إذا كان المسؤول السابق بالمخابرات السعودية أنور عشقي قد أثار غضباً وجدلاً بزيارته المفاجئة -الأولى من نوعها لسعودي إلي داخل إسرائيل، فإنه يكشف الآن أنه يخطّط لتكرار الزيارة مؤكداً لنا أن أحداً لم يحقق معه بعد الرحلة الأولى، وأنه وإن كان لا يمثل الدولة إلا أن آراءه تسير ضمن حدود المبادرة العربية التي أعلنها العاهل السعودي السابق عام 2003.
وكشف عشقي في حوار مع "هافينغتون بوست عربي" تفاصيل دخوله إلى الضفة الغربية وإمامته للصلاة بمسؤولين فلسطينيين قبل أن يلتقي بممثلين للمعارضة الإسرائيلية ثم بمسؤول في الخارجية كان يعرفه قبل أن يتولى منصبه الرسمي.
ورصدت "هافينغتون بوست عربي" ردود الأفعال على ما قام به عشقي.
الاجتماع بالمعارضة الإسرائيلية
وقال عشقي "اقترح علينا الفلسطينيون الاجتماع بالمعارضة الإسرائيلية في رام الله، وفعلت حيث تحدثنا عن المبادرة العربية -التي قدمها العاهل السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز في العام.. -، ثم تلقيت دعوة على العشاء من قبل المسؤول الإسرائيلي دوري غولد، وكنت أقابله سابقاً في بعض المؤتمرات دولية، حينما كان رئيساً لمركز الدراسات الاستراتيجية، وذلك قبل أن يعينه الرئيس الإسرائيلي مديراً عاماً للخارجية، ولبيت الدعوة وتناقشنا أيضاً في موضوع المبادرة العربية، وأكدت له أن لن تكون هنالك علاقات عربية إسرائيلية مالم يعط الفلسطينيون كافة حقوقهم وتطبق بنود المبادرة العربية بالكامل.
مصداقية ما نشرته الصحافة الإسرائيلية
عشقي يرى أن غالبية السعوديين تناولوا الموضوع متأثرين بما نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، والتي تعتبر كل الأراضي الفلسطينية تابعة لإسرائيل، وتعتبر بيت المقدس إسرائيلياً، لذلك عنونت أخبارها بأني ذهبت لإسرائيل، وأضافت الصحيفة أموراً كثيرة لم تحدث، وتبعتها الصحف العربية، ولم تكلف واحدة من هذه الصحف نفسها بالسؤال والاستفسار عن مصداقية ما نشرته الصحف الإسرائيلية.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد قالت أنه ليس بإمكان هذا الضابط السعودي السابق زيارة إسرائيل دون موافقة سلطات المملكة، حيث تأتي إسرائيل في قائمة الدول المحظور على المواطن السعودي السفر إليها، وتعتبرها دولة احتلال وترفض التطبيع معها قطعياً.
وقدمت مجلة "إنسايد مجازين" الدكتور أنور عشقي على أنه مستشار للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، كما ذكروا بأنه الرجل الذي يقود المحادثات بين السعودية وإسرائيل.
لست مستشاراً للملك سلمان
إلا أن عشقي نفى ماجاء به الإعلام الإسرائيلي، قائلاً: "لست مستشاراً للملك سلمان، ولست مبعوثاً رسمياً من المملكة، لكني صاحب مركز دراسات استراتيجي هو مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، وأسدي النصح للمسؤولين في المملكة بشكل اختياري في وضع الحلول للمشاكل المحلية والعالمية، شأني شأن أي مركز من المراكز".
يضيف: "أنا أيضاً لا أقود محادثات مع إسرائيل، بل أجريت حواراً من خلال المنتديات الدولية، عارضاً رؤية المركز ورأيي الشخصي في حل هذه المشاكل ومن أهمها المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية".
واعتبر أن "ما قالته - إنسايد مجازين - يمثل فرضيات بنتها على معطيات عدة، لكنها لا تقوم على حقائق ثابتة، فالفرضيات عادةً ما تسقط أمام الحقائق، فهل كان يائير هيرشفيلد الذي أجرى محادثات في أوسلو مبعوثاً رسمياً من رئيس الحكومة الإسرائيلية أيام إسحق رابين؟".
توجهاتي لا تخالف سياسة السعودية
ويؤكد أن زيارته لإسرائيل لا تخالف في آخر الأمر سياسة السعودية، يقول: "لقد عملت في القوات المسلحة وعملت في السفارة السعودية وأنهيت حياتي الوظيفية بعد 18 عاماً، باللجنة الخاصة لمجلس الوزراء، فحصيلتي التاريخية تؤهلني لأعرف سياسة المملكة العربية السعودية، وهذا لا يعني أني أمثلها".
