التاريخ لا يعيد نفسه، لكن هناك ملامح جوهرية من وجه الماضي تبقى ولا تتغيّر، هناك أشياء تبقى ثابتة مهما تطاول الزمن. من هذه القسمات تبرز السمات العامة للشعوب، فلكل شعب من شعوب العالم شخصية معيّنة تميّزه عن غيره من الشعوب. نقلوا عن حكيم اليونان أرسطو قوله: «الآسيوي عقل بلا قلب» يقصد بالعقل: الحكمة وحب المعرفة والقدرة على التفلسف. يقصد بالقلب: الشجاعة. أرسطو من أوائل من نقل عنه أن الشجاعة مكانها القلب. ويقصد بالآسيوي الهنود أولاً وما جاورهم شرقاً، وربما أن فارس تدخل تحت هذا المسمى بالنسبة له، فقد عرفوا بالدهاء ولم يعرفوا بالشجاعة.
قال: «والشمالي قلب بلا عقل» أي شجاعة بلا حكمة، ويقصد بالشمالي: شعوب أوروبا القديمة من الجرمان والفرنجة والغال والقوط وغيرهم. لم يذكر العرب، لأن العرب لم يكونوا شيئاً مذكوراً قبل الإسلام.
هذه المقدمة أردت منها الولوج إلى الشخصية الفارسية التي أزعم أني أعرفها جيداً، فمن قرأ تاريخ فارس القديم، سيجد أن الفرس كانوا موجودين من قبل قيام الإمبراطورية الرومانية، وأنهم غزوا الجزر اليونانية قبل الميلاد بـ 600 سنة، عندما بدأت تلك الجزر في الازدهار الاقتصادي والمعرفي وأصبحت وجهة الناس. لقد كان للفرس منهج متميز في غزو من حولهم من الشعوب، إنه نقيض ما فعله صدام حسين عندما احتل الكويت. هل كان العراق بحاجة لقطعة أرض أكبر؟ هل هذه هي الوسيلة الوحيدة للهيمنة على مقدرات الكويت؟ بالطبع: لا. نادراً ما كان الأباطرة الفرس (زيركس وسلالة داريوس) يلجأون إلى مثل هذا الهجوم الهمجي غير المبرر الذي استفز المنطقة كلها للتحالف ضده، بحيث استحال قبوله مهما كلّف الأمر. أما الفارسيون فكانوا يستخدمون منهجاً آخر، لقد كانوا يعلنون أنهم لا يريدون قتل أحد ولا إسقاط أحد، فقط يريدون من الشعوب المجاورة أن تعلن الخضوع والركوع والاستسلام للملك الفارسي، ومن خضع وركع، يبقى على ملكه كحاكم منطقة تابعة للإمبراطورية الفارسية، ومن يأبى الخضوع ويترفع عن الاستسلام، فإنه سيكون عرضة لسلسلة طويلة من المكائد والدسائس والمؤامرات. المنطق الفارسي يقول: لماذا أغزوهم وأتكبد الخسائر، برغم أنه بإمكاني أن أجعل هذا الشعب يقتل بعضه بعضاً. لا يهم ما هي التفاصيل ولا قضاياها، لا يهم إن كان سيستخدم الطائفية أم القومية أم الفلسفة الشكوكية أم دعاوى التحرر واللبرالية والديمقراطية أم حقوق الإنسان: المهم هو أنه لا بد من تحريك أطراف الشعب المراد إخضاعه لكي تختلف مع مركزها. صنع القطيعة بين الأطراف والمركز (الوسط) حيلة سياسية عسكرية ومشكل ثقافي قديم، قدم الليل والنهار. أين يمكن أن يجد القارئ الكريم هذه التفاصيل؟ ارجع إلى تاريخ الحرب الفارسية – اليونانية، قبل الإسلام والمسيحية، وستجد كل هذا وسترى عندما تنظر إلى صراعنا مع إيران اليوم، أوجه الشبه.
هذا هو المشهد باختصار، وقد حان الوقت للاستيقاظ والنهوض إلى العمل، فجرس المنبه لم يتوقف رنينه وأنت ما زلت تتشبث بوسادتك.
خالد الغنامي
إعلامي ومترجم وباحث في الأديان والفلسفة، عضو الحلقة الفلسفية بنادي الرياض الأدبي