القنبلة النووية الإيرانية فرضية، قد تكون وقد لا تكون بعد عشرة أعوام وفق الاتفاق النووي الذي وقّعته طهران مع القوى الكبرى صباح الثلثاء الماضي، ولكن البراميل المتفجرة التي تصنعها إيران، وترسلها للنظامين الطائفيين في العراق وسورية لتُلقى بعد ذلك على رؤوس المدنيين حقيقة، ويبدو أنه من النفاق الدولي أن ننشغل بالفرضية على حساب الواقع.
البراميل المتفجرة تقتل الآن، بينما تقرأ هذه المقالة، أطفالاً ونساء في سورية والعراق، ولكنها لم ترد ولو بسطر في عشرات الصفحات التي رسمت اتفاق فيينا، والذي «بفضله سيحل السلام في الشرق الأوسط والعالم»، كما يمكن لأي سياسي أميركي أو أوروبي أسهم في صياغة الاتفاق الصعب أن يقول (فيما لو فاز) في حفلة تسلم جائزة نوبل للسلام.
إنها سلاح كراهية وليست سلاح حرب، لا تستحق علماء يحددون مواصفاتها ومحتوياتها، لا تحتاج إلى نسبة معينة من «التخصيب»، ولا لأجهزة طرد مركزي يجادل الخبراء في عددها والمسموح منها والممنوع. أي طالب بليد في الكيمياء يستطيع صنعها في ورشة رديئة إن توافرت لديه الحماية من المحاسبة والضمير الميت، واجتمع كل ذلك في طهران وبغداد ودمشق، ولو غفلت السعودية أكثر عن اليمن لصُنعت أيضاً في صنعاء وصعدة، قنابل صمّمت من دون أجهزة توجيه متطورة، هدفها معاقبة المدنيين وإرهابهم، إنها مثل سيارة مفخخة تترك في شارع جانبي لتنفجر وسط باعة جوالين أو طلبة مدارس، حينها تكون إرهاباً، ولكنها حتى الآن سلاح حربي في العرف الأميركي والأوروبي، إنها سيارات مفخخة تُلقى من حوامات لمعاقبة المدنيين الذين تمردوا على النظام، ولا تستطيع أن تفرق بين مدرسة أو مقر عسكري.
لو أرادت الولايات المتحدة أن تجرّم قنابل الكراهية هذه، لكان سهلاً عليها ذلك، تدفع بقضيتها إلى محكمة الجنايات الدولية، ثم مجلس الأمن، ثم تصدر قراراً يجرّم صانعيها وملقيها، ولكنها لم تفعل. هي حسابات سياسية، الروس استخدموها بغزارة في حربهم في الشيشان خلال التسعينات، وجعلوا عالي العاصمة غروزني سافلها، فاستدعى بشار الأسد تجربتهم إلى حلب وحمص وريف دمشق ودرعا، ودمّر أجمل مدن الشام بقنابل صنعتها إيران، والآن يستخدمها جيش العراق الطائفي شريك واشنطن في الحرب على الإرهاب ضد المدنيين العراقيين وليس «داعش»، فالخبير العسكري الأميركي يعرف هذه القنابل ومحدودية أثرها في المسلحين وفداحة أثرها في المدنيين. ثمة احتجاجات عابرة في الإعلام الغربي، أو على لسان سياسيين وبرلمانيين هناك، ولكنها لم تصبح قضية سلم عالمي تستحق أن يجتمع وزراء خارجية 6 دول كبرى من أجلها مع إيران لمناقشتها والضغط عليها، ذلك أنهم جميعاً لا يزالون يعيشون في «الخطر الافتراضي» الذي يهدد إسرائيل متجاهلين «الخطر الواقعي» الذي تعيشه المنطقة.
لذلك السعودية، ومعظم دول الخليج وضحايا البراميل المتفجرة في سورية والعراق غاضبون ومتوجسون من اتفاق فيينا، فهذه البراميل وعلى خطورتها رمز للسياسة الإيرانية العدوانية في المنطقة، إنها «الحشد الشعبي» في العراق، وتهجير السنّة هناك، وانقلاب الحوثيين وصالح في اليمن، وقصفهم للمدنيين في كل مدينة رفضتهم، وميليشيات تشحن من أقصى الأرض، من باميان الأفغانية، لتدرب وتسلح لتمضي وتقتل حمويين وحلبيين وحماصنة لا يعرفونهم من قبل ولا يمثلون عداء لهم، ناهيك عن ميليشيات العدو القريب، «حزب الله» الذي يقاتل في الزبداني، وإيرانيين وعراقيين يقاتلون حول دمشق وفي حلب، لا تجوز مقارنتهم بالمقاتلين الأجانب في صفوف «داعش» أو «النصرة»، فهؤلاء خارج القانون، ولو عاد أحدهم الى بلاده لاعتقل، ولكن الميليشيات الشيعية تشحن في طائرات إيرانية رسمية تطير في مسارات جوية معتمدة من «الاتحاد الدولي للنقل الجوي»، ويعودون إلى بلادهم، ليتم الاحتفاء بهم «كأبطال أو شهداء» لا إرهابيين أو مجرمي حرب.
كمواطن، معني بأمنه وأمن أهله في هذا الشرق العربي الحزين، أجد أن السياسة الإيرانية العدوانية الحالية هي الخطر الداهم، وليس القنبلة النووية، وبالتالي أنا غير معني بالخطر «الافتراضي» المقبل، وهو ما يستوجب وقفة عالمية ضده، وقبل ذلك وقفة من الدول القادرة محلياً على التصدي له، لذلك أؤيد وبقوة سياسة بلدي المملكة العربية السعودية، وأراها المشروع الوحيد الذي يمكن أن يحميني بل ينقذ السوري واليمني والعراقي من التغول الإيراني، وسيكون التسامح مع إيران في مقابل «تنازلاتها» المزعومة في فيينا أكبر خطأ يمكن أن نقع فيه حتى لو جاء ذلك بوعود ومواثيق من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ما فتئ يرسل التعهدات والوعود لدول الخليج منذ اجتماع كامب ديفيد قبل أسابيع وحتى الأمس.
لقد قدمت دول الخليج وعداً للرئيس في قمة كامب ديفيد بدعم الاتفاق، وهو دعم يحتاجه في معركته المقبلة مع الكونغرس لتمريرها، ولكن حري بقادة هذه الدول والمملكة تحديداً وهي القوة الوحيدة القادرة والمستقرة في المنطقة والتي أنيطت بها ليس آمال شعوبها فقط بل كل شعوب المنطقة، أن تراجع أداء الإدارة الأميركية منذ احتفالية كامب ديفيد، هل تغيرت؟ هل تحسن دعمها وتعدلت رؤيتها للصراع في سورية؟ هل تدعم الجهد السعودي في اليمن لتحريره من الانقلاب الإيراني مثلما وعدت؟ الإشارات تقول إن لا جديد، المنطقة في حاجة إلى أفعال لا أقوال، وحتى ذلك الحين فإن تقديم دعم للاتفاق على بياض مضر للأمن القومي في المنطقة.
فمثلما تفاوض إيران بشراسة، يجب أن نفاوض مثلها وبشراسة أكبر، ومثلما تقاوم هي بقوة يجب أن نقاوم بقوة أكبر. للإيرانيين مشروعهم الذي يتعارض مع مشروعنا، ولا يوجد سبب لقبول طرح أوروبي حالم لا يعرف المنطقة وغير معني بأمن أهلها. إن ثمة مساحة يمكن أن يتقارب فيها المشروعان، فنحن نريد بناء المنطقة على أسس عدالة وتعددية، وهم يريدونها طائفية ضيقة.
موقف عربي صلب تقوده السعودية ضد الاتفاق ضروري لسلام المنطقة، طالما أن الخطر الافتراضي مقدّم على الخطر الواقع الآن. إنها وصفة لاتفاق سلام يفضي إلى حروب طائفية لا تنتهي، ولا حاجة للقول مرة أخرى إن هناك مشروعاً سعودياً يرفض الهيمنة الإيرانية، وستواجهه بكل قوة كما قال الراحل سعود الفيصل «لسنا دعاة حرب ولكن إن قُرعت طبولها فنحن جاهزون».