بينما النبي صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ نزل عليه جبريل فقال : يا محمدإنهسيخرجفيأمتك رجل يشفع فيشفعه اللهفيعدد ربيعة ومضر فإن أدركته فاسأله الشفاعة لأمتك ، فقال : يا جبريل ما اسمه وما صفته قال أما اسمه فأويس وأما صفته وقبيلته فمن اليمن من مراد ، وهو رجل أصهب مقرون الحاجبين أدعج العينين بكفه اليسرى وضح أبيض ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه فلم يقدر عليه فلما احتضر النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا بكر وأخبره بما قال له جبريلفيأويس القرني : فإن أنت أدركته فاسأله الشفاعة لك ولأمتي ، فلم يزل أبو بكر يطلبه فلم يقدر عليه ، فلما احتضر أبو بكر الصديق أوصى به عمر بن الخطاب وأخبره بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا عمرإنأنت أدركته فاسأله الشفاعة لي ولأمة رسول الله ، فلم يزل عمر يطلبه حتىكانآخر حجة حجها عمر وعلي بن أبي طالب فأتيا رفاق اليمن فنادى عمر بأعلى صوته : يا معشر الناس هل فيكم أويس القرني ؟ أعاد مرتين فقام شيخ من أقصى الرفاق فقال : يا أمير المؤمنين نعم هو ابن أخ لي ، هو أخمل أمرا وأهون ذكرا منأنيسأل مثلك عن مثله ، فأطرق عمر طويلا حتىأنالشيخ ظنأنهليس من شأنه ابن أخيه ، قال عمر : أيها الشيخ ابن أخيكفيحرمنا هذا ؟ قال الشيخ : هوفيوادي أراك عرفات ، فركب عمر وعلي حتى أتيا وادي أراك عرفات فإذا هما برجل كما وصفه جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم أصهب مقرون الحاجبين أدعج العينين رام بذقنه على صدره شاخص ببصره نحو موضع سجوده قائم يصلي وهو يتلو القرآن فدنيا منه فقالا له وقد فرغ : السلام عليك ورحمة الله ، قال : أنبأنا عبد الله بن عبد الله فقال له علي : قد علمناأنأهل السموات وأهل الأرض كلهم عبيد الله ، قال : أنا راعي الإبل وأجير القوم ، فقال له علي : لسنا عن هذا سألناك من رعيك وإجارتك إنما نسألك بحق حرمنا هذا إلا أخبرتنا باسمك الذي سماك به أبوك ، قال : أنا أويس القرني ، فقال له علي : يا أويسإنرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرأنبكفك اليسرى وضحا أبيض فأوضح لنافيهفإذا هما إياه ، فأقبل علي وعمر يقبلانه ، فقال علي : يا أويسإنرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنك سيد التابعين وأنك تشفع يشفعك اللهفيعدد ربيعة ومضر ، فقال لهما أويس فعسىأنيكون ذلك غيري ، قال له علي : قد أيقنا أنك أنت هو حقا يقينا ، فرفع يده إلىالسماءثم قال :اللهمإنهذين ابنا عمي بحياتي عليك فاغفر لهما وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، ثمإنعمر قال له : أين ال بيني وبينكإنيأراك رث الحال حتى آتيك بكسوة ونفقة منرزقي، فقال له أويس : هيهات هيهاتإنبيني وبينك عقبة كؤدا لا يجاوزها إلا كل ضامر عطشان مهزول ، ما ترى يا عمرإنعلي طمرين من صوف ونعلين مخصوفتين ولي نفقة ولي على القوم حساب ، قال : فإلى متى آكل هذا وإلى متى يبلى هذا ، فأخرج عمر الدرة من كمه ثم نادى : يا معشر الناس من يأخذ الخلافة بمافيها، فقال أويس من جدع الله أنفه يا أمير المؤمنين ، فقال له عمر : والله ما نكبت مصرا ولا ظلمتفيهذميا ولا أكلت منها حمى أرض ، قال أويس : جزاك الله خيرا يا عمر عن هذه الأمة وأنت يا علي فجزاك الله خيرا عن هذه الأمة فتعيشان حميدين وتموتان سعيدين ، فقالا له : أوصنا يرحمك الله ، فقال : أوصيكما بتقوى الله والعمل بطاعته والصبر على ما أصابكما فإن ذلك من عزم الأمور وأوصيكماأنتلقيا هرم ابن حيان فتقرآه مني السلام وخبراهإنيأرجوأنيكون رفيقيفيالجنة ، قال : فودعاه فلم يزل عمر وعلي يطلبان هرم بن حيان فبينما هما مارينفيمسجد النبي صلى الله عليه وسلم إذا هما بهرم بن حيان قائم يصلي فانتظراه فلما انصرف سلما عليه فرد عليهما السلام ثم قال لهما : من أين جئتما ؟ قالا : جيئنا من عند أويس القرني وهو يقرئك السلام ويقول لك :إنيأرجوأنتكون رفيقيفيالجنة ، فلم يزل هرم بن حيانفيطلب أويس فبينما هو بالكوفة مار على شاطئ الفرات إذا هو برجل أصهب مقرون الحاجبين أدعج العينين يغسل طمرين له من صوف فدنا منه هرم بن حيان فقال : السلام عليك يا أويس فأجابه بمثل ذلك من السلام وقال له : يا هرم بن حيان ، قال له هرم : كيف الزمان عليك ؟ قال له أويس : كيف الزمان على رجل إذا أصبح يقول : لا أمسي ويمسي يقول : لا أصبح ، يا أخا مرادإنالموت وذكره لم يتركا لأحد فرحا ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يتركا للمؤمن صديقا ، فقال له هرم : يا أويس أنا معرفك فإن عمر وعليا وصفاك لي فعرفتك بصفتهما فأنت من أين عرفتني ؟ قال له أويس :إنالأرواح جنود مجندة فما تعارف منهافيالله ائتلف وما تناكرفيالله اختلف ، قال له أويس : يا هرم اتل علي آيات من كتاب الله عز وجل ، فتلا عليه هذه الآية وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين فخر أويس مغشيا عليه فلما أفاق قال له :إنيأريد أصحبك وأكون معك ، فقال له أويس : لا يا هرم ولكن إذا مت لا يكفنني أحد حتى تأتي أنت فتكفنني وتدفنني ، ثم إنهما افترقا ولم يزل هرم بن حيانفيطلب أويس حتى دخل مدينة من مدائن الشام يقال لها دمشق فإذا هو برجل ملفوففيعباءة له ملقىفيصحن المسجد فدنا منه فكشف العباءة عن وجهه فإذا هو أويس قد توفي ، فوضع يده على أم رأسه ثم قال : وا أخاه هذا أويس القرني مات ضائعا ، فقال له : من أنت يا عبد الله ومن هذا ؟ فقال : أما أنا فهرم بن حيان المرادي وأما هذا فأويس القرني ولي الله ، قالوا : فإنا قد جمعنا له ثوبين نكفنه فيهما ، فقاللهمهرم : ما له بثمن ثوبكم حاجة ولكن يكفنه هرم بن حيان المرادي من ماله ، فضرب هرم بيده إلى مردة أويس القرني فإذا هو بثوبين لم يكن له بهما عهد عند رأس أويس على أحدهما مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم براءة من الرحمن الرحيم لأويس القرني من النار ، وعلى الآخر مكتوب : هذا كفن لأويس القرني من الجنة
الراوي:أبو هريرةالمحدث:السيوطيالمصدر:اللآلئ المصنوعةالجزء أو الصفحة:1/448حكم المحدث:إسناده لا بأس به وله طرق عديدة