبد فإذا ... غلب الشهوة أضحى ملكا
كيف تتخلص من الهوى :
1- إتباع الحق وقبوله ولا تكن مثل بلعام بن باعوراء فتخسر الدارين .
2- ضبط النفس وأخذ زمامها وإلجامها , قال عليه الصلاة والسلام : " ليس الشديد بالصُرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " . متفق عليه
3- النظر في العواقب : فقد إمتنع سيدنا يوسف عن الفحشاء والمنكر وخالف هواه فرفعه الله عزوجل وجعل مقاليد الحكم بيده ,وجاء إخوته الذين فعلوا به ما فعلوا فقالوا له : " تصدَق علينا إنَا نراك من المحسنين " .
4- الهوى طريق الى النار ومخالفته طريق الى الجنة , قال عليه الصلاة والسلام : " حُفَت الجنَة بالمكاره وحُفَت النَار بالشهوات " . متفق عليه
5- أن يغلب العقل على الشهوة , وإذا حصل العكس فقد شقي العبد وارتكس , قال عطاء : من غلب هواه عقله وجزعه صبره فقد إفتضح ؟ .
وقبل أن نفترق أترككم مع أبيات الإمام إبن حزم رحمه الله في ذم الهوى :
صُنِ النفس عما عابها وأرفض الهوى ... فأن الهوى مفتاح باب المهالكِ
رأيت الهوى سهل المبادي لذيذها ... وعُقباه مُرَ الطعم ضنك المسالكِ