خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدنا تغيير مثير للقلق في طريقة مناقشة القضايا التي تخص المملكة العربية السعودية في الصحافة البريطانية، ومن قبل بعض أعضاء البرلمان، وبعض المنظمات غير الحكومية.
لطالما إضطرت المملكة لمواجهة الافكار المغلوطة ونقص الفهم لمواقفها حيال مختلف الموضوعات، إلا أنني أجد نفسي مضطراً في هذه المرة إلى تناول بعض الانتقادات الذي تعرضت لها بلدي مؤخراً؛ إذ يبدو أن أهمية المملكة العربية السعودية لأمن المملكة المتحدة ومنطقة الشرق الاوسط، بالإضافة إلى دورها الأساسي في العالم العربي والاسلامي بوصفها مهد الاسلام، يبدو أنه ليس بالمهم عند أولئك الذين أثاروا هذا التغيّر المقلق، إلا أنه يتوجب أن يكون مصدر قلق كبير لجميع أولئك الذين لا يريدون رؤية تداعيات خطيرة محتملة التي قد تضرّ الشراكة الاستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة التي تمتّع بها بلدانا منذ مدةً طويلةً.
دعوني أبدأ بالإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة، يحكمها قادتنا وحدهم، وقادتنا يحكمهم الإسلام وحده. ديننا هو الإسلام، ودستورنا مبنيّ على القرآن الكريم والسنة النبوية التي سنّها لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونظامنا القضائي يستند إلى الشريعة الإسلامية، وتنفّذه سلطة قضائية مستقلة، هكذا تُدار بلادنا منذ تأسيسها، ومثلما نحترم التقاليد المحلية والعادات والقوانين والدين في بريطانيا فإننا نتوقّع أن تمنحنا بريطانيا الاحترام ذاته. نحن لا ننتظر معاملة خاصة، لكننا نتوقّع الإنصاف، وأدرك أننا في سفارة خادم الحرمين الشريفين بالمملكة المتحدة يمكننا القيام بجهد أكبر لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن بلدي.
إن المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة محظوظتان بتكوين هذه العلاقات الثنائية القوية، وهي علاقات يعود تاريخها إلى ما قبل تأسيس المملكة العربية السعودية عام ١٩٣٢، وحتى أسابيع قليلة كنت أقول: إن هذه العلاقات أقوى حالياً مما كانت عليه في أيّ وقت مضى. كما أن إسهام المملكة في أمن بريطانيا واقتصادها يزيد الأسس التي بُنيت عليها العلاقات الثنائية بين بلدينا، ويسمح للتجارة والتبادل الثقافي والتعاون العسكري بالازدهار؛ فالمملكة العربية السعودية تقدّم في نهاية المطاف سبل العيش إلى ما يزيد عن ٥٠ ألف عائلة بريطانية في بريطانيا والمملكة العربية السعودية؛ بفضل العقود التجارية السعودية التي تقدّر بعشرات المليارات من الجنيهات، إضافةً إلى أن الاستثمارات السعودية الخاصة في المملكة المتحدة والتي تقدّر بـ٩٠ مليار جنيه إسترليني.
ومن أمثلة خرق الاحترام المتبادل بين البلدين ما حدث مؤخراً من ادّعاء زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن أنه أقنع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بإلغاء عقد مع الجانب السعودي خاصّ بتقديم المشورة بشأن السجون في المملكة العربية السعودية بقيمة ٥.٩ مليون جنيه إسترليني، وتزامن ذلك مع عدة هجمات إعلامية على المملكة العربية السعودية ربطت إلغاء العقد بعدد من الأحداث المحلية في المملكة، فإذا كانت الروابط التجارية الواسعة بين البلدين ستصبح خاضعة لبعض الأيديولوجيات السياسية فإن ذلك سيعرّض التبادل التجاري الحيوي للخطر، إننا نريد لهذه العلاقة أن تستمر، لكننا لا نريد مواعظ من أحد؛ فمن وجهة نظري القرارات المتسرّعة بدافع تحقيق مكاسب قصيرة الأجل غالباً ما تضرّ أكثر مما تنفع على المدى الطويل.
لقد كان على المملكة العربية السعودية التعامل مع مزاعم زائفة بخصوص دور المملكة في الحرب على الجماعات الإرهابية؛ مثل تنظيمي ما يسمى داعش والقاعدة، والحقيقة أنه لا توجد دولة تنفق على مكافحة التطرّف والإرهاب أكثر من المملكة، ويجب علينا أن نتذكّر أنها الهدف الأساس لهذه التنظيمات، أكثر من الدول الغربية نفسها، كما أن المملكة مازالت مصدراً قيّماً للمعلومات الاستخباراتية عن أنشطة مثل هذه المنظمات الإرهابية؛ فعلى سبيل المثال: كانت المعلومات التي زوّدت بها المخابرات السعودية نظيرتها البريطانية عام ٢٠١٠ سبباً في إحباط محاولة تنظيم القاعدة تفجير طائرة شحن فوق أحدى المدن البريطانية. وهناك أمثلة أخرى على التبادل الاستخباراتي بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، وقد أكّد السيد كاميرون في مقابلة أُجريت معه مؤخراً أهمية مساهمة المملكة في ذلك، فقال: «قدّمت لنا المملكة العربية السعودية بعد أن تولّيتُ رئاسة الوزراء معلومةً أنقذت مئات الأرواح هنا في بريطانيا». وحسب المعلومات التي اطّلعت عليها فإن هذا العدد بالآلاف وليس المئات.
كما كان هناك عدد من المزاعم ضد المملكة لا أساس لها من الصحة؛ فقد زُعم أن موكب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -وليّ وليّ العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع- قد تسبّب في مأساة التدافع الأخيرة في منى، التي أودت بحياة المئات من حجاج بيت الله الحرام، وهو أمر غير صحيح إطلاقاً. كما كانت هناك أيضاً إنتقادات حادة بخصوص تعامل المملكة مع أزمة اللاجئين السوريين، وهي انتقادات غير منصفة؛ لأنها تحاشت الاعتراف بحقيقة أن المملكة العربية السعودية استقبلت ما يزيد على ٢.٥ مليوني لاجئ سوري.
لقد سُررنا في الآونة الأخيرة بقول وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في مؤتمر حزب المحافظين: «أمن الخليج هو أمن المملكة المتحدة»؛ لأننا نعتقد أن هذا الأمر صحيح، لكننا نؤكّد أنه من الأهمية بمكان لتعزيز مصالحنا المشتركة في السنوات المقبلة، ونحن نواجه مجموعة متنوعة من التهديدات، أن تُعامل المملكة العربية السعودية بالاحترام ذاته الذي تكنّه للمملكة المتحدة.