حينما بُويِع أمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) خليفةً للمسلمين في اليومِ التالي لوفاة (أبي بكر الصديق) في 22 من جمادى الآخرة 13 هـ الموافق 23 من آب 632 م، بدأ يُواجه الصِعاب والتحدّيات التي قابلتهُ مُنذُ اللحظةِ الأولى وبخاصة الموقف الحربي الدقيق لقوّات المسلمين (بالشام والعراق)، فأرسلَ على الفور جيشاً إلى العراق بقيادة (أبي عبيدة بن مسعود الثقفي) الذي دخلَ في معركةٍ متعجلةٍ مع الفُرس دون أن يرتـِّب قُواته، ولم يستمعْ إلى نصيحةِ قادةِ جيشهِ الذين نبـَّهوهُ إلى خطورةِ عُبورِ جِسر (نهر الفرات)، وأشاروا عليه بأنْ يدعَ الفرسَ يعبُرون إليه؛ لأنّ موقِفَ قواتِ المسلمين غربِي النهر أفضل، حتى إذا ما تحقّقَ للمسلمين النصر.. عَبروا الجسرَ بسهولة.. ولكن (أبا عبيدة) لم يستجبْ لهم، وهو ما أدّى إلىهزيمة المسلمين في موقعة (( الجسر ))، واستشهاد (أبي عبيدة بن مسعود) وأربعة آلاف من جيشالمسلمين.
بعد تلك الهزيمة التي لحِقت بالمسلمين (في موقعة الجسر) سعى (المثنى بن حارثة الشيباني) إلى رفع الروحِ المعنوية لجيشِ المسلمين في محاولةٍ لمحوِ آثارِ الهزيمة، ومن ثم فقد عملَ على استدراجِ قواتِ الفرس للعبور غربي النهر، ونجح في دفعهم إلى العبور بعد أنْ غرّهم ذلكَ النصرُ السريع الذي حقَّقوه على المسلمين، ففاجأهم (المثنى) بقوَّاتهِ وألحقَ بهم هزيمةً مُنكرة على حافةِ نهر (البويب) الذي سُمّيت به تلك المعركة... ((معركة البويب)).
وصلتْ أنباءُ ذلك النصر إلى الخليفة (عمر الفاروق) في (المدينة المنورة)، فأرادَ الخروجَ بنفسهِ على رأسِ جيشٍ لقتالِ الفرس، ولكن الصحابةَ الكِرام أشاروا عليه أن يختارَ واحداً غيره مِن قادةِ المسلمين ليكونَ على رأسِ الجيش، ورشَّحوا له (سعد بن أبيوقاص) فأمـَّرهُ (عمر بن الخطاب) على الجيش الذي اتـّجهَ إلى العراق حيث عسكَرَ في (( القادسية )) وأرسل (سعد بن أبي وقاص) وفداً مِن رجاله إلى (بروجرد الثالث) ملك الفُرس؛ ليعرِضَ عليه الإسلام على أن يبقى في مُلكِهِ ويُخيـِّرهُ بين ذلك.. أو الجزية.. أوالحرب، ولكنّ الملِكَ قابلَ الوفدَ بصَلَفٍ وغُرور، وأبى إلاّ الحرب، فدارت الحربُ بينالفريقين، واستمرت المعركة أربعة أيام حتى أسفرت عن انتصار المسلمين في ((معركة القادسية ))، ومُنِيَ جيشُ الفرسِ بهزيمةٍ ساحقة، وقُتلَ قائِدهُ (رستم)،وكانت هذه المعركة مِنْ أهمّ المعاركِ الفاصلةِ في التاريخ الإسلامي، فقد أعادتْ (( العراق )) إلى العربِ والمسلمين بعد أن خضعت لسيطرةِ الفُرسِ قروناً طويلة، وفتحَذلكَ النصرُ الطريقَ أمامَ المسلمين للمزيدِ مِنَ الفتوحات.
الطريق مِنَ المدائنِ إلى نهاوند
أصبح الطريقُ إلى (المدائن) عاصمة الفرس ممهداً أمام المسلمين، فأسرعوا بعبور نهر (دجلة)، واقتحموا المدائن، بعد أن فرَّ منها الملك الفارسي، ودخل (سعد بن أبي وقّاص) القصر الأبيض (مقر ملكِ الأكاسرة) فصلّى في إيوان كسرى صلاة الشكر لله على ما أنعمَ عليهم مِنَ النصر العظيم، وأرسل (سعد بن أبي وقاص) إلى (عمر بن الخطاب) يبشـّرهُ بالنصر، ويسوق إليه ما غنِمهُ المسلمون مِنْ غنائمَ.
بعد فرارِ ملكِ الفرس مِن (المدائن) اتجهَ إلى (نهاوند) حيثُ احتشدَ في جموعٍ هائلةٍ بلغت (مائتي ألف جندي)، فلما علِمَ (عمر بن الخطاب) بذلك استشارَ أصحابهُ، فأشاروا عليه بتجهيزِ جيشٍ لردعِ الفرسِ والقضاءِ عليهم قبلَ أنْ ينقَضـُّوا على المسلمين، فأرسل (عمر بن الخطاب) جيشاً كبيراً بقيادةِ (النعمان بن مقرن) على رأس (أربعين ألف مقاتل)، فاتجه إلى (نهاوند)، ودارتْ معركةٌ كبيرةٌ انتهت بانتصارِ المسلمين، وإلحاقِ هزيمةٍ ساحقةٍ بالفرس، فتفرّقوا وتشتـّت جمعُهُم بعد هذا النصر العظيم الذي أُطلق عليه (( فتح الفتوح ))