حقيقة تكلمت عن هذا الموضوع (خروج بريطانيا ) في موضوع قديم يعود لعام 2014 بعنوان (هل تنهار بريطانيا العظمى) عندما كنا نتابع أخبار انفصال اسكتلندا عن بريطانيا وبعد الحشد الاعلامي القوي هذه الأيام في ووسائل التواصل الاخرى وفي المنتديات وغيرها من القنوات في الحديث عن بريطانيا وآثار الانفصال التي من المبكر ان نحكم على سلبيتها بشكل مؤكد لكن مالايدع مجالا للشك أنها تضفي حالة من الضبابية وعدم الوضوح حول مستقبل الاتحاد الاوربي وآفاق النمو للاقتصاد العالمي وهذه النقطة هي من عصفت بالأسواق وفي انتظار ان تتماسك الأحجار أو تتساقط منذرة بتغير هيكلي وعالمي متسارع وسأتحدث من نقطة لم يتم مناقشتها بعد وهي ربما نشهد من يعيد رسم العالم لتصب في مصلحة النظام العالمي الجديد الذي أطلقه الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 1990 في ظاهره الرحمه وفي باطنه العذاب هو باختصار هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على المشهد الاقتصادي وتحكمها بالسياسة بقوة المال والنفوذ ففي عام 2014 شهدت اوروبا عمليات اندماج كبيرة جدا وكتبت في حينه موضوع بعنوان ( العالم يندمج ويقوى وكيانات عملاقة قادمة (اوروبا مسرح للعمليات)
وهذا كله يأتي بالتزامن مع عقد أضخم مناطق التجارة الحرة في العالم التي تجري مفاوضاتها منذ زمن طويل خلف أبواب مغلقة وتتزعمها أمريكا باتفاقيات تجارة حرة وتحالف عالمي يهدف الى تقويض الصين وروسيا والهند والبرازيل التي شاهدنا فيها انكماش اقتصادي كبير وهي احدى دول البريكس التي سقطت وضعفت بالمشاكل السياسية والاقتصادية
الاتفاقيات الضخمة التي تعقدها أمريكا وستعيد تشكيل هيكل التجارة هي
1- أمريكا مع الاتحاد الاوروبي (TTIP)
اتفاقية التجارة والاستثمار عبر الأطلسي ولاتزال المفاوضات مستمرة مع عراقيل كبيرة وسخط شعبي غير ان ابرز 3 دول في هذا الاتفاق والتي يدعمها رؤسائها حاليا ستشهد انتخابات عامة في امريكا 2016 وفي المانيا وفرنسا 2017 وقد لاتشهد الدول توقيعا على الاتفاق قبل 2018
2- اتفاقية الشراكة عبر الهادي(TTP)
وتضم 12 دولة هي الولايات المتحدة واليابان وأستراليا وكندا وماليزيا والمكسيك وتشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة والبيرو وفيتنام وبروناي وقد تنضم دول أخرى ككوريا الجنوبية وغيرها وتعتبر هذه الشراكة حاليا اكبر منطقة تبادل تجاري في العالم
3- اتفاقية تجارة الخدمات (TiSA)
التي تغطي أمريكا الشمالية والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا والعديد من الدول الأخرى
تسريبات ويكيليكس تعطي فكرة عما يجري التخطيط له ضمن هذه الاتفاقيات حيث يمكن استخدامها لإجبار الدول على قبول منتجات وخدمات مالية جديدة وللموافقة على خصخصة الخدمات العامة والحد من مستويات الرعاية والدعم ومن هذا المنطلق يالله عاد حلوها تقييد الدول
هذه الاتفاقيات الضخمة لها تأثيرات قوية تحدثت في تغريدات عن بعض آثارها كمحاكمة الشركات للدول وتحكم الشركات الكبيرة واغراق الاسواق وغيرها وتقود في النهاية لمصلحة القطب الواحد بنفوذ عسكري مطلق وبنفوذ مالي ضخم بتحكم أمريكي صرف
والعجيب فعلا أن أمريكا استبعدت تماما الدول التي تهددها وهي دول البريكس من الاتفاقيات التي ابرمتها أوستبرمها هذه الدول هي روسيا والصين والهند والبرازيل وباختصار تقويض هذه الدول اقتصاديا وحشرها وكانت أول دولة تنهار بمشاكل سياسية واقتصادية هي البرازيل وتحدثت عنها كثيرا
بعد هذه المقدمة وهذه الاتفاقيات التجارية الحرة يدفعنا للتفكير مليا بمنظمة التجارة العالمية WTO وكيف يمكن أن تهدد هذه الاتفاقيات عمل المنظمة الحديثة العمر والتي تضم 160 دولة تقريبا العالم كله وأمام هذه التكتلات الضخمة والقوة والنفوذ سيضغف دور منظمة التجارة العالمية وقد تنهار حسب الظروف المستقبلية والله أعلم
