الجزء الثاني
وصلت الى مرحلة ( خامس ابتدائي ) وكل يوم ازداد فيه فضولا لمعرفة حقيقة حمدان وماهو سرّ حمدان ؟؟
كذلك يشاطرني ذلك الفضول زميلي في الفصل وابن قريتي محمد ذلك الفتى الشجاع بكل ماتحمل هذه الكلمه من معنى .. فهو كان يتفوق على كل ابناء قريتنا في انه لا يخاف من شيء
واذكر انه كان يتسلل من بيت اهله الذي يقع في اخر القريه الى بيتنا في الليله الظلماء حالكة السواد والممطره التي يدوّي صوت رعدها ويلمع برقها لا يخاف ولا يخشى شيئا وكان ذلك يثير تعجبي من شجاعته ..
لكي لا اغرقكم بالتفاصيل كان محور حديثي انا ومحمد دائما عن حمدان ولماذا اهلنا ومعلمونا يخافون من هذا الرجل النحيف الهزيل!!!
وقدحت في رأسي فكرة ليتني لم افكر فيها ولكن قدّر الله وماشاء فعل .
فقلت لمحمد بكل براءة الاطفال ( وش رايك يامحمد نروح صندقة حمدان اذا شفناه طلع منها ونشوف وش داخلها )
وافقني محمد وليته لم يوافق ..
اتفقنا ان نراقب حمدان متى يخرج من صندقته وننقض عليها في فترة غيابه وقررنا ان افضل يوم يمكن ان نهاجم فيه صندقة حمدان هو يوم ثلاثاء..
والسبب في اختيار يوم الثلاثاء ان كل شيبان قريتنا يذهبون الى مدينة ابها للتسوق في يوم الثلاثاء حيث انه سوق اسبوعي لا يعقد الا يوم الثلاثاء فقط .. ومن عاش او يعيش بأبها يعلم ان هذا السوق لا زال قائما لحدّ الان ..
بدأت اجازة الصيف وتسلل محمد من بيت اهله بعد صلاة الفجر يوم الثلاثاء وناداني لكي نراقب خروج حمدان من صندقته ..
وفعلا خرج حمدان وتابعناه حتى ركب مع احد شيبان القريه في سيارته لكي يذهب معه الى سوق الثلاثاء..
اصارحكم انني حاولت ان اثنى محمد عن هذه المغامره.. لكن شجاعة محمد اوردتنا مالا يحمد عقباه... وياليته كان جبانا ..
سلكنا طريقا ملتويه توصل الى صندقة حمدان لكي لا ينتبه احد من اهل القرية او يرانا فيخبر ابائنا او يخبر حمدان عنا ...
وما ان اقتربنا من صندقة حمدان وكنا نقف على بعد مايقارب عشرين مترا عن صندقته .....
حتى صرخ محمد بأعلى صوته (ثعبان ،، ثعبان ،، ثعبان ) والتفت الى الثعبان ووجدت مالم يخطر لي على بال
ثعبان لم ارى ولن ارى مثله في حياتي ..
فهو اسود غليظ ولكن الغريب انه مكسو بالشعر !!!
وكان ينظر الينا بأصرار دون ان يتقدم منا او نتقدم نحن ...
فكل مافي الموقف اننا نصرخ متسمرين الاقدام من الوجل وهو ينظر الينا بأصرار..
هنا سحبت محمد من ثوبه قلت يالله اهرب وهربت اريد العودة للقريه ولكن نظرت وانا اركض هاربا من على كتفي فوجدت محمد لايزال واقفا جامدا صامتا لا يتحرك وكأنه تمثال!!!
فوقفت وقلت يامحمد .. يامحمد
بأعلى صوتي ولكن محمد لم ينظر اليّ ولم يكلمني بل كان فاغرا فاه ومتجها بعينيه الى ذلك الثعبان الكريه ..
