خلصت اللائحة المحدثة للسلوك والمواظبة لعام 1436 – 1437 التي أقرتها وزارة التعليم إلى وجوب إثبات أي واقعة يتم تسجيلها بين الطلاب بمحضر رسمي، سواء كانت اعتداء بالضرب على أحد منسوبي المدرسة، أو اعتناق أفكار ومعتقدات هدامة أو نشرها، واستدعاء الجهات الأمنية المختصة إلى المدرسة فور وقوع القضية. ونصت اللائحة الجديدة التي نشرت في صحيفة "الوطن" الأسبوع الماضي على أن تقوم لجنة التوجيه والإرشاد في المدرسة بالاجتماع بعد وقوع القضية مباشرة لدراسة ظروفها وملابساتها، ورفع خطاب رسمي عاجل لإدارة التعليم بشأن القضية، وحرمان الطالب من الدراسة في العام الذي حدثت فيه المخالفة مع وجوب خضوعه خلال فترة الحرمان لبرنامج توجيهي لوحدة الخدمات الإرشادية. وأخذ تعهد خطي عليه بالالتزام والانضباط، مع تمكينه من الدراسة في السنة المقبلة بمدرسة أخرى.
أما فيما يخص الموظفين من إداريين ومعلمين وموظفين، فقد أكدت الوزارة لمديري الإدارات التعليمية والقيادات التربوية على ضرورة عقد لقاءات بين المعنيين من مديرين ومشرفين ومسؤولين لتنفيذ برامج توعوية تحذر من الجماعات الإرهابية، وتطبيق العقوبات المبلغة نحو من ينتمي إليها أو يؤيدها أو يتبنى فكرها منهجا، أو من أفصح بالتعاطف معها أو دعمها، فيما تنص العقوبة على "إنهاء الخدمة وفصل أي معلم أو موظف تظهر عليه علامات التعاطف أو الترويج أو نشر ما يتعلق بهذه الجماعات".
دعت وزارة التعليم إلى ضرورة تفعيل اللوائح والتعاميم الهادفة إلى تحصين المجتمع المدرسي ضد الأفكار الهدامة، وتطبيق جميع الإجراءات الرسمية بحق كل من تظهر عليه علامات التطرف أو اعتناق الأفكار والمعتقدات الهدامة أو نشرها من جميع منسوبي المدرسة، معلمين وإداريين وطلاب. هذه أهم ما ورد في اللائحة ويمكن الرجوع إلى تفاصيلها لمن يرغب في المزيد. وهنا أريد أن أدون بعض الملاحظات حول هذه اللائحة التي أرى أنها لم تأخذ حقها من الدراسة والاستقصاء.
أول ملاحظة تقع عليها العين هي "حرمان الطالب من الدراسة في العام الذي حدثت فيه المخالفة" ونحن نتساءل، هل حرمان الطالب من الدراسة يعد عقوبة؟ لماذا يحرم الطالب من الدراسة ونحن نعلم أن الحرمان من التعليم لا يمكن أن يكون تقويما للسلوك ونحن نعرف كذلك أن الهدف من اللائحة تقويم السلوك وليس الانتقام أو إيقاع الأذى بحق الطالب الذي هو في الأصل ابن هذا البلد وقد كان من الممكن أن يكون شيئا مذكورا إلا أن الظروف التي مر بها جنحت به إلى هذا المنحى، فقد يكون قد تربي في بيئة شاذة وجميع الظروف المحيطة به قد وجهته إلى ارتكاب مثل هذا السلوك ولهذا فهو يحتاج إلى مزيد من الوعي والإدراك والوعي لا يأتي إلا بزيادة جرعة التعليم واحتكاكه بمن هم أفضل منه، لذا أرى أن حرمانه من التعليم لا يمكن أن يحل المشكلة بل يفاقمها.
عندما بين مازلو هرم الحاجات الخمس في نموذجه الشهير هرم مازلو للحاجات وضع الحاجات الأساسية الأكل والشرب والجنس في الأولوية وبين أنها من الحاجات الإنسانية الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وقد أضاف علماء الاجتماع من بعده الحاجة إلى "التعليم" كحاجة ملحة مثلها مثل الأكل والشرب والجنس. فوضعها البعض من الحاجات الأساسية لبقاء الإنسان على قيد الحياة وعلى الرغم من أن الإنسان قد يبقى حيا بدون التعليم إلا أنه في عصرنا هذا سوف يتخلف عن الركب وينطوي على نفسه ويزيد ضرره على نفسه وعلى من حوله إذا فقد التعليم، فلم يعد (التعليم) ترفا كما كان في السابق، بل ضرورة وضرورة قصوى.
الملاحظة الثانية تتضح من الجملة التالية "إنهاء الخدمة وفصل أي معلم أو موظف تظهر عليه علامات التعاطف أو الترويج أو نشر ما يتعلق بهذه الجماعات" وهذا شيء جميل ولكن الجملة غير واضحة وهي مدعاة إلى سهولة اتهام الأبرياء ونحن نعلم أنه عند إصدار التشريعات ينبغي أن تكون العبارات واضحة ولا يمكن تأويلها وعبارة كهذه فيها كثير من الغموض وهناك صعوبة في إثباتها. فكيف يتم إثبات أن فلانا ظهرت عليه علامات التعاطف أو الترويج لجماعات إرهابية؟
وماذا عن انحرافات وسلوكيات في البيئة المدرسية لم نر لها انعكاسا في اللائحة مثل التدخين و"الشمة" والمسكرات وتبادل الأفلام الجنسية وغيرها. فاللائحة وثقت فقط المخدرات وتحاشت ما دون ذلك.
كما ذكرت اللائحة عقوبة إحراق النار في المدرسة وتحاشت ما دون ذلك؟ فماذا عن التدمير شبه المتعمد لبعض الطلاب للمرافق والبنية التحتية للمدرسة مثل تكسير الكراسي وتدمير الأجهزة والعبث بالمعامل؟ فنحن لم نر لها أي بند في اللائحة الجديدة لوزارة التعليم. وماذا عن ضرب المعلم للطلاب خصوصا الأطفال منهم، الذي ما زال يمارس في أغلبية المدارس وأمام الناس، وقد يستغل قمع المعلم للطالب في بعض الانتهاكات، فبعض المعلمين يستغلون الأطفال خصوصا في المراحل المبكرة من التعليم بحجة التربية ويرغمونهم على ممارسة سلوكيات لا أخلاقية. وقد انتشر هذا الأمر في السنوات الأخيرة بسبب دخول التعليم ممن ليسوا من جلدته.
أرى أن هذه اللائحة لم تأخذ حقها من الدراسة، لذا ينبغي إعادة تقييمها بشيء من العقلانية والواقعية والإنصاف وأن تأخذ في الاعتبار ما يحدث بالفعل في البيئة المدرسية وأن يشترك مديرو المدارس والمعلمون والطلاب وأولياء الأمور في صياغتها حتى تجد دعما عند تطبيقها.