وذكر الرواة: أن الزبرقان بن بدر اشتكى الحطيئة الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: هجاني بقوله: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي
فقال عمر: ما أرى هذا هجاءً؛ وكان أعلم بذلك من كل أحد، ولكنه أراد درء الحدود بالشبهات. فقال الزبرقان: هذا حسان بن ثابت. فقال: علي بحسان، فأنشده الشعر. فقال:نعم هجاه يا أمير المؤمنين، إذ يشبهه بالنساء القواعد في البيوت.. وليس لهن مشغلة سوى الإطعام والإكساء ،فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة أقطع لسانه ؟
فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من الحبس:
ماذا تقول لأفراخ بـذي مَرَخٍ ...زغبِ الحواصِل لا ماء ولا شجرُ ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمـةٍ ... فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ أنت الإِمامُ الذي من بعد صاحبِهِ ... ألقى إليك مقاليدَ النُّهَى البشرُ لم يؤثــروك بها إذ قدَّموك لها ... لكن لأنفسِهم كانت بك الأُثَرُ فامنُنْ على صِبيةٍ مسكنُهم ... بين الأباطح تَغْشاهم بها القِرَرُ أهلي فـدَاؤُكَ كم بيني وبينهُم ... من عَرْض داوِيةً تَعْمَى بها الخُبُرُ
فبكى عمر وأحضره. فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وأمي.وامرأتي ونفسي.
فتبسم عمر ، وقال: فإن عفونا عنك، أتهجو بعدها أحداً ؟
قال: لا يا أمير المؤمنين، وعلي بذلك عهد الله ! فقال: لكأني بفتىً من قريش
قد نصب لك نمرقة، فاتكأت عليها، وأقبلت تنشده في أعراض المسلمين.
قال: أعوذ بالله يا أمير المؤمنين.
فأطلقه الخليفة واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، فتوقف عن الهجاء،
ولكن يقال أنه رجع للهجاء بعد مقتل عمر بن الخطاب.
قال بعض الرواة: فوالله لقد رأيته عند عبيد الله بن زياد على الحال التي ذكر عمر،
فقلت له: لكأن أمير المؤمنين عمر كان حاضراً لك اليوم، فتأوه.