يفتخر الأتراك بمحمد الفاتح، وبـ ألب أرسلان (الأسد الشجاع)، فمن هو هذا القائد العظيم؟
🔹اجتمعت أوروبا وبيزنطة بجيش صليبي عرمرم بلغ حجمه 200 ألف مقاتل، ومعهم ألف منجنيق ضخم، ومنها منجنيق يجره 500 ثور لهدم الكعبة، وكان الجيش يضم البابا ومعه 35 ألف بطريرك، وعدد كبير من الجنود والسلاح، وأعلنوا الحرب المقدسة ضد المسلمين، وانطلقوا فورا إلى ديار المسلمين من أجل افنائهم وإبادتهم وهدم مقدساتهم، وقد كانت الخلافة العباسية في أسوء أيامها من فقر وضعف و مهانة، وكان للروافض تحكمٌ بديار الاسلام،
حيث كانت أرض المسلمين دويلات متعددة وضعيفة، وكانت الخلافة لا تضم سوى 2000 جندي يخرجون في موكب الخليفة الذي لا إسم له ولا صفة سوى الدعاء له في صلاه الجمعة.
🔵لكن:
كان هناك إمارة صغيرة إسمها دولة السلاجقة، وكانوا اتراكا يقفون مثل حرس الحدود على مشارف الخلافة يصدون غارات البيزنطيين، فيغلبون تارة، وينهزمون تارة أخرى، وكان قائد تلك الإمارة شاب صغير إسمه ألب أرسلان، أي: الأسد الشجاع..
🔹كان هذا البطل عائدا من خراسان بجيش قوامه 21 ألف رجل في معركة خاضها هناك، وكان جيشه ما بين مصاب وفاقد لسلاحه، حيث سمع بمجيء الجيش الصليبي فأسرع بالعودة، وحاول أن يقنع قائد الجبش الصليبي أرمانوس بأن يتنازل له عن أراضي لإمبراطوريته وبجزية يدفعها له مقابل عودتهم عن هدفهم الخطير، ولكن أرمانوس رفض وأخبره أن مجيء تلك الجيوش وتكلفتها لا يتسع لها أموال المسلمين كلهم، ثم إن هدفهم الحقيقي هو إبادة المسلمين، وهدم وحرق مقدساتهم في الحجاز..
🔹اسقط في يد البطل، وأرسل للخليفة يسأله العون والمدد، فلم يجبه معللا له سوء الحال، وقلة الجند، وحاول ألب أن يستثير حماسة المسلمين ويرسل الرسل للأقطار كلها فلم يجبه سوى القليل..
🔹ذهب ألب أرسلان إلى شيخه يسأله المشورة في هذا المصاب الفاجع والفادح، فحثه على الجهاد في سبيل الله، وهنا خرج ألب أرسلان إلى جيشه الصغير وخطب فيهم: (من أراد الجهاد فليبقَ معي، ومن أراد الإنصراف فليقدَم عذره بين يدي لله غدا وينصرف)، ثم ذهب ألب فاغتسل ولبس كفنه،
في المعركة خطب السلطان في جنوده قائلاً:
إنني أقاتل محتسباً صابراً. فإن سلمت فنعمة من الله عز وجل وإن كانت الشهادة فهذا كفني..، أكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه
ولما تقارب الجيشان طلب السلطان من امبراطور الروم الهدنة فرفض، فخطب السلطان في جنوده قائلاً:
من أراد الإنصراف فلينصرف. ما ها هنا سلطان يأمر وينهي
ثم ربط ذيل فرسه بيده وفعل العسكر مثله ولبس البياض وقال :
إن قتلت فهذا كفني
وخرج بجيشه المؤمن القليل العدد والعدة، وطلب منهم إن كان لأحد مظلمة فليتقدم ليقتص منه، فأجهش الجيش بالبكاء والنحيب، ثم إنهم اغتسلوا ولبسوا اكفانهم، واستعدوا لملاقاة العدو الصليبي بمدد وعون من الله.
������وهنا وقف شيخ البطل ألب أرسلان وسط الجيش يقول لهم:
(هذا يوم من أيام الله، لا مكان فيه للفخر أو الغرور، وليس لدين الله وحرمة دم المسلمين ومقدساتهم سوى سواعدكم وإيمانكم)، والتفت الشيخ إلى الأسد الشجاع وقال له: (إجعل المعركة يوم الجمعة حتى يجتمع المسلمون لنا بالدعاء في الصلاة) .. وكان ما طلب، فاجتمع الجبش في مكان إسمه مناذ كرد أو ملاذ كرد جنوب تركيا، وقد قسم ألب قواته، ورص الرماة بين جبلين، وتقدم بقواته ليستقبل طلائع الرومان البيزنطيين، فانقض الرومان بقوات بلغت ستين ألف مقاتل، فتقهقر ألب أرسلان وانسحب إلى الممر، وخرج منه وانتشر خلفه، وقسم قواته إلي فرقة تصد المتقدمين، وفرقة تتقدم وتلتف من جانب الجبل وتغلق الممر من الأمام، وبهذا يغلق الممر تماما ويحاصرهم في كمين من أحكم الكمائن في تاريخ الحروب، وعند دخول القوات البيزنطية، انتظر حتى امتلأ بهم الممر، وأشار للرماة فانهالت عليهم السهام كالمطر، وهنا يقول العميد الركن محمود شيت خطاب رحمه الله معلقا على تلك الحالة:
(إن الرماة كانوا فوق العادة، فقد أبادو القوات البيزنطية في ظرف ساعتين إلى درجة أن فرقتين حاولتا الصعود على جانبي الممر لإجلائهم، ولكن السهام ثبتتهم و اخترقت أجسادهم في الممر، فغطته بجثتهم، ومن حاول الخروج من فتحتي الممر كان السلاجقة في انتظارهم)..
🔹علم الأوربيون بالمجزرة، فتقدمت قوات أرمينية وجورجية فاستقبلتهم فرقة المقدمة فأبادتهم، واشتد الخلاف بين قادة الجيش الأوربي الصليبي، وتبادلوا الإتهامات، وحدث الخلل ورجعوا إلى بلدانهم مهزومين مندحرين، وتركوا خلفهم البيزنطيين، فانقض عليهم ألب أرسلان وقضي عليهم، ووقع إمبراطور بيزنطة في الأسر، وكان يوما من أيام الإسلام الخالدة، فقد هزم 21 ألفا من المسلمين جيشا قوامه أكثر من 200 ألف مقاتل صليبي نصراني حاقد.