لماذا كانت جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر استهدافا من بين فصائل العمل الإسلامي، وأكثرها عُرضة للهجوم في الداخل والخارج؟ هل لأن جماعة الإخوان المسلمين كانت ومنذ نشأتها عام 1928 عقبة في وجه الاستعمار؟ أم لأنها كادت في حرب 48 أن تحسم المعركة لولا تآمر الإنجليز عليها والأمريكان وحكومة النقراشي؟ أم لأن كتائب الإخوان المسلمين لو تُركت تُناضل في فلسطين، ودُعمت فقط بالسلاح لما بقي يهودي في القدس؟ أم لأن جماعة الإخوان المسلمين أسقطوا مشروع التوطين عام 1953م، وهو مشروع تم الاتفاق عليه بين الحكومة المصرية وبين وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتقضي بتوطين ما بين 50 إلى 60 ألفاً من فلسطينيي غزة في الشمال الغربي من سيناء، على أن تقوم الوكالة ببناء الوحدات السكنية بتمويل أمريكي لهم؟ كان هذا المشروع يشكل الحلقة الأولى في تصفية القضية الفلسطينية، وانطلقت مظاهرات عارمة في غزة بقيادة الإخوان المسلمين للمطالبة بإنهاء هذا المشروع. *سجل التاريخ بطولات نادرة لعناصر جماعة الإخوان، خاضوها ضد الاحتلال البريطاني لمصر. يقول جوردون واترفيلد في كتاب مصر: "وحين عاد الإخوان من حرب فلسطين أعلنوا الجهاد ضد النفوذ البريطاني في مصر وقاموا بعملياتهم الفدائية في منطقة القنال وخصوصاً معركة التل الكبير". فبعد أن أعلن مصطفى النحاس رئيس الحكومة المصرية إلغاء معاهدة 1936م مع بريطانيا، كان الشعب المصري يدرك أهمية وجود الإخوان في المعركة ضد الاحتلال، لدرجة أن الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس، كتب على صفحات مجلة روز اليوسف ما يبدو وكأنه استنفار للإخوان المسلمين لخوض المعركة، فقال: "فيوم يتحرك الإخوان المسلمون ويعرفون كيف يتحركون وإلى أين، فقد اكتملت لمصر قواها الشعبية وضمنت لأيام الجهاد الاستمرار". وبالفعل بدأ الإخوان بتنظيم مظاهرات لمنع العمل في معسكرات الإنجليز (حملة مقاطعة)، وذات الحملة توجهوا بها إلى التجار والمزارعين ما أصاب المعسكرات البريطانية بالشلل. *وبعد إنشاء الإخوان معسكرات للتدريب، بدأوا في شن حرب عصابات على معسكرات الإنجليز، ونسف مخازن الذخيرة والقطارات والكباري الحربية والهجوم على نقاط التفتيش البريطانية. يقول كامل الشريف في كتابه المقاومة السرية: "لقد أحصينا في النصف الأول من عام 1953م أكثر من 100 حادث اغتيال أو نسف أو اختطاف أسلحة قام بها رجال الإخوان في منطقة القناة وارتفع هذا الرقم أكثر من ذلك خلال النصف الأخير". *وقال توم ليتل في كتابه (مصر الحديثة): "إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعةِ الإخوان المسلمين ..المتوغلة في تطرفها الوطني". *لن ينسى التاريخ جهاد الإخوان الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني، وعلى رأس هذه المعارك معركة المشروع أو "الحزام الأخضر" عام 1969م، والتي قادها الشهيد عبد الله عزام في منطقة الغور الشمالي، وبحسب ما جاء في كتاب "جهاد الإخوان المسلمين في حرب فلسطين" يقول أحد مُنفّذي العملية: "طلب منا الشيخ عبد الله عزام قبل التوجه إلى فلسطين أن نتوضأ ونصلي ركعتين ونذكر الله، ونُخلص النية لله ، ثم وقف فينا خطيبا يُعرّفنا لماذا نقاتل اليهود وحضّنا على الاستشهاد". وما حركة حماس بذراعها العسكرية (كتائب القسام) سوى نبتة مباركة خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وتُمثّل –بجانب فصائل المقاومة الأخرى- القوة الوحيدة على وجه الأرض التي تواجه الصهاينة.
*جماعة الإخوان هي الأخطر لأنها تسعى لأن يكون الإسلام دينا ودولة كما أراده الله، فلذا تتعاطى مع الواقع في كل جوانبه، دون التقوقع في مجال معين، فانصرف جهدها لدعوة الناس إلى تمثل تعاليم الإسلام وتربيتهم على ذلك، وكان لها السبق في العمل المؤسسي، وتوغلت في الإعلام والاقتصاد والجيش والشرطة. وحتى الفن كان للإخوان فيه تجربة هادفة، عن طريق إنشاء المسارح التي تقدم أعمالا فنية لتوجيه الناس عبر الدراما، وللعلم الدراما ليست مرادفا لأفلام ومسلسلات تُجسد مأساة أو مشكلة، وإنما معناها الكلمة التي تُجسّدها الحركة بصفة عامة. وكان للجماعة اتصال بالفنانين الهادفين، ما يدل على أن الجماعة ذات فكر شمولي، تسعى لهيمنة تعاليم الإسلام في كل مناحي الحياة. لذا كانت هذه الجماعة مستهدفة من قبل العلمانيين الذين يريدون فصل الدين عن شؤون الحياة، ومن قبل الأنظمة الديكتاتورية القمعية التي تسعى للحفاظ على عروشها اتكاء على الحماية والرعاية الغربية. *جماعة الإخوان المسلمين هي الأخطر لأنها جماعة عالمية، تنطلق من كون الإسلام رسالة عالمية، فمنهجها الذكيّ باعتداله جعل لها قبولا في جميع الأوساط والأقطار، على عكس بعض التيارات التي لها رؤى ومناهج إصلاحية قد تكون غير ملائمة لتُربة معينة. *جماعة الإخوان هي الأخطر لتماسكها التنظيمي، فأعضاؤها لا يرتبطون بمجرد أفكار، وإنما بهياكل تنظيمية تضمن تماسكها، وتسهل لها نقل الرؤى والأفكار والبرامج إلى قواعدها العريضة، كما يسهل لها الحشد في المواقف الصعبة كالاستحقاقات الانتخابية والتظاهرات والاحتجاجات ونحو ذلك. *جماعة الإخوان هي الأخطر لأنها من تصدى للغزو الفكري والثقافي وفضح مخططات الأعداء، ومعظم المصنفات التي تتناول هذا الشأن ألِفها مُفكّرو وكُتّاب الجماعة، بالإضافة إلى ثروة هائلة من كتب الدعوة والتربية والفقه الحركي. تلك الجماعة مهما كانت أخطاؤها، ومهما كانت سلبياتها، إلا أنها ستظل هي الأخطر على الغرب والكيان الصهيوأمريكي، وعلى الأنظمة العلمانية والديكتاتورية، ورغم كل المحن التي تتعرض لها، إلا أن مثل هذه الجماعة قد تضعف ولكن لا تموت، لأنها ببساطة شديدة جزء لا يتجزأ من نسيج مُجتمعاتنا