بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟
فقال: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها،
قال: ما هي؟
قال: حفظ اللسان.
وروينا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه قال: مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه.
وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها.
وروينا عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان. وقال غيرُه: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك.
وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه في رسالته المشهورة قال: الصمتُ سلامةٌ وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال؛ كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال، قال: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي اللّه عنه يقول: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانٌ أخرس. قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوتَ فلِمَا علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق، ومما أنشدوه في هذا الباب:
احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ * * * لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه * * * قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعانُ
وقال الرِّيَاشِيُّ رحمه اللّه:
لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلاً * * * لِنَفْسِي عن ذنوب بني أُمَيَّه
على ربِّي حِسَابُهمُ إليه * * * تَنَاهَى عِلمُ ذلكَ لا إِليَّهْ
وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ * * * إذا ما اللَّه أصلحَ ما لديَّهْ