يرى مثقفون وكتاب إيرانيون أن العلاقة بين السلطة السياسية والخرافة، لا تزال عميقة وأن النظام الإيراني مستمر في إغراق المجتمع بالخرافات، والمخالفة في جوها لأي نظام سياسي تقوم عليه الدول، ويعتبر مراقبون أن الخرافة والشعوذة المعتمدة في أساس الحكم على مدار العقود الأخيرة مع تواتر في اتساع الظاهرة وخروجها أحيانًا عن سيطرة السلطات، وعودتها أحيانًا أخرى لتنحصر لما يروج له النظام من خرافات لإطفاء نور العقل وإثارة دهشة العوام من قوى خفية ودعمها للولي الفقيه.
فمن المفاتيح التي كان الخميني يوزعها على الجنود الإيرانيين على اعتبارها مفاتيح الجنة، إلى «حلقة الانحراف» للرئيس السابق أحمدي نجاد ومستشاريه الذين استعانوا بالجن والعفاريت في الانتخابات الإيرانية التي لولا دعم الجن والعفاريت لما فاز نجاد بالرئاسة بحسب مقربين من الرئيس الإيراني السابق، مرورًا باعتقال أحد أبرز مقربي الرئيس الحالي حسن روحاني، وهو رجل الدين الشيعي مجيد جعفري تبار، وزوجته الحاجة ندى المتخصصة في صنع «أحجبة» للتقرب إلى الولي الفقيه علي خامنئي، بتهمة ادعاء الارتباط بالجن والمهدي المنتظر، وانتهاء بظاهرة استعانة الحرس الثوري وميليشياته في العراق وسوريا بالسحرة والمشعوذين، في الحرب ضد (داعش)».
وتؤكد مصادر مطلعة أن إلقاء القبض على الحاجة ندى وزوجها تم جراء وشاية من مقرب لقاسم سلماني، تحذره من إقدام الحاجة ندى على صنع «حجاب» يضر بموقعه لدى خامنئي. وتشير المصادر إلى اعتماد روحاني إلى حد كبير على الحاجة ندى في اتخاذ قراراته المصيرية وانها صنعت له حجابا يمكنه من تجاوز المحن والمصاعب السياسية التي تواجهه.واكدت المصادر استعادة روحاني للحاجة ندى قبل أيام من إجتماع فيينا بعد وساطة من مهدي طالب رئيس «مقر عمار الاستراتيجي للحروب الناعمة» التابع لمكتب المرشد الأعلى الإيراني ،أكثر المقربين من خامنئي.
الكاتب الإيراني فارزين كارباسي، يرى أن «بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، وربط الانقلاب الإيراني بظهور المهدي المنتظر لإصلاح العالم وإحلال السلام، واتخاذ كل ذلك ذريعة في فرض الفكر الخميني في الداخل ونشره في الخارج من خلال الترويج لنظرية محمد لاريجاني (أم القرى) كمنطلق لسياسة تصدير الثورة الإيرانية، لتصبح قم (إيران) هي أم القرى، أي هي دار الإسلام»، مضيفًا «إذا قمت بجولة في المدن والقرى الإيرانية سوف تلاحظ وجود المئات بل الآلاف من أئمة الملالي والمئات من المراقد، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الحكومات الإيرانية المتوالية شجعت ودعمت هذا التوجه من التفكير وربط الناس بالغيبيات، مع بروز ظاهرة ارتياد المراقد وصولاً للجوء إلى المشعوذين والدجالين لتبلغ ذروتها خلال العقدين الأخيرين».
ويوضح كارباسي أن «اللجوء إلى الخرافات في معالجة المشكلات والأزمات السياسية في إيران كان حاضرًا دائمًا، ففي الثمانينات؛ أي بالتحديد الحرب الإيرانية العراقية، كان النظام يوزع مفاتيح الجنة على جنوده البسطاء؛ حيث كان الجنود الإيرانيون يعلقون مفاتيح خضراء في رقابهم على اعتبارها مفاتيح الجنة من الخميني، وفي جبهات القتال كان يأتي لهم بشخص وهو يرتدي عمامة وملابس كلها بيضاء راكبًا فرسه الأبيض وشاهرًا سيفه مناديًا بأعلى صوته على الجنود الإيرانيين (من تبعني فهو في الجنة ومن تخلف عني فهو في النار). ومما يدعو للسخرية، أنه على مدى الـ36 سنة الماضية تم إلقاء القبض على مئات الأشخاص الذين يدعون ارتباطهم بالإمام المهدي والكثير منهم تم إعدامهم، وهذه التهم طالت شخصيات سياسية ودينية قريبة من مراكز صنع القرار في إيران».
