التفحيط.. ننتظر تصنيفه كـ«جريمة» بدلاً من «مخالفة مرورية»!
الجهات الأمنية ضبطت العديد من المفحطين خلال إختبارات العام الماضي
تحقيق – تركي العوفي
تعتبر ظاهرة التفحيط من الظواهر السلبية في المجتمع والتي يمارسها البعض من فئة الشباب الطائش الذي لم يجد ما يقضي وقت فراغه وتفريغ طاقته الكامنة إلا بممارسة هذه الظاهرة الخطيرة، وقد أدى تفشيها خلال السنوات الأخيرة إلى تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة من نفس الفئة مما يحتم على الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع التصدي لها بشكل واضح وجاد ووضع الحلول العاجلة والجذرية لإيقاف نزيف الأرواح وإتلاف الممتلكات التي تتسبب فيها هذه التصرفات، ومما يثير الاستغراب ويدعو للحيرة أن الممارسين لـ "التفحيط" لا يتعظون من المجازر المؤلمة التي تحدث على أرض الواقع أمام أعينهم أو حتى من المقاطع التي يتداولونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما يضع عدة احتمالات وتساؤلات عن الأسباب والدوافع التي تقف خلف الإصرار على هذه المغامرات رغم ما فيه من مخاطر محققة وكذلك عن توفر العقوبات الصارمة من عدمها، "الرياض" تطرح هذه الظاهرة تزامناً مع بدء الاختبارات الدراسية حيث تزداد فيها هذه الظاهرة.
من "مخالفة مروريه" الى "جناية"!
بداية يؤكد د. محمود البديوي – عضو مجلس الشورى والمهتم بشؤون الشباب - أن التفحيط جريمة يعاقب عليها النظام في المملكة، خصوصاً أنها أصبحت تشكل خطراً على الفرد وعلى المجتمع وتحديداً فئة الشباب؛ لما تسببه من خسائر بشرية وكوارث أمنية واقتصادية واجتماعية إضافة لما يصاحب هذه الجريمة من جرائم أخرى تتعلق بها كخطف الأحداث أو التغرير بهم أو ترويج المخدرات أو المؤثرات العقلية وتعاطيها وغير ذلك من الجرائم الناتجة عن هذه الآفة، مشيراً أن السلطة التنظيمية (التشريعية) ممثلة بمجلسي الوزراء والشورى قامت بوضع عقوبات رادعة وحازمة بحق المفحطين ومعاونيهم، وكذلك شملت العقوبات المتجمهرين حولهم، حيث تم التعديل على نظام المرور الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/85) حيث سيتم تصنيفها إلى "جناية" بدلاً من تصنيفها إلى "مخالفة مرورية"، وقد أوجبت عقوبة السجن وحجز المركبة والغرامة المالية، بعد إحالة مرتكبها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام ومن ثم إلى المحكمة المختصة حتى ولو قام بهذه الجريمة للمرة الأولى، كما صُنف التعديل لنظام المرور الصادر لعام 1428هـ والتي سيصدر به مرسوم ملكي قريباً عقوبة جريمة التفحيط على ثلاث مراحل فمن يقوم بجريمة التفحيط للمرة الأولى فيتم حجز مركبته لمدة شهر مع غرامة مالية قدرها عشرة آلاف ريال والسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر وفي المرة الثانية يتم حجز المركبة لمدة ثلاثة أشهر مع غرامة مالية قدرها عشرون ألف ريال وسجن المفحط لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة أما في المرة الثالثة فيتم سجن من ارتكب جريمة التفحيط مدة لا تزيد على خمس سنوات وتغريمه أربعين ألف ريال، إضافة إلى مصادرة المركبة المفحط بها أو إلزام المفحط بدفع قيمتها إذا كانت ليست ملكه، ولا تسري عقوبتا الحجز والمصادرة في المرتين الأولى والثانية إذا كان المفحط لا يملك المركبة، كما عُد تلك التعديلات على كل من اتفق أو حرض أو قدم مساعدة مالية أو عينيه شريكاً للمفحط في الجريمة، حيث أوجب عليه النظام بعقوبة لا تقل عن نصف ما يعاقب به الفاعل الأصلي من غرامة وسجن، وستتولى المحكمة المختصة تطبيق العقوبات الوارد ذكرها، كذلك فقد عُد التشريع الجديد الخاص بمرتكبي جرائم التفحيط المتجمهر لمشاهدة التفحيط أو تشجيعه مخالفة مرورية يعاقب بغرامة مالية قدرها ألف وخمس مئة ريال أو حجز مركبته لمدة خمسة عشر يوماً أو كلتيهما، إضافة إلى ذلك فإنه سيتم دعم الهيئة العامة للرياضه مالياً لأجل احتواء الشباب وجذبهم لممارسة رياضة السيارات وفق أسس رياضية آمنة، من خلال إيجاد حلبات خاصة بهذا النوع، كذلك التشجيع على إنشاء أندية استثمارية لمثل هذه الرياضات، وأخيراً فإن هذا التشريع يأتي معززاً للجهود التي تبذلها وزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للمرور لمحاربة جرائم التفحيط، وإدراكاً منا بأن هذا التشريع أتى للحفاظ على شبابنا الذين هم جيل المستقبل وسواعد البناء وأمل الغد، وأن الأمم لا ترتقي إلا برقي شبابها.
