واعتبر البعض، أن التحالف بين أنقرة والرياض بما يمثلانه من "ثقل سياسي" هو "مطلب حتمي" من شأنه تنسيق الجهود لمواجهة "الإرهاب"، وإيجاد حلّ للأزمة في سوريا، ومواجهة النفوذ الإيراني، ودعم القضية الفلسطينية، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، مشيرين إلى أن "مجلس التعاون بين تركيا والسعودية لا يشمل فقط التعاون العسكري بل الاقتصادي والاستراتيجي وحتى تصنيع السلاح".
وفي هذا السياق، شدّد وزير الخارجيّة السعودي "عادل الجبير"، في مؤتمر صحفي مشترك عقده اليوم الخميس، مع نظيره التونسي الطيب البكوش، بمقر وزارة الخارجية التونسية، على أهمية إنشاء مجلس التعاون الإستراتيجي بين بلاده وتركيا، مشيرًا أن هدف المجلس هو "التنسيق بين البلدين أمنياً، وعسكرياً، واقتصاديّاً، ومالياً، وتعليميّاً، من أجل دفع العلاقات الثنائية لخدمة مصالح البلدين".
أوضح الجبير، أن التّحالف الإسلامي الذي تقوده بلاده ضد "الإرهاب"، (أُعلن عنه منتصف الشهر الجاري) يهدف لإيجاد استراتيجية شاملة لمواجهة الظاهرة أمنياً، وعسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتعليميّاً، مضفًا أن "الإرهاب لا يمكن القضاء عليه دون توحيد الصف ودون تعاون دولي، وذلك لنبرز أنّ الإسلام يرفض الإرهاب وأنه ضحيته"، في إشارة لتشكيل تحالف عسكري إسلامي بقيادة السعودية.
جريدة "الاقتصادية" السعودية، قالت في معرض تقييمها لزيارة أردوغان إلى السعودية، في افتتاحيتها اليوم الخميس، التي جاءت تحت عنوان "الرياض وأنقرة .. علاقات متينة ومجلس استراتيجي"، إنه "في زيارة متميزة للرئيس التركي، واستقبال حافل، وفي تفاهم على مستوى القيادة العليا في البلدين، وفي أعقاب هذا اللقاء الناجح بين خادم الحرمين الشريفين وضيفه، أعلن وزير الخارجية السعودي إنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين يكون مهتماً بالمجالات الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية".
وبيّنت الصحيفة أن هذا المجلس الذي سيديره وزيرا الخارجية في كلا البلدين "يهدف إلى إيجاد نقلة نوعية في العلاقات المتينة بين السعودية وتركيا، تخدم مصالحهما وشعبيهما، وتسهم في إيجاد الأمن والاستقرار والرخاء في المنطقة"، واعتبرت أن المجلس "يؤكد تطابق الرؤى بين البلدين في مختلف القضايا السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة، إضافة إلى التفاهم والتعاون التركي الداعم للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب".
الكاتب والمحلل السياسي السعودي، جمال خاشقجي، أفاد أن "أي محلل بسيط كان عليه أن يرى أن مثل هذا التحالف قادم، ذلك أن البلدين لديهما رؤية مشتركة بضرورة إحلال السلام في المنطقة"، مؤكدًا أن "هذا التحالف يُنظر إليه داخلياً في المملكة وتركيا، بل وفي معظم الدول الإسلامية، على أنه التحالف المنتظر الذي يمكن أن يغير الواقع السيئ الذي نعيشه".
وعن التداعيات الإقليمية، لإنشاء "المجلس الاستراتيجي"، رأى خاشقجي أن هذا التعاون "ليس بديلاً للتعاون مع أي بلد آخر"، مشيراً إلى "حرص المملكة السعودية على العلاقة مع الإخوة في مصر، وإن كان للأخيرة رؤى مختلفة فيما يتعلق بسوريا"، وأن "تركيا والسعودية قادرتان على إحداث الفارق في الحالة السورية، وفي الحالة اليمنية، واتخاذ القرارات الحاسمة".
ويرى خاشقجي أن التحالف يوجّه رسالة إلى إيران، لافتاً إلى أن "رؤية الأتراك مثل رؤية القيادة السعودية، فالجانبين يريدان علاقة جيدة مع إيران، ولكنهما لا يريدان لطهران أن تتصرف بهذا الشكل الأهوج في المنطقة".
من جهتها، قالت جريدة "الوطن" القطرية في افتتاحيتها ، أمس الأربعاء، إن التحالف بين " السعودية وتركيا.. قوة للعرب والمسلمين"، مشيرة أن زيارة أردوغان للمملكة، ومباحثاته مع الملك سلمان "تمثل أهمية بالغة، بالنظر إلى الملفات المشتركة بين البلدين، وأهميتها وأيضا تعقيداتها، على عدد من الأصعدة، إضافة إلى ما تتمتع به الدولتان من ثقل سياسي، وما تضطلعان به من دور محوري بالغ القوة في منطقة الشرق الأوسط".
وذهبت إلى أن "السعودية وتركيا، تتقاسمان الموقف بشأن الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، ولأنقرة موقف داعم بقوة، للتحالف العربي الذي تقوده المملكة ، لاستعادة الحكومة الشرعية في اليمن لدورها، وإنهاء الانقلاب الحوثي على هذه الشرعية"، مضيفة "وإلى جانب هذه الملفات بما تمثله من أهمية، يأتي أيضاً، ملف التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب، تلك الآفة التي تعمل الدولتان الكبيرتان على مواجهتها والتصدي لها، وتجنب ما تتعرضان له، والمنطقة بأسرها من أضرار مباشرة منها".