حقيقة العالم الاقتصادي متشابك وان لم يؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي علينا بشكل مباشر فقد يكون هناك تأثيرات عير مباشرة تطالنا ولهذا حرصت على طرح رؤية الجانب الآسيوي لما لها من أهمية كبيرة فدول الخليج اقتصاديا مرتبطة بشكل وثيق في دول آسيا حيث صادراتنا الضخمة تذهب هناك لدول مثل الصين واليابان والهند وكوريا وغيرها وحقيقة تهمنا هذه الدول أكثر ولكن كيف كانت ردة فعل هذه الدول تجاه البريكسيت في الواقع كلهم ممتعضون ومتشائمون
الصين
الصين تقول أنها خطوة مخيبة للآمال والحقيقة أن الصين اختارت لندن لتكون مركز مالي لاصدار ديون سيادية بالعملة الصينية وقبلها قرار بريطانيا الانضمام لبنك آسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين كأول دولة غربية تتضم لهذا البنك مما جعل الأمريكان يستشيطون غضبا ووصفه المراقبون بانه تمرد مالي بريطاني ضد أمريكا ويعتبر المراقبون قرار انفصال بريطانيا نكسة في طريق تدويل العملة الصينية خصوصا لو خفت بريق لندن المالي
أيضا يعتبر المراقبون أن الانفصال هو نكسة لخطط بكين في عقد اتفاقية تجارية حرة مع الاتحاد الاوروبي في الأمد الطويل لاسيما وان بريطانيا تشكل أهمية كبيرة في داخل الاتحاد وخروجها وعقد شراكة ثنائية معها قد لايلبي الفوائد الاقتصادية للصين
وهناك أيضا نتائج جيوسياسية فيما يتعلق بالتوتر الدائم في الصراع في بحر الصين الجنوبي حيث يعتقد الصينيون ان بخروج بريطانيا سيضعف الدور الأمني الذي يلعبه الاتحاد الاوروبي تاركة فرنسا وحدها الممسكة بزمام الأمور كقوة غسكرية دولية في الاتحاد الاوروبي وبالمناسبة هذه الأيام هناك توترات في بحر الصين الجنوبي الذي سبق الحديث عنه في مواضيع سابقة وهو صراع اقليمي بين الصين وأمريكا وحلفائها الآسيويين عنوانه السيادة
اليابان
يقول المراقبون أن تأثير انفصال بريطانيا سيكون كارثيا على اليابان تقول رئيسة مجلس أبحاث السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان ” تومومي اينادا”، إنه ينبغي للحكومة اتخاذ خطوات جريئة للتعامل مع ارتفاع الين بعد خروج بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي
هذا وقد حذر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي من المخاطر المحتملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مقترحا التدخل في سوق العملات لمنع الين من الارتفاع. وقال آبي في خطاب له يوم الجمعة إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على أسواق العملات في جميع أنحاء العالم"، مشددًا على ضرورة الاستجابة بشكل مطرد لهذا الوضع. وأشار إلى أهمية تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية العالمية بما في ذلك أسواق العملات
هذا وقد أعرب وزير المالية الياباني عن قلقه ازاء تحركات العملة وقال ان الحكومة اليابانية مستعدة للتدخل ان لزم الأمر مبديا في الوقت نفسه عن تخوفه من المخاطر على الاقتصاد العالمي والتمويل واسعار الصرف وغيرها من القطاعات
الهند
ردة فعل الحكومة الهندية يشوبه الحذر حيث يعتبر وزير المالية الهندية قرار الانفصال بالضبابية وعدم اليقين لكن في الوقت نفسه حذر من المخاطر المحتملة على الهند فيما يتعلق برفع الفائدة عالميا التي قد تتبع قرارات الفدرالي الامريكي وأشار في الوقت نفسه الى أن التأثير قد يطال الشركات الهندية المتعددة الجنسيات كمجموعة تاتا التي تملك شركات تابعة في بريطانيا وقال ان التأثير سيطالها من حيث انخفاض الايرادات
كوريا الجنوبية
كوريا تعاني من الأساس في انخفاض صادراتها لفترة طويلة وتصريحات من الحكومة بتخفيض معدل النمو للاقتصاد الى 2.8% من 3.1 % لكن في اعقاب خروج بريطانيا اجتمع المسؤولون الاقتصاديون والماليون لمناقشة آثار الخروج وقالوا القرار التالي في بيانا من وكالة يونهاب
قالت كوريا الجنوبية يوم الجمعة إنها سوف تستخدم كافة الوسائل لتحقيق الاستقرار في السوق المالي المحلي بعد نتيجة الاستفتاء التاريخي البريطاني غير متوقعة للخروج من الاتحاد الأوروبي .