التفحيط وقت الاختبارات
بدوره نفى المقدم طارق الربيعان - المتحدث الرسمي للإدارة العامة للمرور- أن يكون هناك ضعف في أنظمة وقوانين المرور، وقال: إن النظام حالياً كفيل بردع كل متهاون ومستهتر وكل تصرف يحدث له اعتبار معين لدى هيئة الفصل بالمخالفات المرورية وهناك احكام مختلفة سواء كانت على المخالف او مركبته التي ارتكب عليها المخالفة وكل حكم يصدر من الهيئة لابد ان ينظر لجميع الجوانب المتعلقة بالمخالفة وعلى ضوئها تتحدد المدة وهناك احكام تصل للإيقاف بالشهر وأكثر على حسب ما تم تسجيله ورصده على مرتكب مخالفة التفحيط بل وصلت هناك احكام للإيقاف لمدة سنة ونصف في قضايا حوادث مرورية نتج عنها وفاة او اصابة بسبب ممارسة التفحيط.
وفيما يتعلق بعقوبات التفحيط، قال: ان نظام المرور واضح وصريح فيما يخص الغرامات المالية حيث يسجل مخالفة التفحيط للمرة الاولى بألف ريال والمرة الثانية بألف وخمس مئة والثالثة بالفي ريال أما ما يخص ايقاف الشخص وحجز المركبة فهذا موضح ولكن تم تركه لهيئة الفصل بالمخالفات المرورية فهي من يصدر الحكم بعد اجتماع اعضائها بناء على ما رفع للهيئة من محاضر وتقارير تفصل موضوع المخالفة حيث هناك عقوبات تبدأ بالإيقاف لمدة خمسة ايام وبعض القضايا يصل لستة اشهر في مخالفة التفحيط فقط غير المقترنة بحادث مروري وأيضاً يتم الرفع لجهة الاختصاص لطلب مصادرة السيارة أو دفع قيمة المثل عند القبض على المفحط للمرة الثالثة.
