يعود الفضل بالدرجة الأولى لخروج حزب العدالة و التنمية إلى صدارة المشهد التركي في عام 2002 وفوزه بأغلبية مقاعد البرلمان التركي , للقيادي الذي يعتبر الأكثر جرأة وقوة في تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية نجم الدين آربيكان مؤسس حزب الفضيلة، و الذي حاول جاهداً أن تتصالح الدولة التركية مع العالم العربي و الإسلامي , لإيمانه بأنه العمق الآمن لتركيا بدلاً من الغرب العلماني. لكن في عام 2001 تم حل حزب الفضيلة , و انشق عنه عدد من البرلمانيين أطلق عليهم) العثمانيون الجدد (و شكلوا حزب العدالة و التنمية, الذي هو الآخر تعرض في 30 يوليو 2008 لدعوى رفضتها المحكمة الدستورية بأغلبية ضئيلة تقضي بإغلاق حزب العدالة والتنمية بتهمة "أنه يقود البلاد بعيدا عن نظامها العلماني نحو أسلمة المجتمع"، إلا أن المحكمة فرضت عقوبات مالية كبيرة عليه, بحرمانه من نصف مايحصل عليه من تمويل من الخزانة العامة التركية.
لم تكن المحكمة كاذبة بخصوص أسلمة حزب العدالة و التنمية للدولة و المجتمع في تركيا وبداية مرحلة جديدة متصادمة مع العلمانية، وليس كذلك فقط , بل فتح أردوغان أذرع تركيا الواسعة للأنشطة الدعوة و السياسية للإسلاميين السلفيين وغيرهم. فعلى الرغم من القيم الدينية القائمة على الماترودية الصوفية المتغلغلة في المجتمع التركي إلا أن الحكومة التركية أصدرت قرارات كثيرة تحسب لها وتصب في صالح الدعوة السلفية التي بدأت تضع أقدامها في تركيا، من بينها مراكز تحفيظ القرآن الكريم و طباعة ونشر الكتب باللغة العربية و المؤتمرات و الملتقيات الدعوية و الدينية التي تجمع الكثير من زعماء, ورموز الدعوة السلفية في العالم الإسلامي, لاسيما عقب حقبة أتاتوركية كان يمنع خلالها طباعة المصاحف باللغة العربية، بل حتى إنهم قاموا بتغيير الأذان فأصبح يرفع باللغة التركية.
الكاتب السوري عبد الله الرحمون يقول في مقالة نشرها على مدونته في موقع :"هفنغتون بوست باللغة العربية"، إن أبرز محاولات المد السلفي في تركيا تجربة أبي عبدالله الأثري، وهو تركماني عراقي الأصل , يقوم عبر مكتبة الغرباء الواقع في منطقة السلطان أحمد في إسطنبول بنشر الكثير من كتب الدعوة السلفية، فقد قامت المكتبة مؤخراً بترجمة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى اللغة التركية، وقامت أيضاً بترجمة بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، والتي قال عبد الله الأثري إنها من أكثر الكتب مبيعاً عنده.
وفي شهادة للشيخ الأثري حول السلفية في تركيا، نشرها موقع )المسلم) يقول": قبل سنوات: قبل ١٣ -١٥ سنة، لو سألتني كم عدد السلفيين الموجودين (في تركيا) المستوعبين لأصول دينهم؟، لقلت لك إنهم لا يتعدون أصابع اليد، أما الآن، فإن الذين نعرفهم أكثر من ألف، والذين لا نعرفهم ربما أكثر".
أيضاً تعد تجربة آخرين من السلفيين في الكويت تجربة رائدة، فقد أسفرت جهودهم عن تأسيس مايسمى "مؤتمر الأمة للتعاون العربي التركي"، كمظلّة لبعض المشاريع. ومن أبرز الأنشطة التي يقوم بها المؤتمر دعم القضية الفلسطينية و قضايا العالم الإسلامي من خلال ندوات ولقاءات تجمع أعضاء المؤتمر بممثلين عن حزب العدالة و التنمية التركي و غيره من الناشطين السياسيين و الإعلاميين الأتراك.
أيضاً يشير أبو عبد الله الأثري في حديثه إلى تحسن بيئة العمل الدعوي السلفي في تركيا و نجاحه في افتتاح مدرستين لـ "تدريس العقيدة السليمة"، مضيفاً "نحن الآن نعيش العصر الذهبي منذ سقوط الدولة العثمانية، أقصد العصر الذهبي في سياسة تركيا، وخاصة حزب العدالة والتنمية الذين لهم سياسة طيبة جداً بهذا الخصوص".
ونشير في هذا المقام إلى اجتهادات الراحل نجم الدين آربيكان الذي قام بوساطات لحل بعض الخلافات بين الفصائل الأفغانية خلال الحرب مع الروس.
أيضاً في عام 1432هــ احتضنت مدينة اسطنبول التركية مؤتمر" السلفيون وآفاق المستقبل" وحضره عدد لا بئس به من رموز السلفية في العالم العربي منهم الشيخ ناصر العمر من السعودية و الشيخ محمد عبدالكريم الشيخ من السودان و الشيخ محمد يسري إبراهيم من مصر، واستمر المؤتمر ثلاثة أيام، كذلك مؤتمر الحملة الإسلامية لنصرة سوريا وغيرها المئات من الندوات و اللقاءات التي تنظم بدعم سلفي خالص وتحتضنها تركيا.
الازدهار السلفي التركي يؤكد مساره الصحيح ما قاله مفتى المملكة العربية السعودية في حديثه عبر قناة المجد الذي أكد فيه أن تركيا بلد إسلامي كبير وضياعه خسارة للمسلمين وهي على ثغر عظيم.
واتهمت المعارضة حزب أردوغان :"تركيا أمام مذهبية سنية تُعرض مصالح البلاد للخطر في سبيل الصراع مع إيران الشيعية. " و اتهمت :"أردوغان باحتضان الجماعات السلفية السنية المناهضة لنصيرية بشار الأسد. ودعم التدخل السعودي في اليمن من أجل القضاء على الحوثيين الذين اصطنعتهم إيران، وموافقته الضمنية على تأسيس القوات العربية المشتركة" حيث جعلت من أردوغان طرفاً في الصراع السني- الشيعي .