وقال نائب وزير المالية الكوري الجنوبي تشوي سانغ-موك "إن الحكومة ستبذل قصارى جهدها للحد من أي تأثير سلبي ينجم من نتائج بريكست(خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي )على الاقتصاد المحلي" وذلك في اجتماع طارئ في سيئول عقده مع مسؤولين من لجنة الخدمات المالية وبنك كوريا المركزي واللجنة العامة للرقابة المالية لمناقشة سبل مواجهة أي تداعيات ممكنة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.
واضاف تشوي "إننا سنتخذ كل التدابير اللازمة، بما في ذلك العمل على انسياب العمليات من أجل تهدئة سوق الصرف الأجنبي وقال " إن السلطات تبحث عن كثب في سوق العملات وخروج رؤوس الأموال الأجنبية للحد من التقلبات في السوق المالي المحلي ".
واضاف "إننا سوف نتحقق أيضا من حالة سيولة العملة الأجنبية للشركات المالية المحلية"، مضيفا "إن الحكومة ستعزز تنسيق السياسات مع وزارات أخرى للحد من انتشار الاضطراب المالي إلى الاقتصاد الحقيقي ".
أخيرا حرصت كثيرا على رؤية الجانب الآسيوي للقرار نظرا لما تشكله آسيا من أهمية كبيرة لنا نحن الخلييجيين وربما نر المزيد من التعليقات حول أثر الانفصال من الجانب الآسيوي أو غيره لكن بلا شك أننا أمام مرحلة جديدة ومختلفة عن السابق فهناك نظرة أحادية الجانب من قبل امريكا مقابل تفكك وانهيار دول وبروز دول أخرى سياسيا كالمانيا مثلا الذي يتوقع ان ترتفع أسهمها سياسيا واقتصاديا بشكل كبير وبعد خروج لندن أصبحت برلين الآن العاصمة الأولى للاتحاد الأوروبي كأكبر مدينة بالاتحاد الاوروبي وربما تكون مركز بديل للمال والاعمال خلفا للندن وليس كما يتوقعه الكثيرون في باريس او فرانكفورت وألمانيا بجانب أمريكا هما المستفيدتان من الوضع الحاصل فمع بروز قوة المانيا الصاعدة سياسيا واقتصاديا هي كذلك وتأثيراتها داخل دول الاتحاد الاوروبي قد نشهد والله أعلم منحها عضوية دائمة في مجلس الأمن
وبمناسبة العضوية الدائمة في السابق صرحت ميركل بالتالي : انه حان الوقت لاصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليكون معبرا بحق عن توزيع القوى في أنحاء العالم في القرن الحادي ولعشرين
ماذا يمكننا أن نسنتج من ذلك ؟ التغيرات قادمة وأكتفي بهذا وهذه مجرد قراءة من جانب لم تتم تغطيته وليست دعوة للبيع أو الشراء في سوق الأسهم وان أعجبكم الموضوع لاتتردد في نشره
المواضيع المتشابهه 
الانفصال البريطاني وردود أفعال الدول الآسيوية 
العرض الشجري