وحول الاستعداد لمكافحة ظاهرة التفحيط في فترة الاختبارات قال المقدم الربيعان لابد ان يعي الجميع ان الجهات الأمنية ومنها المرور في جميع مناطق ومحافظات المملكة تعمل على مدار الساعة في مكافحة هذه الظاهرة وما يتبعها من أمور تؤثر على الحاله الامنية والمرورية وهناك تكاتف للجهود يتضح ذلك من خلال القبض الذي يتم بصفة مستمرة اما فترة الاختبارات فلا شك انها تعتبر الفترة الابرز خلال العام والتي يحرص عليها الطلاب وخاصة بعد الانتهاء من فترة الاختبار خلال اليوم وهي مابين الساعة ٩ص حتى ١٢ م ولذلك تقوم شرط المناطق بالتعاون مع ادارات المرور بوضع خطط امنية مرورية لمكافحة ذلك مدعمة بدوريات من الشرطة والمرور والدوريات الامنية تبدأ مهامها قبل دخول الطلاب لامتحاناتهم وحتى يتم التأكد من خلو الشوارع والطرقات التي تشتهر عادة بالتجمعات الشبابية أو ممارسة التفحيط وغيره من التصرفات الخارجة على النظام أياً كانت، مؤكداً أن الإحصائيات تشير إلى أن القبض خلال فترة الاختبارات تعتبر الأعلى من ناحية القبض سواء كان المقبوض عليهم مفحطين او متجمهرين في مواقع التفحيط وسنأخذ مدينة الرياض مثالا لذلك، حيث سجلت فترة الاختبارات "أسبوعين" للفصل الأول من هذا العام الدراسي التالي تم القبض على ٧٨ مفحطا منهم ٢٧ حدثا اي دون سن الثامنة عشر ٣٧٥ متجمهرا في مواقع تفحيط مختلفة ٤٣٦ سيارة تم حجزها في مخالفة تفحيط او تجمهر او تعديل على الهيكل ٢ سيارة مسروقة واحدة تم القبض على السارق ١٣ شخصا مطلوبين في قضايا جنائية او مرورية منها مطلوبون في حوادث صدم وهروب ٣ اشخاص مطلوبين لمكافحة المخدرات شخص واحد مطلوب في قضية تغيب عن ذويه ٤ اشخاص بحوزتهم اقراص كبتاجون وأقراص الزناكس والروش النفسية شخصان قبض بحوزتهما زقاير حشيش ووقعت ٣ حوادث تفحيط احدها نتج عنها اصابات بليغة تم القبض على المفحط بعد هروبه من الموقع في مدة وجيزة لم تتجاوز الثلاث ساعات، وهذه الاحصائية فقط لمدة اسبوعين "فترة اختبارات الفصل الأول ١٤٣٧هـ" في مدينة الرياض فقط.
برامج التوعية
وشدد المتحدث الرسمي للإدارة العامة للمرور على أن وزارة الداخلية حرصت كل الحرص في مجال التوعية من أجل تسخير الاسباب التي تسهل تثقيف المجتمع وتوعيته عن مخاطر القضايا الأمنية وكذلك المرورية وفتحت المجال للإعلام في جميع قنواته سواء كانت الصحف الورقية أو الالكترونية وكذلك من خلال الإعلام المرئي وجميع وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الثقافة ليكون الجميع على دراية كاملة لما يهدد امن المجتمع وقد كان للأمن العام دور بارز في ذلك من خلال فتح المجال الكامل للإعلام بمختلف انواعه بالوقوف مع رجل الامن لمعرفة الجهود المبذولة ميدانياً وإدارياً حيث تم الخروج مراراً وتكراراً في برامج امنية واجتماعية للتوعية والتحذير من مخاطر الخروج على النظام الامني والمروري وهنا اتكلم عن محور حديثنا وهو التفحيط والتجمعات الشبابية حيث تم الظهور اعلامياً ببرامج تم تخصيصها لهذا الامر كما تم دعوة قنوات التلفزيون المختلفة لمرافقة الحملات المرورية والأمنية والمتعلقة بمكافحة التفحيط وتم رصد المخالفات والمتابعة حتى يتم القبض وتم كذلك اخذ مقابلات مع الموقوفين الذين ابدوا اسفهم وندمهم على افعالهم كما تم اكثر من مرة مرافقه مشاهير المفحطين والذين قبض عليهم الى مستشفيات النقاهة والتى يرقد بها الكثير من مصابي الحوادث المرورية بمختلف اسبابها لإيضاح انهم في نعمة من الله وان الله يمهل ولا يهمل وهذا تم بعد التنسيق واخذ موافقة المرضى شفاهم الله ومازال الأمر مستمرا بالخروج في برامج تلفزيونية وإذاعية او من خلال برامج التواصل الاجتماعي لعرض المشاكل وحلولها كما تم اعطاء عدة محاضرات في المدارس الثانوية وكذلك دور الملاحظة الاجتماعية عن مشاكل هذه الظاهرة والتحذير منها وكيفية الابتعاد عنها اما ما يخص تعاون الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع فهناك تهاون مثمر ولله الحمد من خلال حرص تلك الجهات والمؤسسات على تثقيف المجتمع بالاشتراك في المناسبات المرورية او الخروج بإعلانات تثقيفية وتوعوية تحذر من خلالها بالابتعاد عن مواطن الشبهات والتجمعات الشبابية وتؤكد أيضاً ان تلك التجمعات أرضاً خصبة لترويج المخدرات والسقوط في ذلك الفخ الذي تبدأ معه المشاكل الكبيرة والتي ينتهي بها المطاف عادة الى ارتكاب القضايا الجنائية والمرورية حتى لا ينتبه من سقط في ذلك إلا وهو قابع خلف قضبان السجن ومن بعد ذلك يبدأ رحلة التحسر والتمني والتي لن تنفعه في ذلك الوقت.
