بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قصة الأمين والمأمون هي رواية تاريخية تستقي أحداثها من وقائع التاريخ الإسلامي خلال الفترة العباسية،
، حيث تشتمل على ما وقع بين الأمين والمأمون من خلاف على الخلافة بعد وفاة والدهما الخليفة هارون الرشيد، وقد تطورت هذه الأحداث بعد ذلك إلى صراع بين الأخوين، دخل فيه الأحلاف والموالون، ولعبت فيه الدسائس والمؤامرات دورًا كبيرًا، حيث أيَّدت الفرس المأمون، وناصرته على أخيه الأمين حتى سقطت بغداد وقُتل الأمين على يد خونة من أتباع المأمون.
أصر الرشيد قبل ان يموت ان يكتبَ عهدا بين الاخوة في وراثة الخلافة للأمين والمآمون والمعتصم.
والامين أمه السيدة زبيدة العربية الهاشمية،
والمآمون امه فارسية هي جارية اسمها (مراجل) تزوجها الرشيد لجمالها بعد ان أعتقها من العبودية، والفرس يعتبرونها أميرة فارسية ،
والمعتصم من أمَةٍ تركية.
هنا تشابكت الاقلام كل منها يدافع عن قوميته واصله في الرجحان. وكل منهما له من الوزراء والكتاب والمؤيدين اشبه بالعقارب والثعابين من اهل السياسة والخديعة لنيل المبتغى دون رحمة بدولة او شفقة بأمُةٍ او حتى بأخلاقِ انسان.
ان الخطأ الحقيقي ليس في التولية ولكن في الميثاق الذي كتبه الرشيد وعلقه بالكعبة وعدّ تقسيما للدولة لا ميثاقا للتولية، ومتى قسمت الدولة وضاع المركز واشرأبت النفوس الطامعة المريضة في حكم الناس ضاعت الدولة والناس معاً، وهذا ما نلاحظه اليوم في العراق بعد التغيير الاخيرالذي حدث سنة 2003 والذي أطمع كل الاطراف في حكم الدولة وتقسيمها الى ولايات، لكن الهدف هو تمزيق الدولة لا تقسيمها، والاستحواذ على ولاياتها الغنية لاحكمها بالقانون، وحين تصطدم المصالح تتقاتل الاطراف فيضيع الملك وكل الاخرين. يعدّ الخليفة الرشيد مسؤولا عن التفكك السياسي حين قرر تقسيم أقاليم الخلافة بين أبنائه ثلاثة ، ربما ما قام به مدفوعا برغبته في أن يحكم أبنائه من بعده أي أن يستمر الحكم في نسله و كذلك التأكيد على السلطة العباسية على كل الأقاليم .
و إذ دققنا النظر في هذه الفتنة رأينا انه السبب في هذه النكبات كلها لأنه :
أولا : ولى الأمين* دون المأمون* مع انه اكبر سنا .
ثانيا : أعطى المأمون امتياز كبير فيما اقطعه إياه ،فاستطاع أن يناوئ الأمين .
فقد تولى الأمين العراق و الشام ، و تولى المأمون بلاد الفرس .
ثالثا : أن الأمين مال إلى تولية ابنه دون أخيه .
عزم الأمين على خلع أخيه المأمون من ولاية العهد .
مدة خلافة الأمين لم تكن طويلة انتهت بعد حكم دام خمس سنوات و أهم شيء في عهده هو النزاع الذي قام بينه و بين أخيه ، و هذا النزاع بين الأمين و المأمون يعتبر استمرار للصراع القائم بين العرب و العجم ، و مر النزاع في مرحلتين :
المرحلة الأولى : كانت دبلوماسية سلمية انتهت سنة 195هـ .
المرحلة الثانية : كانت مرحلة حرب مسلحة .
اتخذ الصراع بين الأخوين في هذه المرحلة صورة من المراسلات و السفارات المتبادلة حول العهد المعلق في الكعبة و ذلك أن المأمون رأى التمسك بنصوص العهد و أن يستقل بشؤون خراسان خلال حكم أخيه ، أما الأمين فقد رأى بحكم أنه خليفة أن من حقه السيطرة التامة على كامل أجزاء الدولة المشرق كما في المغرب .