وخلُصت الصحيفة إلى أن "المملكة وتركيا قوتان اقتصاديتان عظيمتان، وتعميق التعاون بينهما في هذا المجال، له أهميته وفوائده على شعبي البلدين"، وأن "الحوار السعودي- التركي، وترسيخ التعاون بين الدولتين الكبيرتين، يصب في مصلحة العالمين العربي والإسلامي، ويعمق القدرة على معالجة القضايا الساخنة بالمنطقة، معالجة تراعي حقوق الشعوب، وتحترم الشرعية، وتواجه الأطماع الإقليمية والعالمية".
وقدمت جريدة "القبس" الكويتية في عددها الصادر اليوم، تغطية تحليلية للزيارة، جاءت تحت عنوان "البلدان قادران على إحداث الفارق في أزمات المنطقة.. السعودية وتركيا دخلتا مرحلة "التحالف الاستراتيجي"، واعتبرت أن "الإعلان عن إطلاق مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي - التركي دشن عهداً جديداً للعلاقات بين البلدين في أعقاب القمة التي جمعت خادم الحرمين الشريفين والرئيس التركي في الرياض أمس الأول"، وقالت إن "هذا الإعلان يدلل على أن البلدين يمضيان في تطوير علاقاتهما وصولاً الى مرحلة التحالف الاستراتيجي، بعد أن برز التحالف الروسي - الإيراني، وفي ظل غياب واضح للدور الأمريكي".
وأعرب بعض المحللين والخبراء السياسيين، عن تمنياتهم في "أن يكون المجلس عبارة عن غرفة عمليات لإطفاء الحرائق التي تدور حولنا"، لافتين إلى أن العالم الإسلامي متحمس لهذه الخطوة، وأن "تركيا والسعودية هما الوحيدتان المتفقتان على حل سياسي أو عسكري في سوريا لا يوجد فيه بشار أو إيران في سوريا".
وكان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قال خلال مؤتمر صحفي عقده، الثلاثاء الماضي، مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بالعاصمة السعودية الرياض، إن "الهدف من تأسيس المجلس، هو تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات، وخدمة للبلدين، والشعبين، وللأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما وأن المملكة وتركيا لديها علاقات تاريخية وقديمة، وهناك شركات تركية عديدة تعمل في المملكة، وتبادل اقتصادي، وتجارة، واستثمارات، وسياحة بين البلدين".
كما أشار الجبير إلى أن "الهدف من المجلس الذي تم التوجيه بإنشائه، هو تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين، وجعلها تتم عبر مؤسسات، لكي تكون هناك استمرارية، ويكون هناك تنسيق أقوى وأكثر"، مضيفًا أن "الهدف أيضًا هو تعزيز العلاقات لخدمة البلدية والشعبين، في ظل الظروف التي تمر به المنطقة والتحديات التي نواجهها سويا في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، سواء فيما يتعلق بالإرهاب والتطرف، أو بتدخلات إيران السلبية والعدوانية في شئون المنطقة".
وكان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، عقد في قصر اليمامة، بالرياض، الثلاثاء الماضي، جلسة مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناولا خلالها التطورات الإقليمية والدولية. وقالت وكالة الأنباء السعودية إنه جرى خلال جلسة المباحثات استعراض العلاقات الثنائية، وبحث آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويرها وتعزيزها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تطورات الأحداث على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتعد هذه هي المباحثات الثانية بين الزعيمين خلال شهرين، بعد المباحثات التي جمعت بينهما الشهر الماضي، على هامش زيارة العاهل السعودي، إلى مدينة أنطاليا التركية، حيث شارك في قمة العشرين حينها.
وكان أردوغان قال في مؤتمر صحفي، بمطار أتاتورك الدولي بمدينة إسطنبول، قبيل مغادرته إلى المملكة العربية السعودية، إن الزيارة تشكل فرصة لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى التطورات في المنطقة، وبين أنه سيتناول خلال الزيارة مع المسؤولين السعوديين مسائل متعلقة بالطاقة توليها تركيا أهمية خاصة، على غرار تنويع مصادر الطاقة، مشيراً إلى أنه سيبحث خلال اللقاءات أيضاً القضايا الحساسة في المنطقة على رأسها التطورات في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
وتعد هذه الزيارة هي الثانية لأردوغان خلال 10 شهور بعد الزيارة التي قام بها للسعودية في مارس / آذار الماضي وأجرى خلالها مباحثات مع العاهل السعودي، والثالثة له للبلاد خلال هذا العام، بعد الزيارة التي قام بها في يناير/كانون ثانٍ الماضي لتقديم واجب العزاء في العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
يذكر أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وتركيا، مرت بمراحل تطور عديدة على مدى سنوات مضت (بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1929م) وشهدت توافقا في معظم قضايا المنطقة والعالم، ومثل توقيع اتفاقيات عديدة، منها اتفاقية الصداقة والتعاون بينهما، أسساً متينة لقواعد هذه العلاقة، وتعزيزها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كافة، واتسمت مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص خدمة مصالح الأمة الإسلامية، من خلال الزيارات المتبادلة، أو داخل الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية،وبذل البلدان جهودًا مكثفة لنصرة الشعب الفلسطيني، والوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، كما أن لهما دورهما الفاعل في منظمة المؤتمر الإسلامي.
والتقت مواقف البلدين في مواجهة الإرهاب بصوره وأشكاله كافة، والذي سيكون واحداً من الملفات المهمة التي سيناقشها الرئيس التركي مع مستضيفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.