لجينيات ـ يشاءُ الله عز وجل أن أعمل بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث كإستشاري عناية مركزة وأمراض صدرية ، هذا الصرح العلمي الشامخ الذي يحقُ للمملكة العربية السعودية حكومة و شعبا أن تفتخر به ، ولا يعرف قدر هذا الصرح إلا من عمل بمستشفيات أخرى في المملكة أو خارجها فشكرا لجهود المشرف العام التنفيذى وإدارة المستشفى.
ويشاءُ الله عز وجل أن تحدث حادثة سيارة ويصاب الأمير الوليد ابن صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود ، ويصاب بإصابة شديدة في الرأس ويدخل إلى العناية المركزة في حالة حرجة ( بين الحياة والموت ) ، ويشاء الله عز وجل أن يكتب له النجاة ويخرج من تلك الفترة الحرجة ولكن ليدخل في غيبوبة طويلة ، ومن مشيئة الله عز وجل أن أكون من ضمن الفريق الطبي الذي اختاره الأمير ليشرف على علاج ابنه من يوم دخوله الغيبوبة الطويلة وحتى الآن ، ومن هنا تعرفت بقرب على الأمير خالد ( الوالد الأمير) ، وقد وقعت بين يدي اليوم مقالة باللغة الإنجليزية وهي ترجمة عن ما كتبه أبو الوليد وأم الوليد إلى أبنهما في الأول من رمضان من العام الماضي ، وهي رسالة مليئة بالمشاعر الجياشة والإيمان الخالص لله عز وجل (لمشاهدة الرسالة)وقد نقلها لنا المشرف (العمر عفناه) في وقت سابق على هذا الرابط http://www.x2z2.com/vb/t14277.html
ومن هنا أريد أن أكتب عن ما شاهدته من الوالد الأمير خلال فترة مرض ابنه ، حيث أن طبيعة عملنا كأطباء عناية مركزة تحتم علينا تواجدنا في المستشفى ليلاً ونهاراً ، وهذا جعلني أعايش (بما تعنيه الكلمة من معنى ) كل الأحداث المتعلقة بالمريض وكل ما بدر من الوالد الأمير تجاه ابنه ، حيث أن الوالد الأمير عاش ليلاً ونهاراً مع ابنه. وأريد أن أبين أن شهادتي هذا تخص فقط ما رأيته من الأمير في المستشفى ، أما الأمور الأخرى التي تخص الأمير خالد فلا دخل لي بها.
1- نعم أشهد وأقول أن معظم الأطباء ( من الداخل والخارج ) قد حكموا على الوليد بأن حالته ميئوس منها وأن الاشتباه انه "قد توفي دماغياً" ، ولا أمل له أن يعيش أكثر من عدة شهور ، حتى أن البعض منهم رأى أنه من الأفضل أن تنتهي حياته بسرعة ، إلا أن الوالد الأمير قد رفض ذلك تماماً ، وكان تصوري كطبيب أن رفضه هذا ليس من منطلق كونه ( أباً ) ولكن ينبع من كونه ( صاحب السمو الملكي الأمير) وأنه يحق له فرض إرادته على الأطباء ، وكان التوقع الطبي أن تتدهور حالته بسرعة ( رغم أنف الأمير ) ويتوقف قلبه سريعاً إلا أنه بعد مرور أربع سنوات لا يزال الأمير عندنا على السرير الأبيض وحالته الطبية مستقرة تماماً ( رغم أنف الأطباء !! )
2- نعم أشهد على مدى حب هذا ( الوالد الأمير ) لإبنه ولهذا أقدم لفظ الوالد على لفظ الأمير ، فقد كان ينام على الأرض ليلاً ونهاراً بجانب ابنه ويستيقظ فوراً لأي حركة أو تغيير في وضع ابنه أو بالمعنى كان " معسكراً عند ابنه لا يتركه أبداً ، وأن من يرى الوالد الأمير وكذلك والدته الأميرة ( صاحبة السمو الملكي الأميرة الجازي بنت سعود بن عبد العزيز ) وهما يكلمان ابنهما ويتعاملان معه ينبهر لهذا الحنان والعطف . الوالد الأمير يكلمه ويناقشه ويحضنه ويقبله ويتفاعل معه ووالله العظيم الذي لا إله إلا هو لم أرى والداً يَكنُ ويظهر ذلك الحنان والعطف والشفقة حتى أنني شخصياً تأثرت لذلك وزاد حبي وعطفي وحناني لأولادي .
