، والدار لعبد الدار ، والرفادة لعبد العزّى ، وحافتي الوادي لعبد قصيّ . ومات
قصيّ ودفن بالحجون .
ورأَسَ عبدُ مناف بن قصيّ وجلّ قدره وعظم شرفه
وولد لعبد مناف : هاشم ـ واسمه عمرو ـ وعبد شمس ، والمطلب ونوفل ، وأبو عمرو ، وحنّة ، وتماضر ، وأربع بنات . وشرف هاشم بعد أبيه وجلّ أمره ،
واصطلحت قريش على اَن يولّوا هاشماً الرئاسة والسقاية والرفادة
وكان هاشم لمّا أراد الخروج الى الشام حمل امرأته وابنه شيبة بن هاشم ليجعل أهله عند أهلها
بالمدينة «يثرب» بني عديّ بن النجار .
ولمّا بلغ نبأ وفاة هاشم الى مكّة قام بأمر مكّة بعده أخوه المطلب بن عبد مناف .
فلمّا كبر شيبة بن هاشم وبلغ المطلب بن عبد مناف وصف حال شيبة ابن أخيه هاشم ، خرج
الى المدينة حتّى دخلها عشاءً ـ أي قرب العشية ـ فأتى بني عديّ بن النجار وعرفه القوم ورأى
غلاماً على ما وُصف له فقال : هذا ابن هاشم ؟ قال القوم : نعم ، فذهب به معه .
ودخل المطلب مكّة وخلفه شيبة بن هاشم ، والناس في أسواقهم ومجالسهم ،
فقاموا يرحبون به ويحيونه ويسألونه : مَن هذا معك ؟ فيقول : عبدي ابتعته
بيثرب ! ثّم دخل سوق الحزورة ـ الى جانب المسجد الحرام ـ فابتاع له حلّة ، ثمّ أدخله داره . فلمّا كان العشي ـ أي العصر ـ ألبسه الحلّة ، ثمّ خرج به معه فأجلسه معه في
مجلس بني عبد مناف فأخبرهم خبره . ولكن غلب عليه اسم : عبد المطلب .
وأراد المطّلب أنْ يشارك في رحلة الشتاء الى اليمن ، فقال لعبد المطّلب : أنت يا
بن أخي أولى بموضع أبيك ، فقم بأمر مكّة .
ثمّ رحل فتوفي في سفره ذلك بردمان ـ من حصون اليمن ـ فقام عبد المطلب
بأمر مكّة وساد وشرف . وأقرّت له قريش بالشرف(1)
حفر بئر زمزم :
قال ابن اِسحاق : كانت جرهم قد دفنت زمزم حين ظعنوا من مكّة(2) .
وقال اليعقوبي : قال محمد بن الحسن : لمّا تكامل لعبد المطلب مجده وأقرّت له قريش
بالفضل رأى في المنـام وهو في الحجر اَنَّ آتياً أتاه فقال له : قم يا أبا البطحاء واحفر
زمزم حفيرة الشيخ الأعظم
وروى ابن اِسحاق بثلاث وسائط عن علي عليهالسلام اَنه قال : قال عبد المطلب :
اِني لنائم في الحجـر اِذ أتاني آتٍ فقال : احفر طيبة ، قال : قلت : وماطيبة ؟ قال :
ثم ذهب عنّي . فلمّا كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال :
احفر برّة ، قال : قلت : فما برّة ؟ قال : ثمّ ذهب عنّي ؟ . فلمّا كان الغد رجعت
الى مضجعي فنمت فيه ، فجاءني فقال : احفر المضنونة ، قال : فقلت : وما
المضنونة ؟ قال : ثمّ ذهب عنيّ فلمّا كان الغد رجعت الى مضجعي فنمت فيه
فجاءني فقال : احفر زمزم ، قال : قلت : وما زمزم ؟ قال : لا تَنزِف أبداً ولاتذم ،
تسقي الحجيج الأعظم ، وهي بين الفرث والدم ، عند نقرة الغراب الأعصم
عند قرية النمل .
فلمّا بيّن له شأنها ودلّ على موضعها وعرف اَنه قد صدق الرؤيا غدا بِمعْوله
ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ـ ليس له يومئذ ولد غيره ـ فحفر فيها .
فلمّا بدا لعبد المطلب الحجارات الّتي طوي بها البئر عرفت قريش أ نّه قد أدرك
حاجته ، فقاموا اِليه فقالوا : ياعبد المطلب إنّها بئر أبينا اسماعيل ، وانّ لنا
فيها حقاً فاشركنا معك فيها ، قال : ما أنا بفاعل إنّ هذا الأمر قد خصصت به
دونكم وأُعطيته من بينكم . فقالوا له : فانصفنا فإنّا غير تاركيك حتّى نخاصمك
فيها ! قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم اُحاكمكم اِليه قالوا : كاهنة بني سعد :
هذيم . قال : نعم . وكانت باشراف الشام .
فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه بني عبد مناف ، وركب من كلّ قبيلة من
قريش نفر ، فخرجوا حتّى اِذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد
المطلب وأصحابه فظمئوا حتّى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش
فأبوا عليهم وقالوا : إنّا بمفازة ، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم .
فلمّا رأى عبد المطلب ماصنع القوم وما يُتخوّف منه على نفسه وأصحابه قال
لهم : اِنّي أرى أنْ يحفر كلّ رجلٍ منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ،
فكلّما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثمّ واروه ، حتّى يكون آخركم واحداً ،
فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً . قالوا : نعم ، وقام كلّ واحد
منهم فحفر حفرته ثمّ قعدوا ينتظرون الموت عطشاً .
ثمّ قال عبد المطلب لأصحابه : ارتحلوا فعسى اللّه أن يرزقنا ماء ببعض
البلاد ، وتقدّم عبد المطلب الى راحلته فركبها ، فلمّا انبعثت به انفجرت من
تحت خفّها عين من مـاء عذب ، فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه ، ثمّ نزل