مقال للكاتب الحر الدكتور أنور مالك يطرح تساؤلا على الليبراليين العرب:
يخوض الليبراليون العرب كثيراً في أيّ شأن يرتبط بالفكر الإسلامي عموماً وما يأتي به علماء السنّة بصفة أخص، وطالما حمّلوهم كل الشرور وطعنوا في فتاويهم، ويتهمونهم دائماً بالتكفير والتحريض على العنف والإرهاب، وأن فكرهم الذي يزرعونه بين الأجيال هو سبب الحروب النجسة التي تعصف بالمنطقة العربية.
بل بعض من يحسبون أنفسهم من النخب الإعلامية والفكرية والثقافية ذات التوجهات الليبرالية والعلمانية، طالما هاجموا كل شخص ينتقد الفكر الشيعي ورجال دينه من المعمّمين سواء في الحوزات أو حتى قصور الحكم في دولة إيران الصفوية، بزعم أنها طائفية ومذهبية مذمومة.
يدعي الليبراليون العرب أن سبب العنف والإرهاب والتطرف والغلو هم علماء أهل السنّة –فقط - الذين يطلقون على المعاصرين منهم تسمية "الوهابية"، ولم يسلم منهم حتى علماء عرفوا في العالم الإسلامي بوسطيتهم واعتدالهم في تناول قضايا الفكر المعاصر وتجديده.
تتصاعد لهجة الليبرالية مع كل حادثة إرهابية تضرب أيّ بلد عربي، وهذه الموجة بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة مع العمليات الإرهابية التي استهدفت الشيعة في المملكة العربية السعودية خاصة، وتراهم ينتقدون المناهج الدينية والمراجع والمذاهب والإعلام وكل ما يرتبط بالفكر السنّي.
في المقابل أن هؤلاء الليبراليين لا نسمع صوتهم في انتقاد الفكر الشيعي والمعمّمين الذين ينشرون ما لا يقبله عقل ولا منطق، فهذا يأتي بالعجب العجاب وآخر يوزع خرافات لا تتجاوز الفكر اللاهوتي الذي لفظته المدنية الغربية وحاصرت وجوده وجعلته لا يتجاوز جدران الكنائس المهجورة أصلاً.
بل يحاولون تجاهل المرجعية الدينية الشيعية مع أي عمل إرهابي تقوم به أطراف من الشيعة ضد السنّة، كما حدث مع الخلية الإرهابية التابعة لما يسمى "حزب الله" في الكويت، وأيضاً يجري مع مليشيات إيران التي تقترف أبشع المجازر في سورية بطريقة طائفية واضحة وموثقة بالأدلة.
عندما نكتب شيئاً في انتقاد الفكر الشيعي يأتي الليبراليون العرب ويهاجموننا، بل يصل الحال بهم إلى اتهامنا بالتكفير والطائفية، وأننا نعمل على زعزعة قيم التعايش بين المسلمين وأبناء الوطن الواحد كما يدعون.
رغم أن الفكر السنّي لا يهاجم أي مقدس شيعي، فآل البيت لهم مكانتهم المرموقة، والأئمة أيضاً لهم قيمتهم السامقة، ولكن أهل السنّة يرفضون الغلو فيهم إلى درجة التأليه في كثير من الأحيان، وهذه أصلاً قمة الإساءة إليهم، ولو كان هؤلاء الأئمة على قيد الحياة لرفضوا الغلو بحقهم وحاربوه بكل قوتهم.
لكن في المقابل لا يوجد مقدس سنّي لا يتعرض للطعن فيه وبطرق غير أخلاقية في أحيان كثيرة، بل وصل الحال إلى القول بتحريف القرآن وتكفير الصحابة الذي معناه رفض الأغلبية المطلقة من الأحاديث المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، بل بلغ التطرف بهم درجة الاعتقاد بأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في النار!
ماذا لو جاء كاتب سنّي وطعن في الخميني أو خامنئي وغيرهما؟
سيندفع الليبراليون ويتهمونه بالتطرف والطائفية، ولكن أن يفعلها الشيعي مع امرأة ويتهمها في عرضها الذي هو عرض زوجها الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبما برأها منه الله تعالى في كتابه الكريم، ويراها أكثر من مليار سنّي في العالم أنها أمهم، فهذا لا يعني شيئاً لدى الليبراليين العرب، بل بعضهم يبررها بطرق متباينة.