هنا استجمعت كل ما اوتيت من شجاعة وجرأة وعدت وانا ابكي الى محمد لكي ارى ماذا حلّ به
واثناء عودتي وجدت ذلك الثعبان لعن الله من امره بقتل الابرياء ينقض على محمد ويلتف حول عنقه .. وهنا صرخت وهربت وسقطت على الارض.. وشجّت جبهتي وبدأ الدم ينزف بحرارة وغزارة من جبهتي ....
وهربت لا ادري الى اين ولكن اذكر انني قابلت عجوزا في قريتنا في الطريق تدعى فاطمه وارتميت في حضنها ولم اعد ارى شيئا وغبت عن الوعي ..
بدأت افتح عينيّ تدريجيا واذا انا في بيتنا وحواليّ والدي وعمي والمطوع امام المسجد .. واذا يد الامام على جبهتي ويقرأ بعض ايات الذكر الحكيم ..
صرخت بكيت تشنجّت وسألت عن محمد وين محمد اكله الثعبان ؟؟!!! وين محمد
وكان والدي يمسك قدماي ولا زلت اذكر منظر دموعه من على خديه وهو مطأطىء الرأس وعمي يمسك يداي والشيخ يقرأ اية الكرسي..
ترى ماذا حدث ... لماذا يبكي والدي..
والدي الذي كنت اراه اقوى رجل في القريه فهو مفتول العضلات قوي البنيه قوي الشخصيه ايضا يبكي ..!!!!
بدأت اتنفس بهدوء وخفّت نوبة البكاء والصراخ والتشنج ...
وخرج الشيخ ودخلت امي التي كانت بدورها تبكي بحرارة وتنظر اليّ بشفقه وهنا لم اجد جوابا على دموع امي الا ان ابادلها دمعا بدمع ....
اعطوني ماء وشربت ثم دهنوني بزيت ووضعو في جسمي شجرة كريهة الرائحه تسمى عندنا (شذاب ) وضعو اوراقها على جسمي تحت الثوب وسمعت والدي يقول مايقدرون يلمسونه بأمر الله وعليه شذاب
لم اتجرأ ان اسأل والدي من هم الذين يلمسوني ولماذا ..
سألت امي / يمه وين محمد ؟
فخرجت امي من الغرفة وهي تبكي !!!!
جلست .. اعادني والدي وقال نم على ظهرك ولا تخاف وانا ابوك ..
قلت طيب ومحمد ..
قال محمد بخير ورجع عند اهله !!!
قلت طيب انا شفت الثعبان لفّ على رقبته .. قال لا محمد ابشرك سلم وقتلنا الثعبان ..
هنا ارتحت ولو انني لا زلت قلقا على مصير محمد ..
رجعت امي وهي تحاول جاهدة ان تظهر ابتسامة متكلفة على شفتيها ..
قلت يمه ليش تبكين ؟؟!!
قالت خفت عليك ياولدي ...
قلت طيب يمه محمد مريض والا هو طيب يعني مافيه شي مره ..
قالت لا ان شاء الله انه طيب .. حسبنا الله ونعم الوكيل الله يصبر اهله ..
كنت سمّعت هذه العباره عندما توفي شاب من قريتنا في حادث كلهم يقولون الله يصبر اهله ...
قلت يمه كيف يصبّر اهله !!!!
قالت يعني الله يجعلهم يصبرون عشان انهم يحبون ولدهم مثل ما احبك ..
قلت ليش محمد فيه شي يعني ؟
قالت لا وهي تغالب دموعها .. مافيه شي ياولدي بصوت متهدج مملوء حسرة وحزن..
علمت في قرارة نفسي ان محمد حدث له مكروه لكن يجب ان انتظر حتى اقوم من هذه الاشجار اللعينه واسأل زملائي في القريه ..
اخواني اعذروني على ابطائي في سرد تفاصيل القصه ولكن يشهد الله انها غير مكتوبة عندي سلفا وانني اكتبها مباشرة على الكيبورد وهذا يجهدني كثيرا ويقلّب علي مأسي كثيره ...
اسأل الله ان لا يريكم مكروه في عزيز عليكم ..
الى ان التقي معكم في فصل جديد ...