مرض سلوكي اجتماعي
بدوره يؤكد د. زيد الدريس – باحث في علم الجريمة - أن ظاهرة التفحيط تعد من الناحية الاجتماعية مرضا سلوكيا اجتماعيا انحرافيا غير سوي يصيب مرحلة عمرية محددة وهي الفئة الشبابية المليئة بالطاقة والحيوية والتي لم يستفد منها بعض مؤسسات المجتمع من الاسرة او المدرسة او الجامعة على الوجه الامثل بالإضافة إلى ان الانظمة العقابية تجاه هذه الظاهرة قد تحتاج الى مراجعة من قبل مختصين بالقانون الجنائي وبمشاركة مع علماء اجتماعيين ونفسيين من اجل أن يتحقق الهدف من العقوبة بأسرع وقت ممكن والوصول الى الردع الخاص والعام بسبب هذه الجريمة التي تعتبر من الجرائم الكبرى لأنها اعتداء على النفس وعلى الاموال وعلى انظمة الدولة.
وأضاف: مما لا شك فيه أن العوامل التي تؤدي الى ممارسة التفحيط هي عوامل اجتماعية نفسية ثقافية مدمجة مع بعضها البعض فالشاب قد يعاني بعض المشاكل الاسرية داخل المنزل وتؤثر على حالته النفسية ويبحث عن مخرج لها عن طريق ممارسة التفحيط كأسلوب لإخراج الطاقة السلبية لديه التي تلقاها من داخل المنزل وردة فعل سلبية لعدم القدرة على احتواء هذا الشاب احتواء اجتماعيا وخصوصاً عندما تتكون لديه ثقافة فرعية منحرفة تلقاها من بعض الشللية وتوفر بعض السبل من اجل اقتناء السيارة سواء ملكية خاصة ام مستأجرة من مكاتب التأجير (التعدي على أموال الغير) والقيام بتقليد مايقوم به المفحطون الاخرون وسط جمهور مشارك هو ايضاً في هذه الظاهرة بالتصفيق والترحيب لهذا الشاب الذي فقد الترحيب والعبارات الجميلة من داخل المنزل أو من المدرسة وغيرها. وتابع لا بد أن ننظر لظاهرة التفحيط من عدة زوايا اجتماعية ونفسية وثقافية وقانونية لمعرفة العوامل التي أدت الى ظهورها واستمرارها وتكرارها عند البعض بعد القبض عليهم ويجب ان يعلم الجميع ان علاج هذه الظاهرة ليس مجرد حبة دواء سهلة الاستعمال وإنما يتطلب ايضاً القيام بالعديد من الاجراءات والنظم والوسائل العقابية سالبة الحرية وغير سالبة الحرية وغيرها من اجل عمل تغيير فكري ثقافي فيمن يقوم بهذا العمل الشنيع اذا كان الفعل الذي قام به لم يؤذ او يتعد على احد ويجب ان يتخذ بحقه اشد العقاب من اجل ردة اعتبار الاخرين الذين تم الاعتداء عليهم من قبل هذا المفحط حفظاً للحقوق والأموال والأنفس، موضحا أن قصور بعض الجهات الحكومية في الحد من هذه الظاهرة مرتبط بضعف مراقبة المجتمع لأبنائهم وأحيائهم السكنية وكذلك التركيز والاهتمام على تأمين الاحتياجات الاساسية للحياة من اكل وشرب فقط دون الاحساس لدى البعض بأن حاجة الامن هو من اهم الاحتياجات الانسانية وهي حاجات الأمن والتي عبر عنها عالم النفس الاميركي "ابراهام ماسلو" في هرم الاحتياجات الانسانية بعد الاحتياجات الفسيولوجية.