قال تعالى : " من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينَه حياة طيبة ولنجزينَهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" .
وعد من الله عزوجل ومن أوفى من الله عهداً ؟ بأنه يجازي عباده ولا فرق بين الذكر أو الانثى على أعمالهم الصالحات في الدنيا والآخرة والحياة الطيبة هي السعادة في الدنيا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ثم المجازاة الاخرى يوم القيامة يدخلهم الجنة وينعمون بنعيمها .
فالعمل الصالح : هو كل ما يتقرب به العبد لربه من نية أو قول أو عمل وترك لكل ما يبغضه الله عزوجل .
والإيمان : هو ما جاء في حديث جبريل : " قال : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله " رواه مسلم .
وإذا أردت أن تعرف الفرق بين المؤمن والكافر فأقرأ قوله تعالى :
" أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به بين الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " .
فالإيمان ولادة جديدة يمنح صاحبه نوراً ينتفع منه هو ومن حوله من الناس والكفر موت وظلمة حالكة شديدة الوحشة يتخبط فيها صاحبها وطيش وضياع وخروج عن هدف الفلاح .
ونلاحظ أن الله عزوجل لم يذكر العمل الصالح الا وقرن معه الإيمان قال تعالى : " إنَ الإنسان لفي خسر إلإ الذين آمنوا وعملوا الصالحات " .
لماذا كلما ذكر العمل الصالح قرن به الإيمان ؟ لأنه لا قيمة للعمل الصالح من غير إيمان , ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنَ إبن جدعان كان يطعم الطعام ويصل الرحم فهل ذلك نافعه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " لا ينفعه إنه لم يقل يوماً " ربي إغفر لي خطيئتي يوم الدين " .
وأنَ الإيمان دافع ووقود ومحرك للعمل الصالح فالمؤمن هو أعلم الناس وأحرصهم على حصول الأجر والثواب فلهذا تجده سبَاقاً ومشمراً عن ساعديه ليكسب الغنيمة الربانية .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم تبعه ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع إثنان ويبقى واحد , فيرجع أهله ماله ويبقى عمله " متفق عليه .
رفقاء ثلاثة يتبعون الميت : المال والأهل والعمل , فأما المال فيترك الميت عند موته ويفارقه وكأنه لا يعرفه أبداً , أما الأهل فيتبعون الميت إلى أن يدخل الحفرة ثم يتركونه ويودعونه , وأما العمل فهو الصاحب والرفيق والقرين الذي لا يفارق الإنسان بل به يتحدد مصير العبد إما إلى جنة وإما نار فأنتبه أخي واختي الكريمة لهذا الأمر المصيري الهام .
وأنتبه إلى تلازم الإيمان والعمل الصالح فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون شعبة , فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " رواه مسلم .
فلا إله إلا الله معتقد إيماني محفَز دافع نحو العمل الصالح الخيري وهو إماطة الأذى عن الطريق .
وأما ثواب المؤمنين العاملين للصالحات فقد وعدهم الباري عزوجل حينما قال : " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون........ اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " .
تلك الخصائص تحدد شخصية المؤمنين المكتوب لهم الفلاح , وهي خصائص ذات أثر حاسم في تحديد خصائص الجماعة المؤمنة ونوع الحياة التي نحياها .
الحياة الفاضلة اللائقة بالإنسان الذي كرَمه الله وأراد له التدرج في الكمال , ولم يرد له أن يحيا حياة الحيوان يستمتع فيها ويأكل كما تأكل الأنعام .
ولما كانت هذه الحياة في الأرض لا تحقق الكمال المقدر لبني الإنسان فقد شاء الله أن يصل المؤمنين الذين ساروا في الطريق إلى الغاية المقدرة لهم هناك في الفردوس : دار الخلود فلا فناء والأمن بلا خوف والاستقرار بلا زوال : " اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " .
وتلك غاية الفلاح الذي كتبه الله للمؤمنين وليس بعدها من غاية تمتد إليها عين أو خيال ...(سيد قطب) .
فالعمل الصالح هو دعوة صامتة إلى الخير وهو الذي يظهر الإيمان مجسداً يمشي على الأرض ويتحرك ويبني ويعمر في الكون ويؤدي إلى تحقيق سعادة الإنسان في دار الدنيا ويعطيه قيمه في وجوده وينفعه في الآخرة دار القرار ويأخذ بيده إلى الجنان ورضا الرحمن .
وبقي أن نذكر بأن للعمل الصالح شرطان هما : الأول موافقته لشرع الله عزوجل , والثاني الإخلاص فيه لله تعالى وقد ذكر الله تعالى هذين الشرطين بقوله تعالى : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً " .
وأحذر من هؤلاء القوم الذين خرجوا من الدنيا بغير زاد وهو التوبة والعمل الصالح , قال الحسن :
إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة يقول أحدهم : إني لأحسن الظن بربي وكذب ! , لو أحسن الظن لأحسن العمل .