فكرة "سعودة" الوظائف فكرة رائعة جداً؛ لأنها تأتي بابن البلد في محل "الأجنبي"، والأجمل أنها بُنيت على أن يكون مؤهلاً.. إذاً، فالفكرة كانت لتوطين الوظائف بالشباب المؤهلين. فالفكرة لم تكن لتحويل إدارات منشآت حكومية كاملة إلى عائلة واحدة أو قبيلة واحدة.. فهذه منشآت أو مؤسسات حكومية وليست شركات عائلية..!!!!!!
فها نحن نرى إدارات مستشفى بأكمله وقد أصبحت حكراً على عائلة واحدة أو قبيلة واحدة.. حتى يصل الأمر إلى أن يطلق الناس في هذه المدينة أو تلك أسماء العوائل أو القبائل على المستشفيات تندراً ونقداً واعتراضاً على هذا الوضع.. فتجدهم يقولون لك حين تسأل عن مكان المستشفى.. أتريد مستشفى (...) أم مستشفى (...)؟ فقد أصبحوا يسمون تلك المستشفيات بأسماء العوائل أو القبائل.. نسبة إلى عائلة أو قبيلة مديره العام الذي حوّل ذلك المستشفى إلى شركة عائلة؛ فأصبحت إداراته حكراً على أبناء عمومته، سواء أكانوا من العائلة نفسها أو من القبيلة نفسها..!!!!!
فهل يعقل أن يكون مديرو كل الأقسام في هذا المستشفى أو ذاك من العائلة أو القبيلة ذاتها..؟!! ألا يوجد شخص مؤهل لقيادة دفة هذا القسم أو ذاك إلا من أبناء عائلتك أو قبيلتك؟! ماذا يمكن أن نسمي هذا العمل..؟!! هل يمكن أن نطلق عليه "حميّا" أو"فزعة"؟!! كما يحلو للبعض أن يسموه، أو كما يحاول بعض المتنفعين من هذا الوضع أن يبرروا به هذا الفساد الإداري..؟!!! هل يمكن أن نجد له اسماً آخر غير "فساد إداري"..؟!!!
والسؤال هنا: أين مسؤولو الشؤون الصحية في هذه المدن من هذا العبث؟!!! أليس من المفترض بها - وهي الجهة المسؤولة عن الصحة في هذه المدينة أو تلك المحافظة - أن توقف هذا الفساد الإداري، وتحاسب المسؤولين عنه؟!!! أم أنها لا تستطيع؛ لأنها هي ذاتها قد تفشى في أروقتها هذا الداء..؟!! فأصبحت كـ"فاقد الشيء لا يعطيه.."!! هل يعقل أن يستمر أمر مثل هذا..؟!! وما موقف العائلات الأخرى أو القبائل الأخرى؟!!! هل تقف موقف المتفرج على هذا الهراء؟!! أم أنها تطالب بمستشفيات لها..؟!! وهذا ما لا يمكن عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً ولا وطنيةً.. أن يصبح الأمر بهذه الصورة..!!!! فهو لا يمكن عقلاً؛ لأن المدن ملتقى لكل القبائل والعائلات.. ومستشفياتها ليست حكراً على أحد، ولا يجب أن يتفشى فيها هذا الداء..!!! حتى وإن كان على استحياء..!!! أي أنه غير ملحوظ؛ لأن الأمر بعيد عن الوظائف القيادية..! كما هو حاصل في بعض المستشفيات.. فلو أردنا أن نخصص لكل قبيلة أو لكل عائلة مستشفى لاحتجنا لعشرات المستشفيات إن لم تكن مئات..!!!!! هذا على سبيل الافتراض الجدلي. وهو لا يمكن شرعاً ولا عرفاً ولا وطنيةً؛ لأن المنشآت أو المؤسسات الحكومية وُجدت لخدمة جميع مواطني هذا البلد المعطاء.. الذي قام على الإسلام دستوراً له، وعلى العدل والمساواة بين مواطنيه كافة.. فالكل سواسية من حيث الحقوق والواجبات؛ لأن الشرع الحكيم الذي نفاخر به دستوراً لنا يوجب علينا هذا الأمر.. فالمناصب ليست حكراً على أحد..!! بل هي حق لجميع المؤهلين لها.. والنظام الصحيح والصريح للخدمة المدنية ينص على "المسابقة" في التعيين.. والأكثر تأهيلاً هو صاحب الحق في هذا المنصب أو ذاك.. فالشهادة والخبرة والسمات القيادية هي الفيصل في الأمر.. وليس اسم العائلة أو القبيلة أو المنطقة هو من يوصلك للإدارة..!!! كما يحدث في بعض مؤسسات الدولة اليوم.. وللأسف الشديد..!!!!
والمستشفيات وما يحدث بها من فساد إداري ما هي إلا أنموذج أو عينة لما يحدث في بعض مؤسسات الدولة في كثير من المدن والمحافظات وما يحدث في بعض الوزارات.
فللأسف الشديد، إن بعض المؤتمنين على هذا الأمر لم يكونوا على قدر المسؤولية، ولم يكونوا أهلاً لهذه الأمانة؛ فانتشرت هذه التعيينات على أساس مناطقي أو عائلي أو قبلي.. فلا بد أن نتدارك هذا الأمر، وأن نعلم ونعي أننا جميعاً أبناء بلد واحد.. أبناء دين واحد.. أبناء عقيدة واحدة.. وأن المتربصين بنا والحاقدين علينا والحاسدين لنا ينظرون لنا على أننا أبناء هذا البلد المعطاء.. فيتعاملون معنا على هذا الأساس.. فلا يعنيهم أبداً أن هذا من هذه المنطقة أو تلك.. أو أن هذا من هذه العائلة أو هذه القبيلة أو تلك..!!! فعندهم.. "كلنا سعوديون"..