و يستطيع التصرف في أمور خراسان كما تقتضي بذلك المصلحة العامة ، و أن النص على ولاية المأمون لخراسان لا يعني استقطاع هذه الولاية من الخلافة نهائيا ، بل ينبغي أن يكون للخليفة شيء من النفوذ و ذلك بان يضع على خراسان بريدا . لهذا طالب الأمين بوضع نظام للبريد تابع له في خراسان، و لكن المأمون رفض هذا الطلب . لماذا ؟
للإجابة على ذلك ينبغي أن نعلم أن نظام البريد عندهم لم يكن كما يعرف اليوم أي انه لم يكن بريدا للجمهور ، بل بريدا خاصة بأعمال الدولة و سلامتها و مهنته التجسس على عمال الدولة و إبلاغ العاصمة في اقرب وقت مستطاع بما يجري في الأقاليم من أحداث سياسية و اقتصادية و غيرها و لا شك أن إدارة البريد بما كانت تحتويه من سجلات و قوائم بأسماء محطات و المسافات.التي بينها قد أفادت أصحاب المسالك أو الجغرافيين العرب بمادة خصبة في أبحاثهم الجغرافية التي قدموها إلينا في كتبهم المعرفة باسم المسالك و الممالك ، و من هنا نفهم أن الامين اهتم بوضع نظام البريد في خراسان ، و لماذا رفض المأمون هذا الطلب و لا شك أنها من العوامل التي زاد اتساع الخلاف بين الأخوين.
و لما مات الرشيد أرسل الامين الكتب إلى الأمراء و فيها كتاب* إلى المأمون بأمره بالسمع و الطاعة فوقعت الوحشية بين الامين و المأمون إزاء تمسك كل واحد من الأخوين بموقفه و لم يكن لهذه المكاتبات بين الأخوين نتيجة لأنه كان لكل منهما سائق يسوقه لم يبقى إلا التجاء إلى القوة فإذا الامين يصدر أوامره في أوائل سنة (195هـ – 810م) ) و أصبح الاحتكام إلى السيف امرا لا مفر منه.
ففي صفر من سنة ( 195هـ – 806م ) أمر الامين الناس إلا يتعاملوا بالدراهم التي عليها اسم أخيه و نهى أن يدعى على المنابر و أن يدعى له و لولده من بعده سار على بن علي على رأس 50 ألف رجل و خرج الامين ووجوه أهل دولته لوداعه و اتجه جيش بغداد نحو الري ، حيث كان طاهر بن الحسين قائد المأمون يعد العدة للدفاع و يستعد للقتال و حاول على ابن عيسى أن يستغل معرفته السابقة للبلاد و الاتصال بالملوك الوطنيين و إثارتهم . هذا و لو أننا لا نعرف إلى أي حد نجحت هذه الخطة رغم ما يقوله الكتاب من أن هؤلاء الملوك أجابوه إلى قطع الطريق إلى خراسان و لكن المحقق أن ابن ماهان استهان بأمر طاهر إذ تقول النصوص بأنه لما طلب إليه أصحابه بث العيون و عمل خندق قال:" مثل طاهر لا يستعد له " و خرج طاهر من مدينة الري في جيش قليل العدد ( مانسبته 4 الألف ) حيث عسكر على بعد قليل منها كما حرض جنده على القتال خالعا ، الامين وداعيا بالخلافة للمأمون و كان الغرض هو إعطاء موقف جيشه صفة الشرعية حتى لا يخيل للجند أنهم يقفون موقف الخارجين على صاحب الأمر .
اتخذ كل من الجيشين تشكيل القتال و وقف الواحد منهم أمام الآخر .
و بدا طاهر بمظاهر سياسية بان حمل صاحب شرطته بيعة المأمون و علقها على الرمح
و دعا على بن عيسى إلى تقوى الله في البيعة التي أخذها ، ولما خرج احد صاحب ابن ماهان علية بالسيف اظهر شجاعة فائقة إذ حمل عليه و اخذ منه السيف بيديه و صرعه و لهذا أسمى طاهر ذو اليمنين.
و في هذه الأثناء حدثت مفاجأة سيئة بالنسبة لطاهر و ذلك أن أهل الري أغلقوا باب المدينة دون عسكره ، و لكن يظهر انه كان يتوقع مثل هذا منهم و لذلك فضل الخروج و القتال بعيدا عن المدينة ، فأمر أصحابه بالإنشغال بمن أمامهم فقط ، و بدأ القتال في صالح علي بن عيسى فهزمت ميمنته ميسرة طاهر هزيمة منكرة ، و عرجت مسيرته على ميمنة طاهر فزحزحتها عن مواضعها و لكن طاهر أظهر كفاءة عسكرية عظيمة فلم يفت سوء الموقف في عضده ،فأمر أصحابه بالقيام بهجوم خاطف على قلب علي بن عيسى و بفضل ذلك الهجوم القوي تحول الموقف لصالح طاهر فانسحب جناحا ابن ماهان و كثر القتل في أصحابه و سقط هو قتيلا بضربة سهم في الميدان و لم ينقذ المنهزمين إلا حلول الليل بعد أن التجأ كثيرون منهم إلى معسكر طاهر بعد أن أمنهم .
و بذلك خلت البلاد لطاهر فتقدم يحتل الكور و المدن حتى وصل إلى قرب حلوان حيث عسكر هناك و كان الانتصارين اللذين أحرزهما طاهر أثرهما الكبير في إضعاف الروح المعنوية لدى قواد الأمين و جيوشه .
واكتفى طاهر بان ظل في مكانه و دس عليهم الجواسيس و العيون لم يزل يحتال حتى وقع الاختلاف في معسكر أعدائه .
و قاتل بعضهم بعضا حتى اضطر قائد بغداد إلى الرجوع عن خانقين دون ملاقاة طاهر الذي تقدم و نزل حلوان نفسها .وبدأالاضطراب في الشام في هذا الوقت بينما كانت الأمور مستقرة في خراسان ، و بينما كان أمر المأمون في تحسن مستمر بدأ غرب الدولة و مركز الخلافة يضطرب و سارت الأمور على غير ما يشتهي الامين
و نزل طاهر البستان القريب من باب الانبار و كان من أثر هذا الحصار على بغداد أن ضاق الأمين ذرعا و نفذت أمواله و اضطر لبيع كل ما في الخزائن و الأمتعة ، وضرب ما في قصوره من آنية الذهب و الفضة دنانير و دراهم لينفق منها على الجند ، ثم استولى طاهر على بعض أرباض بغداد و مدينة المنصور الشرقية و اسواق الكرخ و على قصر الخلد ، عدا أهل السجون و الأوباش .
و يظهر أن الامين لم يقدر الظروف السيئة التي أحاطت به و بدولته ، فقد اقبل برغم ذلك على اللهو و الشراب ، و اعتمد على قواده و عاث اللصوص و قطاع الطرق في الأرض فساد ، فتطاولوا على الرجال و النساء و الضعفاء ، و في الوقت الذي حكم طاهر بن الحسين خطته لفتح بغداد و أمر جنده بحسن معاملة الضعفاء و النساء مما كان له اثر يذكر في تحويل كثير من رعايا الأمين إلى جانب قائد المأمون و على رأسهم محمد بن عيسى صاحب شرطة الامين و عبد الله بن حميد قحطبة ، و يحيى بن علي ماهان.
ووصل الخلاف بين الأخوين إلى الاقتتال، والحقيقة لم يكن للأمين حسن تدبير بل كان مشغولاً باللهو والعبث، وكان عنده ثقة أنه سيقهر أخاه، بينما كان المأمون مشغولاً بتدبير أمره يجمع إلى مجلسه العلماء والفقهاء ويجلس معهم، حتى أُشرِبت قلوبُهم محبته، وباختصار فقد انتهى الأمر بمقتل الأمين على يد أحد قواد المأمون وبايع الناس المأمون.
وفي صفر سنة 204هـ دخل المأمون مدينة بغداد ، ونستطيع القول إن الملك الحقيقي للمأمون بدأ منذ عودته إلى بغداد... فقد تجلت مزاياه العالية وأخلاقه، وساس الناس سياسة لين لا يشوبه ضعف، وقوة لا يشوبها عنف، وأخذت بغداد تستعيد نضرتها التي كانت لها في عهد أبيه وعظمت بها الحركة العلمية (أ.هـ )