لاشك أن الميراث حق شرعه الله على عباده ، لأنه سبحانه يعلم أن الناس يموتون ويتركون الأموال بأنواعها ، فاذا تركت دون توزيع وتقسيم ، لحدث التشاجر والتخاصم .
ومع ذلك نجد بعض الناس يحرمون بعض أولادهم ، أومن له حق الميراث بحرمانه منه ، ولو بالقوة دون وجه حق .
والعجيب فى ذلك أن هناك من يقول : أن المرأة ليس لها ميراث .
فقد أوصى الله عز وجل وصية وهى توزيع الميراث بين الوارثين بما شرعه فى كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولكن نجد من يخالف هذا التقسيم فيقسم فى حياته مثلا ، أو نجد من يحرم البنت أو يحرم الصغير ، أو ولد الحمل ، الى غير ذلك .
ومن هنا نحذر من أكل أموال الناس بالباطل من ميراث أو غيره ، عافانى الله واياكم .
" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا "
ولما أمرهم بذلك, زجرهم عن أكل أموال اليتامى, وتوعد فقال: على ذلك أشد العذاب " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا " أي: بغير حق.
وهذا القيد, يخرج به ما تقدم, من جواز الأكل للفقير بالمعروف, ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى.
فمن أكلها ظلما, فإنما " يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا " أي: فإن الذي أكلوه, نار تتأجج من أجوافهم وهم الذين أدخلوه في بطونهم.
" وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " أي: نارا محرقة متوقدة.
وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب, يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها, وأنها موجِبَة لدخول النار.
فدل ذلك, أنها من أكبر الكبائر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال( يبعثُ الله عز وجل قوماً من قُبورهم تَخرج النار
من بطونهم تُأجج أفواههم ناراً فقيل من هم يا رسول الله قال ألم تر أن الله تعالى يقول إن الذين
يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً )
حكم أخذ الوصي من أموال الأيتام
أنا الوكيل لورثة أخي وأقوم بمراجعة مستحقاتهم ومصالحهم كما أقوم بزيارتهم أسبوعيّاً وذلك لإسعاد أولاده مع أولادي ، والسؤال عن طلباتهم ( راتبهم 15000 ألف ، وحقوقهم 400000 ) وأنا لدي ديون مؤقتة 4 سنوات بسبب البنيان ، فأيهما أفضل أن أضغط على نفسي وأولادي قليلا أو أن آخذ من دون علمهم مصاريف البنزين وغيره ( بسبب العادات ) ؟.
جعل الشرع أكل مال اليتيم بالباطل من السبع الموبقات المهلكات – كما روى ذلك البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : ولكونه أمانة عظيمة قد يعجز عنها كثيرون قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – ضمن نصائح له – : ( ولا تولينَّ مال يتيم ) رواه مسلم ( 1826 ) .
وقد أوجب الشرع على من قام بالوصاية على الأيتام أن يحسن رعايتهم وتربيتهم ، وإذا كان لهم أموال أن يحسن حفظها وتنميتها ، وأن يؤدي زكاتها ، وإن كان غنيّاً فالأولى له أن يستعفف عن أموالهم ، وإن كان فقيراً أن يأكل بالمعروف ، وإن كان عاملاً بأموالهم أن يأخذ أجرة المثل ، هذه أحكام الشرع ، وهي غايةٌ في الحكمة والعدل .
وقوله : ( ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ) ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية ( إسرافاً وبداراً ) أي : مبادرة قبل بلوغهم ، ثم قال تعالى : ( ومن كان غنيّاً فليستعفف ) عنه ولا يأكل منه شيئاً ، وقال الشعبي : هو عليه كالميتة والدم ، ( ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه ، عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية في والي اليتيم ( ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) بقدر قيامه عليه .
قال الفقهاء : له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته ، واختلفوا هل يرد إذا أيسر ؟ على قولين : أحدهما : لا ؛ لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً ، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ؛ لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ... .
والثاني : نعم ؛ لأن مال اليتيم على الحظر ، وإنما أبيح للحاجة ، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ... .
( ومن كان غنياً فليستعفف ) يعني : من الأولياء ، ( ومن كان فقيراً ) أي : منهم ، ( فليأكل بالمعروف ) أي : بالتي هي أحسن ، كما قال في الآية الأخرى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) أي : لا تقربوه إلا مصلحين له ، فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 454 ، 455 ) باختصار .
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني فقير ، ليس لي شيء ، ولي يتيم ، قال : كُل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل " .
رواه أبو داود ( 2872 ) والنسائي ( 3668 ) وابن ماجه ( 2718 ) . والحديث : حسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 4497 ) .
مباذر : مسرف للمال تبذيراً له .
متأثل : آخذ من أصل المال .
فإن أردت أن تأخذ مالا مقابل ما تعمله لهم ، من مراعاة مصالحهم ، وكان عملك هذا يستحق أجرة فلا حرج عليك في ذلك ، أما إن أردت أن تأخذ أجرة الزيارة فلا ، لأنه لم تجرِ العادة بجعل مصاريف زيارة الأيتام عليهم من أموالهم ، وهذا بخلاف ما تنفقه عليهم من لباس وأثاث وطعام لهم ، فإنه يكون من أموالهم .
وحيث إنك في بلد يوجد بها قضاء شرعي فلا بد من مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك ، حتى يحكم القاضي بما يراه من مصلحة الأيتام ، والله أعلم .
ونرجو منك التأمل كثيراً في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ( 1400 ) ومسلم ( 1053 ) : ( من يستعفف يعفَّه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يصبر يصبِّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر ) لتعلم أن الطريق إلى قضاء دينك هو الاستعفاف والاستغناء والصبر .