في حين لما ينتقد داعية أو عالم سنّي أيّ امرأة متبرجة وغير محتشمة أو حتى راقصة تنشر العهر في العالم العربي، فإنهم يندفعون بوسائلهم الضخمة للدفاع عنها، معتبرين شأنها من الحرية الشخصية، ولا يجوز أخلاقياً الطعن في أعراض الناس عموماً والنساء بصفة أخص.
رغم أن القياس غير لائق تماماً بمقام أم المؤمنين رضي الله عنها، ولكن أين أنتم أيها الليبراليون العرب من الطعن فيها، والتي تعتبر عقيدة ينبني عليها كل الفكر الشيعي، وهي امرأة ككل النساء على الأقل في نظركم؟
يتهم الليبراليون العرب أغلب علماء المسلمين بالتكفير، ووصل بهم الحال إلى أن الذي يدافع عن عقيدته الإسلامية من الهجومات المختلفة هو رجعي ومتطرف، في حين لا نسمع صوتهم مع الشيعة والتكفير عندهم من أصول عقيدتهم.
ترى لماذا يدافع الليبراليون والعلمانيون عن حكم الملالي الديني في إيران وهم يناهضون الدولة الدينية؟
الليبراليون والعلمانيون العرب يرفضون أيّ حكم إسلامي ويتصدون ويكيدون له ويتآمرون عليه مع قوى عسكرية داخلية أو استعمارية خارجية، في حين يدافعون بطرق مختلفة عن حكم ملالي إيران، والسبب واضح أن هؤلاء المعمّمين يعطون النموذج الأسوأ للحكم المحسوب على الإسلام، وهذا ما يخدم ليبرالية وعلمانية العرب الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة، وأن شريعة الإسلام لا تصلح للحياة.
الأكثر والأدهى من ذلك أن الكثيرين من الليبراليين والعلمانيين يتّهمون مثلاً نظام الحكم في السعودية بأنه "وهابي" لا علاقة له بالإسلام وهذا تكفير صريح وواضح، في حين يرفضون من يقول أن دولة "داعش" لا علاقة لها بالإسلام وأن ملالي إيران هم صورة لإسلام مزيف غير حقيقي.
طبعاً السبب واضح لأن ظلامية أصحاب الرايات والعمائم السوداء تخدم ما يسمونه بالتنوير، في حين أن نجاح أي حكم إسلامي آخر يعني ضرب كل شعاراتهم وأيديولوجيتهم في عمقها، وهذا ما يدفع كل ليبرالية العالم لتشجيع القوى الظلامية والمتطرفة ومحاولة التسويق الإعلامي لها على أنها صورة للحكم في الإسلام.
أين الليبرالية والعلمانية التي تدعي مناهضة التكفير والطائفية من معتقدات شيعية تهدد أمن العالم واستقراره؟
سأسوق هنا في هذا المقام غيضاً من فيض ما يقوله من يسمون بعلماء الشيعة في المخالفين لهم، وأنقل القليل جداً من فتاويهم التي تستهدف أهل السنّة بالتحديد، وقد بحثت في مراجعهم كثيراً ولم أجد فيها المعتدل والمتطرف بل كلها في قمة الغلو والتطرف، والحد الفاصل بينهما يرتبط بعقيدة التقية التي توجب إظهار خلاف ما يبطنه الشيعي.
لو بحثنا في الفكر والعقيدة الشيعية لوجدناها مبنية على التكفير المطلق لكل من يخالفهم؛ فهم يكفرون الصحابة، ويطعنون ويلعنون المخالف لهم من أهل السنة والجماعة، كما قال زين الدين العاملي وعلي القزويني ومحمد رضا الكلبيكاني وفيض الكاشاني وغيرهم.
محمد باقر المجلسي في "بحار الأنوار" كتب قائلاً:
"الأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما، وثواب لعنهم، والبراءة منهم، وما يتضمن بدعهم، أكثر من أن يذكر في هذا المجلد، أو مجلدات شتى". (30/399)
وقال محمد حسين الشيرازي النجفي القمي:
"مما يدل على إمامة أئمتنا الاثني عشر أن عائشة كافرة ومستحقة للنار" (كتاب الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين 615).
ويقول الحر العاملي: "جواز لعن المبتدعين والمخالفين والبراءة منهم بل وجوبها".
