عند الحديث عن إيجابيات فرض رسوم أو ضرائب على الأراضي Land Value Tax دائما ما تذكر تجربة مدينة هاريسبرج في ولاية بنسلفانيا الأمريكية كواحدة من قصص النجاح في الحد من الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني للمدينة وتحقيق مستوى عال من التوظيف لأراضي المدينة، ما انعكس إيجاباً على تنميتها وتطورها بصورة لم تكن ممكنة ولا متصورة قبل إقرار تعديلات ضريبية رفعت الضرائب على الأراضي وخفضتها على المباني.
فحتى عام 1982 وهو العام الذي قررت فيه مدينة هاريسبرج تغيير النظام الضريبي للمدينة بحيث تصبح معظم ضرائب العقارات تفرض على الأراضي وليس على المباني كانت مدينة هاريسبرج في وضع مترد، حيث كانت تصنف كثاني أسوأ مدينة أمريكية من حيث الاهتراء وتدهور المباني وكان سكانها يهجرونها بسبب ارتفاع معدلات البطالة والجريمة وتزايد المباني المهجورة أو رديئة المستوى.
وقد نجحت المدينة في الحد من كل ذلك بشكل أساس من خلال زيادة الضريبة المفروضة على الأراضي وتخفيضها على المباني، وفي البداية قررت المدينة أن تكون ضريبة المباني ثلث ضريبة الأراضي، ثم زادت ضريبة الأراضي وخفضت ضريبة المباني تدريجيا إلى أن أصبحت ضريبة الأراضي تعادل خمسة أضعاف ضريبة المباني.
وقد نجح هذا التغير في قلب حال هذه المدينة بحيث أنه وبحلول عام 2004 كانت الأراضي غير المستغلة في المدينة قد انخفضت بنسبة 85%، وأصدرت المدينة 32000 رخصة بناء، وأعيد تأهيل أكثر من 5000 منزل، وأصبحت المدينة مركز جذب لمؤسسات الأعمال بحيث ارتفع عددها بين عامي 1982 و2004 من 1908 إلى 8864 منشأة تجارية، وتحسن الوضع المعيشي في المدينة وأصبحت مركز جذب سكاني بعد أن كانت طاردة إلى حد أنها وصفت في عام 2010 كأفضل مدينة أمريكية لتربية أطفال.
هذه الفاعلية العالية لرسوم الأراضي في تصحيح أوضاع المدن تأتي من خلال تأثيرين هامين. فكون الأرض بلا عائد طالما لم تستغل بالبناء عليها فإن ضريبة الأراضي تجعل الاحتفاظ بالأرض غير المستغلة مكلف جداً، ما يضطر كل من لا ينوي تطوير ما يملكه من أراض إلى بيعها، ولن يقدم على شرائها منه إلا مستثمر ينوي استغلال سريع لها، فتزداد وتيرة تطور المدينة ونموها.
وضريبة الأراضي المرتفعة تقضي على عمليات المضاربة في الأراضي غير المستغلة فيصبح الطلب عليها طلباً حقيقياً يعكس مدى الحاجة إليها ولا يعكس فقط توقعات مشتريها لأسعارها مستقبلا، ما يحقق تراجعاً كبيراً في أسعارها ينعكس بانخفاض كبير في تكلفة تملك المنازل وغيرها من عقارات، والذي يكون له تأثير هائل على مستويات معيشة سكان المدينة وجاذبيتها الاستثمارية.
كون ما قد يصل إلى 70% من النطاق العمراني لمدننا أراض غير مستغلة تستخدم من قبل ملاكها كوعاء لثرواتهم لم يتسبب فقط في تعطيل توظيف هذه الثروات بمشروعات منتجة تدعم النشاط الاقتصادي وتزيد من معدلات نمو اقتصادنا الوطني وإنما تسبب أيضا في ارتفاع فاحش في أسعار الأراضي، بحيث أصبح غلاء الأراضي أكبر عامل يعيق تحسن مستويات المعيشة، وما لم تقر ضريبة تجبر ملاك هذه الأراضي على التخلص منها أو البناء عليها فلا أمل في حل المشكلة الإسكانية مهما بذل من جهود بل وسيكون القادم أسوأ بكثير مما نراه حاليا.