للفائدة والإفادة ... أحببت مشاركة هذا الصرح الماتع بمقالات كل سبت بمواضيع مختلفة .. تنشر فكر وتحيي وعيا وتفتح ذهنا وتثري نقاشا .... ونسأل الله الإعانة والقبول .. ونرجو منكم المشاركة بالمفيد والنقد البناء .
وأبدأ أولى المشاركات بأعظم مصاب سمعناه وقد تردد خطره منذ زمن ألا وهو داعش والدولة الإسلامية ... خوارج العصر .
في البداية نذكر أن رسولنا ما مات عليه الصلاة والسلام إلا ودل الأمة على كل خير يعلمه وأنذرها وحذرها وبين لها كل شر يعلمه في زمانه وفيما يأتي من الزمان مما علمه الله وكشف له ... وإليك أمثلة :
1- فقد بين لعمر ابن الخطاب وعثمان أنهم يقتلون شهداء . ( أثبت احد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدين )
2- وقد فصل وبين من من الطائفتين على حق ( علي ومعاوية ) أن جعل مقتل عمار بن ياسر هو الفيصل حيث قال له عند بناء مسجد النبوي ( ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية ) وقال له أن آخر عهده من الدنيا شربة من لبن . فقتله جيش معاوية وقد كان على بعير وعطش في المعركة وتناول لبنا ثم صدق وعد الصادق فيه وقتل وقد كان مع علي رضي الله عنه . ورحم الله الجميع وغفر لنا ولهم وجمعنا بجنات النعيم .
3- بين لعثمان وأنذره من أن يخلع قميصا قمصه الله فأبى عثمان على الخوارج ترك الخلافة لأجل هذا الإنذار وقال له مرة بشره بالجنة على بلوى تصيبه . لذلك رفض عثمان رضي الله عنه وأبى على الصحابة أن يتدخلوا لحمايته مصدقا لما وعد رسول الله أنه مقتول مقتول فلم يحب أن يشرك أحدا في دمه ليدافع عنه إذ أن أمر الله ماض ووعد رسوله صدق وجنب بورعه ويقينه دماء الصحابة من مقتله عظيمة رضي الله عنه وأرضاه
4- وبين أن الفتن ستبدأ بعد عمر وقال لحذيفة أن بينها وبين عمر بابا ... فسأل عمر حذيفة أيكسر الباب أم يفتح قال بل يكسر فقال عمر إذا لا يغلق أبدا ..
وقبل أن أنتقل من الشواهد أذكركم بهذا الشاهد الجامع المانع الجليل :
وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم قال عثمان حدثنا، وقال إسحاق أخبرنا جرير عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال قام فينا رسول الله مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وانه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل الفتن وبل بأسماء بعض الرجال في مقام طويل .... علمه من علمه وغاب عنه من غاب وحفظه من حفظه ونسيه من نسيه .
المهم ....
الخوارج .... تكلم عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحوالهم وسماتهم وقد ظهروا منذ زمان قديم ( مقتل عثمان وعلي ..) والمتأمل في أحوالهم وسماتهم وما قالوه وقال كبيرهم الأول لنبي الأمة ( إعدل فإنك لم تعدل ) فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال ويحك من يعدل إن لم أعدل أنا ؟!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تولى ( يخرج من طئطئ هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )
فهذا الغلو والكبر والجهل المتمثل في عبارة كبيرهم نراها واقعا مشاهدا في أعمال ذريته ... فقد أنكروا على رسول الله فمن ذا بعد يملأ عينهم من بعده !؟
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم حدثاء أسنان سفهاء أحلام ... وذكر مروقهم من الدين وقتالهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الأوثان ... وما لا يخافكم من أحوالهم وما ينطبق على كثير منهم الآن ...
ولكن ....هل ينفع مع أمثال هؤلاء نقاش علمي ومنهجي وشرعي ؟! إنه سؤال مطروق ومطروح بشدة ؟! ... وهل من علاج يتخذ لتدارك الأمر ؟!
هذا الفكر المنحرف يمر بأطوار كثيرة ... ويزداد شراسة مع الأيام إلا أن يعصم الله صاحبه ... فتداركه في بدايته أمر مقدور ميسور ولكنه عندما يستفحل لا ينفع معه إلا العلاج النبوي الذي قال ( لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد ) !!
قالها أكرم خلق الله وأرأفهم بالعباد وأرحمهم بالأمة وأعلمهم بالدين وأقدرهم على الحجة !! فقد كفانا رسول الله العلاج وبين له طريقه ومسلكه وهذا مثار يثير المتأمل فيعلم أنهم لا يملكون أي أدات من أدوات العلم والفهم .. وهم متعنتون متزمتون متشددون ... ولا يفقهون كتابا ولا سنة ولا ينفع معهم حوار ولا وعظ . ومن جرب نقاشا مع أحدهم سيفهم ما أقول ...!
إنها ليست دعوة لقتل وسفك الدماء .. ولكنها دعوة لسرعة توضيح حالة كل فرد والتصرف معه على ضوء ما وصل إليه ... وتركه قد يفاقم الأمر بنشر الفكر لغيره أو أن يجني على نفسه والمسلمين بقتل أنفس كثيرة كانت ستدرأ لو قتل هو بعد إقامة الحجة الكاملة عليه بالمحاكمة العادلة .
