7 يعتبر اختراع "الترانزستور" و"الرقائق الإلكترونية" بداية التطوير الهائل الذي تشهده الإلكترونيات الحديثة حالياً، وقد شهدا انكماشاً متواصلاً في أحجامهما طوال السنوات الأخيرة حتى أصبحت الشريحة الواحدة تحمل ما يقرب من 5 مليارات ترانزستور.
ولفت موقع "The Conversation" إلى أن استمرار التطور يحتاج لاستمرار تصغير الرقائق لمعدلات متناهية الصغر تقدر بمقياس "النانومتر" (النانومتر يساوي 1 على مليار من المتر).
تكنولوجيا النانو
وهنا يأتي دور تقنية "النانو" التي ما زالت في مراحلها المبكرة لكنها تعد بقفزة هائلة في جميع فروع العلوم والهندسة، وهي تتعامل مع المواد على مستوى الذرات والجزيئات المنفردة، حيث اكتشف العلماء أن الخواص الفيزيائية للمادة مثل درجة الانصهار والتوصيل الكهربي والنشاط الكيميائي تتغير تماماً على مقياس النانو متر.
وتعتمد التقنية على تشتيت ذرات وجزيئات المادة بوسائل مختلفة مثل تسليط شعاع إلكتروني عليها، أو تبخيرها ثم إعادة تجميع ذرات الغازات الناتجة طبقة فوق أخرى.
مخاوف
لكنها ما زالت تواجه بعض المشاكل مثل القدرة على السيطرة على الذرات عند إعادة تجميعها، وحاجتها إلى أجهزة دقيقة جداً في الحجم والمقاييس، هذا فضلاً عن حاجتها لضوابط تحكمها، فهناك مخاوف جادة من تأثيراتها السلبية على الصحة والبيئة.
ووجد الباحثون أنه عند استنشاق جزيئات النانو فإنها تستقر في المخ والرئتين مما يسبب مشاكل صحية عديدة تصل لحد تهديد الحياة، وهناك قلق من العجز في السيطرة على الذرات بعد تشتيتها يجعلها طليقة في الهواء فيستنشقها الإنسان أو تخترق جلده، بل إن بعض العلماء حذروا من احتمالات تكاثر تلك الذرات الطليقة على غرار الكائنات الحياة الدقيقة مما يخرجها تماماً عن السيطرة.
ورصد الموقع عدة اختراعات واعدة في حالة نجاح العلماء في تطوير التقنية وتذليل العقبات التي تواجهها.
1- أطباء داخل الجسم:
في أحد أفلام الخيال العلمي في الستينيات "The Fantastic Voyage" تم تصغير حجم بعض شخصيات الفيلم وحقنهم داخل جسم البطل لإجراء بعض العمليات الجراحية السريعة لعلاجه، ويبدو أن هذا الخيال على وشك التحقق.
يطمح العلماء لحقن جسم الإنسان بمجموعة من الآلات أو الروبوتات متناهية الصغر والتي بمقدورها الوصول لجميع أعضاء الجسم لرصد موضع الخلل ومساعدة الأطباء على وصف العلاج المناسب، بل ويمكنها التدخل جراحياً لإصلاح المشكلة بصورة فورية إذا لزم الأمر، وتعمل شركات الصناعات الدوائية الكبرى مثل "جلاكسو سميثكلين" حالياً بالفعل على تطوير الفكرة.
2- مجسات في كل مكان:
يتم تصنيع تلك المجسات من مواد نانوية متناهية الصغر مما يجعلها أكثر حساسية وأقل حجماً واستهلاكاً للطاقة، وبهذه الطريقة يمكن وضعها في العديد من الأماكن الدقيقة التي تحتاج للمراقبة والصيانة المستمرة مثل الجسور والطائرات والمفاعلات النووية.
3- تخزين كميات هائلة من البيانات:
بطبيعة الحال ستؤدي هذه المجسات المنتشرة في كل مكان إلى زيادة هائلة في حجم تدفق البيانات، وستحتاج معها لتقنيات جديدة لاستقبال هذا الكم الضخم من المعلومات وتصنيفه وتنظيمه بالصورة التي تساعد على استخدامه على النحو الأمثل، تماماً مثلما تحتاج إدارة المرور لتنظيم المعلومات المرسلة من مجسات المرور للتعرف على مناطق الاختناقات المرورية ومنع الحوادث.
وهنا يبرز دور "النانو" حيث تمكن فريق من باحثي جامعة "ساوثهامبتون" من اختراع قرص مدمج صغير مصنوع من زجاج نانوي، يمكنه تخزين 360 تيرابايت من البيانات لمليارات السنين، كما يتحمل ارتفاع درجات الحرارة حتى مستوى 1000 درجة مئوية.
ويمكن استخدام هذه المواد على كافة الأسطح بدءًا من هياكل الطائرات وحتى الرقائق الإلكترونية الدقيقة، فتتم معالجة الشقوق الصغيرة تلقائياً قبل أن تتحول لمشاكل خارجة عن السيطرة.
5- مكافحة التغيرات المناخية:
تحتاج مكافحة التغيرات المناخية لتغيير أساليب إنتاج واستهلاك الطاقة، وهو ما بدأت "النانو" تسهم فيه بالفعل، فقد توصل باحثو جامعة "كاليفورنيا" لتطوير مادة مكونة من جزيئات "نانوية تعزز قدرة الخلايا الشمسية على توليد الطاقة؛ إذ تمكنها من تحويل أكثر من 90% من أشعة الشمس إلى طاقة حرارية، وهي تتحمل درجات الحرارة العالية حتى 700 درجة مئوية.
كما ساعدت على إنتاج بطاريات أكثر قدرة على تخزين الطاقة في السيارات الكهربائية وأقل تأثراً بالحرارة، والقاسم المشترك في هذه الاختراعات هو استخدام مواد نانوية في تصنيع الأسلاك والأنابيب وغيرها من أجزاء الجهاز لتحويل السطح المستوى إلى سطح ثلاثي الأبعاد مما يزيد مساحته بصورة كبيرة ويسمح بتخزين أعلى قدر من الطاقة.
ويطمح العلماء لاستخدام التقنية بصورة تسمح للأجهزة المختلفة بالحصول على الطاقة من بيئتها مباشرة من خلال حركة الأجسام المحيطة والضوء والتغيرات في درجات الحرارة وغيرها من المصادر.