ويشير كارباسي إلى أن «أحمدي نجاد الذي اعتبر بين المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في العالم لعام 2006 كان في إيران أيضًا أكثر رئيس مثير للجدل والمشكلات لخامنئي، ففي عهده انكشف الستار عن استخفاف نظام الملالي عقول الناس، حيث ادعى أحمدي نجاد أنه مرتبط بالإمام المهدي الغائب منذ ألف عام، إلى المشعوذ عباس غفاري الذي أهداه أحمدي نجاد للحكومة الإيرانية وصرح بأنه كان وسيطًا بين نجاد والجن وأنه لم يكن ليفوز بالانتخابات لولا دعم الجن له، واتهام نسيب نجاد رحيم مشائي المعروف في الأوساط الإيرانية بـ(ممارسة السحر والشعوذة والارتباط بالجن)، بالإضافة إلى مزاعمه حول الاتصال بـ(قوى خفية)، وبأنه سحر نجاد وأن تصريحاته السابقة ومواقفه المثيرة للجدل التي كثيرًا ما كانت مناوئة لولاية الفقيه، كانت تحت تأثير تعرضه للسحر».
من جهته، يؤكد الإعلامي الإيراني حسين شهرامي ما ذهب إليه كارباسي، ويقول إن «النظام الإيراني يدعم الخرافة التي تتماشى مع بقائه في السلطة»، موضحًا أنه «عندما يطلق المحافظون المتشددون على أعضاء فريق أحمدي نجاد (حلقة الانحراف)، وهم إسفنديار رحيم مشائي ومحمد رضا رحيمي وحميد بقايي، رغم أن حكومة أحمدي نجاد كانت تحظى بالدعم اللامحدود من المرشد الأعلى، إلا أن تصديق أحمدي نجاد وذهابه بعيدًا في الغيبيات جعلته في موقع المنافس مع ولي الفقيه وهو تطاول عندما بشر بظهور الإمام الغائب ويعني ذلك انتهاء سلطة خامنئي، وفي هذه الحالة من الواجب عليه تسليم مقاليد الحكم إلى الإمام الغائب على اعتبار خامنئي هو نائبه لحين عودته».
ويتابع شهرامي أن «الاستعانة بالعفاريت والجن وصلت إلى حد أن تسيطر هذه المصطلحات (السحر والشعوذة) على سياسة الدولة الخارجية، على سبيل المثال هناك مانشيتات من نوع (صراع الجن مع إسرائيل)، أو أن (إسرائيل تسخر الجن لضعضعة الحكم في إيران)، أو (زوال السحر على العلاقات الإيرانية – التركية)، أو أن فلانًا من المسؤولين ينتمي إلى الشيطان في الباطن ويمارس اصطياد الجن منذ 20 عامًا لينال رضا خامنئي، أو فلان من المعارضين يحمل نجمة داود معه دائمًا».
ويضيف: «وفي عهد الرئيس الحالي حسن روحاني يسيطر حديث الجن والعفاريت على تفكير الزمرة الحاكمة، مشيرًا إلى أن «الباسيج والحرس الثوري وميليشياته في دول الجوار ما زال يعتمد على السحرة والمشعوذين، حيث يشاع أنها استقدمت مؤخرًا ساحرًا هنديًا منافسًا للحاجة ندى اسمه سمورا ومنح رتبة جنرال، وهو يستعين بأتباعه من الجن لمساعدة قوات الحشد الشعبي التي تقاتل (داعش) في العراق، وترددت شائعات مؤخرًا أنه قتل خلال المعارك وحضر مراسيم جنازته قاسم سليماني وأحمدي نجاد في إيران».
يؤكد الكاتب فارزين كارباسي على أن «ظهور هذه الجماعة في قلب الجمهورية الإسلامية كانت ضربة قوية في صميم سلطة ولي الفقيه والمحافظين، ولكن لا يمكن محاربتهم لأنه ببساطة يعني محاربة أساس ما بنيت عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على سبيل المثال لا يمكن الوقوف ضد سياسة أحمدي نجاد التي يعتبرها تخدم ظهور الإمام الغائب، الذي دفع أحمدي نجاد في مقر الأمم المتحدة لدعوة جميع الدول إلى تسهيل ظهور المهدي والمسيح ليخلصا العالم، بالطبع لا يمكن أن يعلن الحرب على شخص يسهل ظهور المهدي وخامنئي كان يدرك مخاطر الوقوع في مثل هذا الأمر مما دعاه إلى تهدئة المحافظين لحين انتهاء ولاية أحمدي نجاد».
ويضيف: «نتيجة حكم عقود من السحر والخزعبلات وارتباط المستشارين بعالم الغيب بدل عالم الواقع، خسرت إيران مئات الملايين من الدولارات، وصدرت بحقها عشرات القرارات في الحافل الدولية، وذاقت ضراوة الحصار نتيجة حكم السحرة، ويختم حواره بمقولة للفيلسوف الهولندي سبينوزا عن الخرافة (إذا غاب العقل ظهرت الخرافة، وإذا سادت الخرافة ضاع العقل)».