إذا أوشكت سفينة على الغرق، فمن العبث أن يُشغل الناس عن أطواق النجاة بالتحذير من موتهم عطشًا إذا بلغوا اليابسة، من العبث أن نتجاهل مصابًا بجلطة في المخ لنحذر من احتمال إصابته بصداع مزمن، من العبث أن نحذر من خطر يقيني متحقق الوقوع بآخر ظني أو محتمل، سنن الحياة لا تتغيّر، وأسس المعرفة لا تتبدل، الظنيات لا تُغلب على اليقينيات، والأولويات لا تُقلب بتقديم خطر ظني على آخر يقيني، ولا بتقديم غير المهم على الأكثر أهمية، حتى ننتهي بتزييف الوعي لهاثًا خلف مفاهيم مغلوطة، تستنزف طاقاتنا وجهودنا نحو سراب عدو متخيل، نسجت صورته الظنون والأوهام. خليجيًا كم من الجهود أهدرت في التحذير من جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن من يحتل جزرنا الإماراتية إيران وليس الإخوان، ومن يقتل ويخرب في البحرين ليسوا إلا أذناب إيران وليس الإخوان، وفي الكويت لم تكن ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمّ العثور عليها إلا لخلايا حزب الله الكويتي المدعوم من إيران، وليس للإسلاميين المصنفين ضمن الإخوان، وفي السعودية لم يستهدف رجال الأمن بالقتل، وسيارات الشرطة بالحرق إلا متطرفون شيعة وبعض المُنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية وليس الإخوان، الذين ما زال البعض يحذر منهم، رغم عدم قيامهم بأي عمل عدائي ضد أي دولة خليجية ! في اليمن كان البعض يحذر من جماعة الإصلاح والإخوان، ويتجاهل الحوثيين، ويقلل من خطرهم، حتى صحونا على احتلال الحوثيين لصنعاء، ومن ثم هيمنتهم على معظم اليمن، وهو ما سبق أن حذر منه من اتهموا بالانحياز للإخوان، مئات الشهداء من دول الخليج معظمهم من السعودية والإمارات فقدناهم في حرب تحرير اليمن، قتلتهم عصابات الحوثي والمخلوع علي عبدالله صالح، تُرى كم من الخسائر البشرية والمادية كنا سنحميها لو تنبهنا مبكرًا لعدونا الحقيقي وأعرضنا عن العدو الموهوم المحتمل ؟! الإخوان لم يستهدفوا بالتفجير موكب أي حاكم خليجي كما استهدف فرع حزب الله الكويتي موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح، ولم يفجروا المقاهي الشعبية في الكويت كما فعل ذلك التنظيم الإرهابي، ولم يختطفوا أي طائرة مدنية كما فجر واختطف فرع حزب الله الكويتي الطائرة الجابرية، كما لم يتورطوا في أي عملية إرهابية تستهدف حجاج بيت الله الحرام، كما استهدف فرع حزب الله الكويتي الحجاج في نفق المعيصم، في العملية التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء ! كفى تخويفًا وإرجافًا على الإخوان، الذين يصوّرهم خصومهم كقوة عظمى، تتصرف كيف تشاء، وتفعل كل ما يحلو لها، وهم المغدورون الذين تتم تصفية الآلاف منهم في مصر، ومن نجا منهم إما معتقل أو مطارد، أو طليق يضيق عليه الخناق، يحدث هذا رغم كثرتهم وتفوّقهم العددي، القتل والاندفاع للعنف وسفك الدماء أسهل من ضبط النفس والصبر على الأذى والظلم، وتنظيم ولاية سيناء الذي أذاق الجيش المصري المر في شمال سيناء، لم تبلغ أعداد مقاتليه سوى بضع مئات، فيما آلاف الإخوان ما زالوا يملؤون السجون المصرية، وأعدادهم وفقًا لتقديرات خصومهم بمئات الآلاف، ولو كانوا بالعنف الذي يصوّرهم عليه أعداؤهم لوجدنا مصر تسبح في أنهار من الدماء؛ منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي ! في ظل الأخطار المُحدقة بدول الخليج العربي من إيران وأذنابها، والجماعات الإرهابية في شمال الجزيرة العربية وجنوبها، فإن الإخوان المسلمين بقوتهم العددية في الشارع العربي قوة يمكن الوثوق بها، ومن المهم التحالف معهم، وكسبهم إلى جانبنا، إلى جانب العلماء والدعاة الوسطيين في الخليج، الذين ينسبهم خصومهم للإخوان استعداءً وتحريضًا للسلطة عليهم، ولو تعرض الشارع الخليجي لأي هزة - لا سمح الله - فإنهم قادرون على الإمساك بزمام الشارع لما لهم من قبول لدى الناس، لكن مَنْ يسمع لمُدعي الليبرالية الخليجية، الذين لا يحسنون سوى الإرجاف والثرثرة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي !