النفط والعقار
الأحد 7 ربيع الأول 1436هـ - 28 ديسمبر 2014م
سعود بن هاشم جليدان
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن علاقة أسعار العقار بأسعار النفط، وتوقع عديد من المحللين أن يقود تراجع أسعار النفط إلى تراجع أسعار العقار. وربط المحللون ارتفاع أسعار العقار في السنوات الماضية بارتفاع أسعار النفط. وكانت أسعار العقار متدنية قبل اكتشاف النفط ثم ارتفعت بعض الشيء مع اكتشاف النفط وزيادة إنتاجه. وتصاعدت أسعار العقارات بعد الطفرة النفطية الأولى في بداية السبعينيات التي تلت الحظر النفطي والقفزة الكبيرة لأسعار النفط في عام 1973. وتعززت أسعار العقار مرة أخرى بعد الزيادة الكبيرة في أسعار النفط في عام 1979، واستمر تصاعد أسعار العقار لعدة سنوات بعد ذلك. وتراجعت أسعار العقار بعض الشيء عند انهيار أسعار النفط في منتصف الثمانينيات، ثم استقرت لفترة وجيزة وعادت للارتفاع التدريجي بعد ذلك. وتصاعدت أسعار العقار بحدة في السنوات القليلة الماضية التي أعقبت ارتفاع أسعار النفط الأخير. فهل سيؤدي تراجع أسعار النفط الأخير إلى تراجع مماثل في أسعار العقار؟ وهل هناك علاقة مباشرة بين أسعار العقار وأسعار النفط؟
ولا توجد علاقة مباشرة قوية للقطاع النفطي بأسعار العقار، حيث تنتج الشركات النفطية في مناطق امتياز خارج النطاق العمراني والتجمعات السكانية، ولا تقوم الشركات النفطية بشراء عقارات في حالة ارتفاع أسعار النفط كما لا تخفض من مشترياتها العقارية في حالة تراجع أسعار النفط. ويقتصر تأثير القطاع النفطي في العقار على مناطق الامتياز النفطي التي لا تتغير كثيراً عبر الزمن ولا تتأثر بأسعار النفط. ولهذا يمكن القول بشكل عام إن العلاقة المباشرة بين القطاع النفطي والعقار محدودة جداً ولا تتأثر كثيراً بتغير الأسعار. من ناحية أخرى، فإن الشواهد التاريخية تشير إلى ترابط كبير بين ارتفاع أسعار النفط وأسعار العقارات. وقد جاء هذا الترابط من خلال التأثير غير المباشر للإيرادات النفطية في الإنفاق الحكومي في المملكة ودول مجلس التعاون. وترفع زيادة أسعار النفط من الإيرادات الحكومية. وتشجع زيادة الإيرادات النفطية حكومة المملكة والحكومات الخليجية على رفع الإنفاق. ويشكل الإنفاق الحكومي جزءا أكبر في نواتج دول المجلس القومية الإجمالية مقارنةً باقتصادات دول العالم، كما يعتبر الإنفاق الحكومي في دول المجلس القاطرة التي تقود نشاط القطاع الخاص. ونتيجةً لذلك تعتبر زيادة الإنفاق الحكومي أبرز العوامل المباشرة التي ترفع الطلب الكلي على العقار وترفع أسعاره. ويتم من خلال الإنفاق الحكومي تمويل كثير من المشاريع العقارية وغير العقارية، كما تتدفق مبالغ كبيرة إلى القطاع العقاري من خلال التعويضات عن نزع الملكيات أو استئجار الممتلكات العقارية. كما تقود زيادة الإنفاق الحكومي إلى رفع دخول الشركات والأفراد الذي يسرع نمو الطلب على العقار ويزيد من استقدام الأيادي العاملة الأجنبية معززاً معدلات النمو السكاني. وتزيد مشاريع التنمية الطلب على العقار وتحسن من وضع العقارات وترفع قيمتها. فالتوسع في إنشاء الطرق وتوفير الخدمات العامة من كهرباء ومياه ومجارٍ ومدارس ومستشفيات وحدائق وإنارة في المناطق السكنية يرفع من قيمة العقارات. ولهذا يسهم الإنفاق الحكومي بشكل رئيس في رفع أسعار العقار، ويتأثر الإنفاق بإيرادات النفط التي تتأثر بدورها بتغير أسعار النفط. ولو أن الحكومات في دول المجلس لم ترفع إنفاقها داخل بلدانها ولجأت إلى وضع إيراداتها المتصاعدة في واردات وعقود خارجية وفي محافظ واستثمارات أجنبية، فإن أسعار العقار لن تتأثر كثيراً بزيادة أسعار النفط. وفي المقابل فإن محافظة الحكومات على مستويات إنفاقها الداخلي في حالة تراجع أسعار النفط والإيرادات سيحافظ على نمو الاستثمارات العقارية ولن يقود إلى تراجع أسعار العقار. وخلاصة القول، إن تراجع أسعار النفط لفترة وجيزة - سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنوات - لن يؤثر كثيراً في السياسات المالية التوسعية في المملكة، بسبب وجود احتياطيات مالية ضخمة تمكن الدولة من الاستمرار في هذه السياسات. ولن يقود التراجع المؤقت في الإيرادات النفطية إلى تغير طويل الأجل في مستويات الإنفاق الحكومي وبالتالي لن يقود في حد ذاته إلى تراجع أسعار العقار. أما إذا كان تراجع أسعار النفط - لا سمح الله - لفترة طويلة فإن هذا يعني ضرورة خفض الإنفاق الحكومي على الأمد الطويل، ما سيؤثر سلباً في أسعار العقار طويلة الأجل. ويرى كثير من المختصين في شؤون الطاقة أن التراجع الأخير في أسعار النفط هو تراجع مؤقت، ولهذا فإن حدوث تراجع كبير بسبب تراجع أسعار النفط هو أمر مستبعد. وهذا ما حدث في عام 2009 عندما تراجعت أسعار النفط مقارنةً بعام 2008، حيث واصلت أسعار العقارات الارتفاع ولم تنخفض في تلك السنة.
*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.