لم يتعرض للمساءلة والتحقيق الحكومي ويصف اليهود أنهم مثل بقية الشعوب فيهم من الخير الكثير
وأكد عشقي أنه لم يتعرض للمساءلة والتحقيق من قبل السلطات السعودية، حيث إنه سار وفق توجهاتها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حسب قوله
وقال "كل الحلول التي تضمنتها المبادرة العربية، كان قد وضعها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وذكر أنه إذا قبلت إسرائيل بالمبادرة وطبقتها، فإن المملكة والدول العربية والإسلامية سوف تطبع العلاقة مع إسرائيل". واعتبر أن الشعوب العربية تتعامل بعاطفتها مع إسرائيل رغم أنها باتت أمراً واقعاً، لكن ذات الشعوب تتغير قناعاتها حينما ترى أن السلام أصبح واقعاً، فتقبله كما تقبلته تركيا، حسب قوله. ويضيف "أنا فرد من أبناء الشعب السعودي، قبل أن أذهب إلى الولايات المتحدة لأدرس وأعمل، كنت أشد كرهاً لإسرائيل واليهود ولكن بعدما تعاملت مع يهود تأكدت أن كل إنسان فيه الخير والشر. فإذا تعاملنا مع عنصر الخير كان خيراً وإذا تعاملنا مع عنصر الشر كان شريراً، لهذا يجب أن نتعامل مع عنصر الخير في كل إنسان وكل شعب".
تكرار الزيارة لإسرائيل
وأكد عشقي أن زيارته لإسرائيل قد تتكرر مستقبلاً، مشيراً إلى أن اهتمام إسرائيل بالزيارة، دليل على الرغبة لديهم لوضع حل للصراع، وكسر العزلة في الشرق الأوسط، معتبراً بأن هذه البوادر ظاهرة صحية رغم أنها جعلته في دائرة النقد، لذلك فهو سعيد بها.
جدلية الزيارة وعلاقتها بالسعودية
وقال المستشار والباحث في العلاقات الدولية سالم اليامي في تصريح لـ "هافينغتون بوست عربي" إن الزيارة أثارت جدلاً كبيراً في المملكة.
وتابع "مطلوب من السعوديين في هذه المرحلة تصديق البيانات الصادرة من الجهات الرسمية ومنها وزارة الخارجية وغيرها من الوزارات، وفي ذات الوقت يجب التعاطي بواقعية مع الزيارة كأمر تم في الواقع". حسب قوله
هل تم التنسيق مع لوبي تركي الفيصل
"زيارة الدكتور أنور عشقي ومن رافقه لإسرائيل لم تكن بمبادرة شخصية منه، وربما كانت بإيعاز وتنسيق مع لوبي تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق الذي وصفه بعراب التطبيع مع إسرائيل"، هذا ما قاله الكاتب والباحث السياسي الدكتور عبدالمجيد الجلال في حديثه لنا.
واعتبر الجلال أن"الزيارة تدخل مع الأسف الشديد في سياق الخدمات المجانية التي تقدم لإسرائيل، إلى درجة وصف المجتمع الإسرائيلي بالمحب للسلام والحياة، في حين أن إسرائيل مستمرة في سياستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، بل تتحكم بالقرار الإسرائيلي حكومة يمينية هي من أكثر الحكومات الإسرائيلية تشدداً واستهتاراً بالمواثيق والمعاهدات الدولية، وتمارس سياسة الاستيطان بأبشع صورها، ومنها سياسة تهويد القدس".
ويرفض الجلال تبريرات عشقي للزيارة بأنه ناقش خلالها المبادرة العربية للسلام، يقول "الحديث عن ذلك يستوجب أن يكون في محافل دولية، وضمن أطر محددة، لا أن تشد الرحال إليهم وتتبادل القبلات وتتحدث إلى إعلامهم، فأنت بسلوكك هذا تطبع معهم دون أن تحصل على مقابل، ولاشك بأن التطبيع المجاني هو من أسوأ أنواع التطبيع وهو سلوك أقرب إلى الغباء والحمق ولا أقول الخيانة ".
وتابع "المبادرة العربية لم تعد مطروحة حالياً للبحث على الصعيدين الإقليمي والدولي وقد لا أبالغ إذا قلت بأن الزيارة تندرج في سياق التطبيع المجاني الذي تتبناه بعض النخب الليبرالية العربية وتتخذ من المبادرة العربية للسلام قنطرة لتحقيق أهدافها من السلام .
الجنرال السعودي انور عشقي للتلفزيون الاسرائيلي : نتن رجل قوي وواقعي ومنطقي ونحن بحاجه اليه