عن أبن عباس ( رضي الله عنهما ) ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان إذا انتسب لا يجاوز معد بن عدنان ثم يمسك ويقول : ( كذب النسابون ) مرتين أو ثلاثاً ، وهذا الحديث الشريف بفرض صحة صدوره يحمل معاني واثار ذات دلالات عميقة ، فقد منع الحديث الشريف لذكر النسب بين نزار وإسماعيل عليه السلام والعلة في هذا المنع هو كذب النسابين في ذلك النسب ، والكذب هنا إما أن يكون متعمداً إذ إن النسابين قد يدخلون قوماً في قوم آخرين متعمدين ـ وهذا كان شائعاً عند العرب كما مر سابقاً ـ أو يكون كذب النسابين عن جهل إذ إن الفترة الزمنية الكبيرة أدت إلى ضياع النسب الحقيقي مما دفع النسابين إلى ابتداع نسب آخر وهكذا كانت الولادة الإسلامية للأنساب بإلغاء انساب الجاهلية المكذوبة والتزام النسب النبوي فقط ، وكأن الإسلام يريدنا أن لا نقع في الخطأ الذي وقع فيه اليهود من قبل حين ملئوا توراتهم بسلاسل نسب كثيرة مكذوبة من آدم والى أيام مملكتهم في فلسطين واعتنوا بروايتها برغم إن سلاسل النسب تلك لا تملك أي قيمة تاريخية أو اعتبارية لبعدها عن الصحة وان الذين كتبوها قد وقعوا في نفس أخطاء النسابين العرب من جهة الكذب .
وهكذا يعلن الإسلام إن الغرض من الأنساب ومعرفة القبائل ليس لأجل التفاخر بطول سلسلة النسب أو بلوغها إلى آدم كما هو شائع عند النسابين ـ مع الأسف ـ بل ان الغرض من الأنساب ومعرفة القبائـل هو ما ذكرتـه الآية الكريمة بقوله تعالى : (( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) .
كٓذٓب النسابون :
كان العـرب قبل الأسلام يعتمدون على ذاكرتهـم في حفظ الأنساب فيتوارثون ذلك الحفظ جيلاً بعد جيل ، الى أن وصل الأمر الى ظهور الأسلام وأنتشار الكتابة في القـرن الأول الهجري فأخذ البعض بتدوين الأنسـاب .
وهنا نطرح التساؤل الاتي : ماذا لو برز من اولئك رجل نبيه كأن يكون فارساً أو شاعراً أو ولياً صالحاً لم تحفظ سجلات أهل السجل انساب اجداده لعدم نباهتهم ، فكيف سيُعرف نسبه ، وهل يصح ان يكتفي بما حفظه اباؤه من نسبهم مع ان أصحاب السجل النُسّاب لا يؤيدون نسبه ولا يوثقوه لعدم تسجيله لديهم ؟ أم انه يلجأ للأنتساب الى نسب معروف لدى أهل السجل النسابين وان لم يكن هو نسبه الحقيقي ؟ وهل يكفي ان نقول ان الناس مأمونون على أنسابهم ـ مثلما يفعل البعض اليوم فينسبون من يشاؤون لمن يشاء ـ وعند هذا يسقط دور النسابين ولا يمكن الأعتماد عليهم لعدم شمولهم لجميع الأنساب.
وبالحقيقة فأن هذه المشكلة هي جزء من المسيرة الأنسانية وهي مشكلة دائمة الظهور منذ عصر ما قبل الأسلام والى يومنا هذا ، وهي مشكلة ليس لها حل ، بل ان عدم وجود حل لها يثبت من ان الأهتمام بسلاسل النسب التي تصل انسان اليوم الى عدنان أو قحطان بل في كثير من الأحيان الى ادم عليه السلام هي سلاسل نسب غير واقعيه وعديمة الجدوى وليست ذات فائدة بالأضافة الى ان الأهتمام بها يُضيع وقتَ الأنسان الذي يمكن أستغلاله في علوم ذات نفع اكبر للبشرية .