قال المباركفوري :
( ومن يستغن ) أي : يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس ، والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف .
( يغنه الله ) أي : يجعله غنيّاً أي : بالقلب ففي الحديث : ( ليس الغني عن كثرة العرَض إنما الغني غنى النفس ) ، أو يعطيه ما يغنيه عن الخلق .
( ومن يستعفف ) الاستعفاف : طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس , أي : من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها .
( يعفه الله ) : أي يجعله عفيفا ، فيحفظه عن الوقوع في المناهي ، يعني : من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى .
( ومن يتصبَّر ) أي : يطلب توفيق الصبر من الله ؛ لأنه قال تعالى : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) ، أو : يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه .
" يصبِّره الله " : أي يسهل عليه الصبر .
"تحفة الأحوذي" (6/143، 144) باختصار .
منقول من موضوع للأخ : سالم الصقية
(رحمه الله رحمةً واسعة، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى)
اللهم آمين
س: ربي رزقني ولله الحمد بأربع بنات قصر (10، 8، 5، 3 سنوات) وزوجة، ولي شقيقة متزوجة ولها أولاد، وأمتلك عمارة من أربع شقق، فكتبت عقد بيع بيني وبين زوجتي بقيمة ثلث العمارة، وكتبت عقد بيع آخر بيني وبين زوجتى قابلة للشراء للبنات بقيمة الثلث الثاني. الثلث الأول للزوجة، والثلث الثاني للبنات، وتركت الثلث الثالث. وطبعا أصارحكم القول بأنني لم أستلم أي مبلغ، والغرض من ذلك حتى لا ينازعهم أحد في الميراث، لأنهم بنات (أي: ذرية ضعفاء) فما حكم ذلك؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
ج: لا يجوز للإنسان أن يتخذ إجراء عقد توليج لماله لحرمان بعض الورثة. والله سبحانه وتعالى مطلع على كل عبد ونيته وقصده، ونحذرك أن تسلك طريقا تعذب بسببه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد واله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: صالح الفوزان
عضو: عبد العزيز آل الشيخ
عضو: بكر أبو زيد
---
هل يجوز للإنسان حرمان أحد من أبنائه من الميراث؟
الفتوى رقم (1342)
س: هل يجوز للإنسان أن يبرئ أحد ابنيه من الميراث ويجعله للآخر؟
ج: لا يجوز للإنسان أن يبرئ أحد ابنيه من الميراث ويجعله للآخر، لأن الإرث يستحقه الإبن من أبيه بوفاته بسبب النسب، وهو حكم من الله جل وعلا، ولا يملك الأب أن يسقط هذا الحق، فلا يتصرف فيه إلا في حدود ما شرعه الله، ولم يشرع للأب أن يسقط ميراث ابنه منه ويجعله للآخر. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: عبد الله بن منيع
حرمان أحد الأبناء من الميراث
الفتوى رقم (1348)
س: أرجو إرشادي بتقسيم إرث زوج أختي، حيث قد ترك بعده والده ووالدته وابنه عبد الله من زوجته السابقة، التي سبق أن طلقها قبل زواجه من أختي، وقد صدر صك يبرئه من الولد عبدا لله؛ لأن زوجته المطلقة رغبت ذلك، فهل يرث هذا الولد؟
هذا وقد توفي المرحوم وترك زوجته وأبناءه المكونين من أنثيين وسبعة ذكور، وجميع ما ذكر قصر، هذا وقد قام الجميع بتوكيلي على تركة المرحوم، وهو أثاث منزله وسيارته التي توفي عليها بحادث انقلاب، وراتبه التقاعدي، وقليل من الفلوس. أرجو إيضاح القسمة التي يجب التمشي بموجبها، ولمن يحق الانتفاع به منهم مما اكتسبه من فعله الخير لهم؟ انتهى.
ج: إذا كان الأمر كما ذكر، فإن تبرئة والد عبد الله منه، وصدور صك بذلك تحقيقا لرغبة أمه، لا أثر له بالنسبة لميراث عبد الله من أبيه، وبناء على ما ذكر فالورثة هم: أبوه وأمه وزوجته وبنتاه وثمانية أبناء، فالمقدم في تركة المتوفى: وفاء دينه إن كان عليه دين، ثم تنفيذ وصيته الشرعية، وما بقي بعد ذلك يقسم على الورثة، فتكون مسألتهم من أربعة وعشرين، وتصح من أربعمائة واثنين وثلاثين: للأم السدس، وقدره اثنان وسبعون سهما من أربعمائة واثنين وثلاثين سهما، وللأب السدس، ومقداره مثل نصيب الأم، وللزوجة الثمن، ومقداره أربعة وخمسون سهما من أربعمائة سهم واثنين وثلاثين سهما، والباقي بعد نصيب الأم والأب والزوجة مائتان وأربعة وثلاثون، بين الأبناء الثمانية، والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين، فلكل ابن ستة وعشرون سهما من أربعمائة سهم واثنين وثلاثين سهما، ولكل بنت ثلاثة عشر سهما من أربعمائة واثنين وثلاثين سهما. وأما ما ذكره السائل من التقاعد للمتوفى، فهذا قد وضع ولي الأمر له نظاما في بيان من يستحقه ومقدار الاستحقاق ومدته، وبإمكان السائل مراجعة مصلحة المعاشات والتقاعد للتفاهم معها، وإذا أشكل على السائل شيء أمكنه أن يسأل عنه، وأما ما ذكره من الصدقات التي يتحصل عليها من أهل الخير ويريد بيان من يستحقها من الورثة فإنه يرجع في تحديد المستحق من الورثة إلى المتصدق نفسه هو الذي يملك بيان من يريد أن تكون الصدقة له من الورثة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.