مما يتسرب من تصريحات حول نظام رسوم الأراضي المرتقب ما يشير إلى أن هناك إمكانية كبيرة لأن يفشل في تحقيق الغرض منه، بل حتى يتسبب في مفاقمة مشكلة غلاء الأراضي، بدلاً من الإسهام في حلها، بحيث تصبح هناك لاحقاً مطالبة واسعة بإلغاء نظام رسوم الأراضي؛ وبالتالي وأد الأداة الوحيدة المتاحة أمامنا لحل مشكلة الإسكان في المملكة. فهذه المشكلة نابعة في الأصل من الارتفاع الهائل وغير المبرر في أسعار الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني للمدن، ولن تحل إلا من خلال خفض كبير لأسعارها.
وفي ضوء الإشارات الواضحة بأن هناك إقراراً قريباً لنظام رسوم الأراضي في المملكة فإن من تتعارض مصالحهم مع هذا النظام قد يكونون قد خسروا معركة تفادي إقراره بالكلية، والخيار الوحيد المتاح أمامهم الآن لحماية مصالحهم هو في إقناع من بيدهم صياغة هذا النظام بوضع استثناءات واشتراطات، تفرِّغه من أي مضمون حقيقي.
إنَّ أخطر ما يمكن أن يُفشِل نظام رسوم الأراضي هو استثناء الأراضي التي تقل مساحتها عن حد معين، كأن تُعفى الأراضي التي تقل مساحتها عن 5,000 متر مربع من الرسوم. استثناء الأراضي ذات المساحة الصغيرة يعني مباشرة تشجيع المضاربة عليها، وارتفاع أسعارها..
وكل مالك أرض كبيرة يستطيع توزيعها إلى قطع صغيرة، وبيعها بأسعار عالية في ضوء تميزها بالإعفاء من الرسوم! وبما أن الهدف من فرض الرسوم هو تخفيض أسعار الأراضي الصغيرة؛ ليتمكن المواطن من شراء أرض وبناء مسكن، فإنه في ضوء مثل هذا الاستثناء سيكون ما تحقق عكس ما هو مستهدَف، وسيوجَّه اللوم بالتالي لنظام رسوم الأراضي؛ لكونه المتسبب في ذلك، وسيطالِب الكثيرون بإلغائه.
استثناء آخر خطير سيفرِّغ نظام رسوم الأراضي من مضمونه، هو أن يقصر فرض الرسوم على الأراضي المطوَّرة داخل النطاق العمراني، أما الأراضي غير المطورة فلا رسوم عليها.
مثل هذا الاستثناء سيخلق ميزة للأراضي غير المطورة، ويجعل مالكيها محميين من الرسوم طالما أبقوها غير مطورة. أي أن نظام رسوم الأراضي سيُسهم في الحد من تطوير الأراضي داخل النطاق العمراني للمدن، كما سيتسبب في حجب تلك الأراضي عن السوق، وسيكون بالتالي قد حقق عكس المرجو منه؛ كونه شجع على عدم التطوير وتقليص العرض؛ وبالتالي رفع أسعار الأراضي بدلاً من تخفيضها.
إحالة مشروع نظام الأراضي إلى مجلس الشورى يُظهر جدية الدولة في إيجاد حل لمشكلة الإسكان في المملكة. ومسؤولية أعضاء مجلس الشورى هي في ضمان وضع نظام لرسوم الأراضي، يُسهم فعلاً في تحقيق المرجو منه، من خلال التأكد من صياغته بصورة لا تسمح مطلقاً لمن تتعارض مصالحهم مع نجاحه بأن يكون لديهم مجال للاحتيال عليه، أو أن يكون هناك فجوات يمكن استغلالها لصالحهم؛ فتحصر الخيارات المتاحة أمامهم على تطوير ما يملكونه من أراض غير مستغلة داخل النطاق العمراني لمدننا، أو بيعها على من يرغب في تطويرها، ولن يقدم على شرائها منهم إلا من هو مستعد لذلك، وإلا فسيدفعون رسوماً سنوية، ستجعل اكتنازها مكلفاً جداً، وتتسبب في نزف مستمر في قيمتها السوقية.