قال تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض )
ومرورا سريعا على شبههم والمطاعن فيها :
1- يقولون ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ويقتطعونها من سياق مهم جدا وينتقونها من آيتين جاءت بعدها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ولو تأمل الصادق منهم فيمن جاءت الكافرون لوجدها في ( النبيين والأحبار والربانيين ) ومفاد الآية أن من حكم بغير ما أنزل الله من النبيين والأحبار والربانيين الذين علموا الكتاب واشهدوه وتبينوه وكلفهم الله بحمله للناس ثم باعوه وقدموا أهواءهم فأولئك هم الكافرون وليس الكلام كان للحكام .
وإلا فأعطني حاكما واحدا بعد عمر بن عبدالعزيز تضمن أنه حكم في حكمه كل شرع الله دون أن يخرم خرمة ؟!
وهل نحن كأفراد وعوام حكمنا شرع الله في أبناءنا وأزواجنا وأموالنا وصداقاتنا ؟! وإلا كنا كذلك كفرة ؟!
قال نبينا الكريم ووجهه ماذا يفعل مع الحاكم : ( ستجدون بعدي أثره وأمور تنكرونها ) وبهتين العبارتين جمعت الدنيا والدين ... فكان التوجيه الصبر ولم يأمر بالخلع والعصيان .. فضلا عن التكفير والإفساد .
وجاء في مواطن أخرى النصح للحاكم بالمعروف وجاء الطاعة بالمعروف وفيما يرضى الله والإمتناع من طاعة الحاكم إذا أمر بالمعصية - وهذا لا يعني الخروج - وإنما يعني أن لا تطيع في معصية ... فقط . ولو امتحنك فاصبر فإنك مأجور ...
2- ويقول الخوارج نريد أن نحكم شرع الله .. ونسألهم ... ما معنى هذا وأين يتأتى ؟! وهل لكم في رسول الله والرسل أسوة ؟! فقد مكث رسولنا الكريم 13 عشر سنة يطوف حول الكعبة وقد امتلأت بالشرك والأصنام وهو صابر .... وقال لهم الله ( كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) وامتدت المدة 8 سنين بعد الهجرة ... ومعلوم أن دخول مكة كان بسبب غدرة من قريش وحلفاؤها ...
وكذلك نوح دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما .. فما قاتلهم ولا قتلهم ما داموا لم يؤذوه فلما آذوه نصره الله وقال ( قال ربي إني مغلوب فانتصر ) بعد أن قالوا ( لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين )
وانطلاقة إلى ابراهيم خليل الرحمن ... صبر على أبيه وقومه وما رفع عليهم سيفا ولا قنبلة ووعظه وذكره حتى قال له أبوه ( أراغب أنت عن آلهتي يا أبراهيم لئن لم تنته لأرجمنكم - واهجرني - مليا ) وأراد قومه كيده فأنجاه الله وجعلهم الأخسرين ..
أين الخوارج من منهج الأنبياء مع صريح الشرك ؟!
هل في هذه البلاد من الشرك ما كان مع الأنبياء ؟! ألا يقرأون القرآن ؟!
وإليكم هذا الحديث في صحيح مسلم :
عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يارسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدي يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يارسول الله بعد أن قالها ؟! قال لا تقتله . قال يارسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك أفأقتله قال رسول الله لا تقتله ( فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال )!!
فما العذر بعد هذا الإعذار والوضوح من رسول الله !!
فكيف بهم وهم يقتلون من يقول لا إله إلا الله ليل نهار ويصلون ويصومون ويحجون ويذكرون الله وفي بلاد الإسلام وفي مساجد الله وقد حرم الله قتل الرهبان في الكنائس فيكف بالمساجد
( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ماكان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم )
والويل لهم من قوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )
وأدعو أي باحث أن يجد لي عذابا أشد من آية قتل المؤمن عمدا وحتى لم ترد في الشرك وهو الشرك ... ( جهنم ) + ( غضب الله ) + ( ولعنه ) + ( عذابا عظيما)
وقال قبلها بآية ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ) وإلا فلا يتصور أنه يقتله عمدا ثم يبقى مؤمنا ويسمى به !
وكذلك قتلهم للنفس بالاحزمة الناسفة مستدلين بفعل الصحابي الذي رمى نفسه من خلف السور ... شتان بين عملية صعبة وعملية انتحارية !!
ما فعله الصحابي كان شجاعة وتضحية النجاة فيها قليلة ولكنها ممكنة ومكنه الله أما ما يفعلونه فهو قتل للنفس قال الله عنه ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا )
والحزام الناسف لا نجاة منه أبدا .... فأي أجر يبحثون وأي ثواب يؤملون وبأي دين يدينون وبأي آية ينطلقون وعلى أي حديث يرتكزون ؟!
لذلك لا تستغرب أن يحكم عليهم الشفيق بقوله ( لأقتلنهم قتل عاد ) وأخيرا أقول اللهم يا مقلب القلوب ... ثبت قلوبنا على دينك وسنة نبيك
اللهم اختم لنا بخير واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين واحفظ الأموال والدماء واحفظ فسحتنا من أن نصيب دما حراما ....
سيأتي المقتول يوم القيامة مقطوع الرأس تخضب أوداجه دما .. حاملا بإحدى يديه رأسه والأخرى يجر بها قاتله يسوقه إلى الله فيقول لله يارب سل هذا فيما قتلني !
فما سيكون جوابك يا شقي أمام الله منزل الكتاب !؟ ولن يكون حولك أبو فلان ينصرك .