أما عبد الله شبر، الذي يلقب عندهم بالسيد الأعظم والعماد الأقوم علامة العلماء وتاج الفقهاء رئيس الملة والدين، جامع المعقول والمنقول، مهذب الفروع والأصول، في كتابه "حق اليقين في معرفة أصول الدين" (2/188- طبع بيروت)، فكتب قائلاً: "وأما سائر المخالفين ممّن لم ينصب ولم يعاند ولم يتعصّب فالذي عليه جملة من الأئمة كالسيد المرتضى أنهم كفار في الدنيا والآخرة، والذي عليه الأكثر الأشهر أنهم كفار مخلدون في النار في الآخرة".
والنصوص في تكفير الصحابة رضي الله عنهم لا تحصى ولا تعد، وحتى الذين يرفضون ذلك من باب التقية أو تحت شعارات ومسميات معينة، لا يصدرون أي حكم شرعي تجاه من يقترف ذلك، وهو دليل قطعي على أن الأمر للاستهلاك الإعلامي والخداع فقط.
رئيس محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الذي يوصف عندهم بالصدوق، كتب في رسالة الاعتقادات (ص103- ط مركز نشر الكتاب – إيران 1370) ما نصه: "..واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده – عليهم السلام – أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً ممّن بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله". وينقل حديثاً منسوباً إلى الإمام الصادق أنه قال: "المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا" .
وينسب أيضاً إلى النبي – صلى الله عليه وآله – أنه قال:
"الأئمة من بعدي اثنا عشر؛ أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحداً منهم فقد أنكرني".
أما جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي وهو علامتهم على الإطلاق، في كتابه "الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" (ص 13 ط 3 - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1982)، فكتب قائلاً: "الإمامة لطف عام والنبوة لطف خاص لإمكان خلو الزمان من نبي حي، بخلاف الإمام لما سيأتي. وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص، وإلى هذا أشار الصادق عليه السلام بقوله عن منكر الإمامة أصلاً ورأساً وهو شرهم" .
شيخهم ومحدثهم يوسف البحراني في موسوعته المعتمدة عند الشيعة: "الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة" (- 18/153 - دار الأضواء – بيروت)، كتب بدوره قائلاً:
"وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله، وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين".
الملا محمد باقر المجلسي والذي يلقبونه بالعلم العلامة الحجة فخر الأمة، في بحار الأنوار 23/39، يقول:
"اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضَّل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلدون في النار".
ويقول شيخهم محمد حسن النجفي في جواهر الكلام (6/62 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت):
"والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا".
هذا ونقل شيخهم محسن الطباطبائي الملقب بالحكيم، كفر من خالفهم بلا خلاف بينهم في كتابه "مستمسك العروة الوثقى" ( 1/392 ط 3 مطبعة الآداب – النجف 1970).
ويقول عبد الله الماقاني الملقب عندهم بالعلامة الثاني في تنقيح المقال (1/208 باب الفوائد – ط النجف 1952):
"وغاية ما يستفاد من الأخبار جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على من لم يكن اثنى عشري".
أما المرجع أبو القاسم الخوئي في كتابه "مصباح الفقاهة في المعاملات" - (2/11 ط دار الهادي- بيروت)، فكتب قائلاً:
".. بل لا شبهة في كفرهم – أي المخالفين – لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم والاعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية.. أنه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين".
أما الخميني زعيم الثورة الإيرانية فقد قال في كتابه "المكاسب المحرمة" (1/251) متحدثاً عن أهل السنة:
".. لا شبهة في عدم احترامهم بل من ضروري المذهب كما قال المحققون، بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم، بل الأئمة المعصومون، أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم.. ".
أليس هذا كله تكفيراً صريحاً ومعلناً ويدينون ربهم به آناء الليل وأطراف النهار، وهو الذي أشعل في بعض الأحيان تكفيراً مضاداً وكثيراً ما يتجاهله الليبراليون العرب، وقد نقلنا القليل جداً من الكثير الذي يملأ مراجعهم المقدسة عندهم على مر التاريخ، وما على الليبراليين والعلمانيين العرب خاصة إن كانوا صادقين، إلا رفضه ونقده بشدة كما يفعلون دوماً مع أي شيء يأتي من أهل السنّة، وإن لم يفعلوا فإما أنهم من المنافقين الذين يكيلون بمكيالين، أو أنهم مجرد مرتزقة عند إيران، أو شيعة يلبسون تقية قناع الليبرالية والعلمانية، وفي الحالات الثلاث ضربت مصداقيتهم في الصميم إن كانت لديهم أدنى مصداقية أصلاً.