3 ـ نعم أشهد أن المحنة التي مرت بالوالد الأمير جعلته قريباً إلى الله عز وجل لا ينفك ولا يمل من تضرعه ودعائه وصلاته إلى الله عز وجل وقيامه الليل ، ولن أزيد في هذا بالتفصيل حتى لا يبطل عمله ولا يدخل الرياء إلى قلبه .
4- نعم أشهد أننا نحن الأطباء كنا نتوقع أن مع مرور الزمن وعدم رجوع الوليد إلى وعيه سيمل الوالد الأمير وسيرضخ أمام الأمر الواقع وسيقلل من زيارة ابنه والسؤال عنه ويتفرغ أكثر لحياته وعمله وهذا هو الشيء الطبيعي المتوقع ، ولكن سبحان الله وهبه الله هذا العاطفة الأبوية التي جعلته لم يتزحزح للحظة عن اهتمامه بإبنه والبقاء بقربه ، ولو أكتب بالتفصيل عن هذا لسطرت بذلك عشرات الصفحات ، ولكن سبحان الله كما قال الله تعالى ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
5ـ نعم أشهد أن هذه المحنة " اسأل الله أن لا يبتلي أحد بها " جعلته يتعرف على أبواب كثيرة للخير .
* خيرٌ لعامة الناس : إما بتبرع مالي أو تدخل شخصي بالصلح أو شفاعة حسنة ، ويكفي سجل العدد الكثير من عامة الناس الذين يأتون يومياً للقاء الأمير .
* خيرٌ للمرضى الآخرين في المستشفى : فقد رأيت أن علاقاته بالمرضى الآخرين وأهاليهم علاقة رحمة وحب وعطف ويتدخل كثيرا لمساعدتهم ، رغم أني شخصياً اختلفت معه تماماً في حالتين وكنت أرى أن تدخله هذا خطأ ولا يحق له ذلك حتى لو أنه الأمير خالد ، ولكن كان تدخله من وجهة نظره ينطلق من منطلق بذل النصيحة والمساعدة لما يراه هو أن ذلك من مصلحة المريض .
* خيرٌ للمستشفى : فلولا دعمه المباشر لما استطاع قسم العناية المركزة والطوارئ بتنظيم المؤتمر الدولي الأول للعناية المركزة وطب الطورائ .
* خيرٌ للأطباء : فوجوده المستمر بجانب ابنه جعله قريباً جداً من الأطباء وبالذات المشرفين على علاج ابنه ، حتى أنه تدخل شخصياً بمساعدة أحد الأطباء عندما أُرغم من قبل رئيسيه (ظلماً) على تقديم استقالته ، فكان لوقوفه الفوري بجانب الحق على منع ذلك الظلم أن عاد الطبيب إلى عمله ، والشكر موصول إلى إدارة المستشفى بالوقوف إلى جانب ذلك الطبيب و تكريمه. وهناك أمثال أخرى لا داعي لذكرها .
6ـ نعم أشهد أن الوالد الأمير يتدخل بالتفاصيل الطبية الدقيقة المتعلقة بعلاج ابنه وهذا جعلني أنا ( وقد ينطبق على بقية الأطباء ) أشعر بالتضجر والتضايق من هذا التدخل ، ولكن مع مرور الزمن واحتكاكي المباشر بالأمير ورؤيتي لعاطفته الأبوية الجياشة ، جعلت هذا التدخل ( الأميري ) ينقلب إلى فائدة حيث أضطر إلى قراءة المزيد من أي تشخيص أو علاج جديد نقدمه للأمير الابن ، حتى أكون مستعداً لأسئلة ( الدكتور خالد بن طلال ) كما يحلو لنا مناداته أحياناً وهذا فائدة طبية لنا ، ومن يقترب من الوالد الأمير في نقاشه للأمور الطبية يندهش من سرعة استيعابه لهذه الأمور الطبية حتى الجديد منها ( ما شاء الله عليه ) ، وأشهد أيضاً أن البعض الأطباء بمختلف تخصصاتهم الطبية اضطروا إلى تعلم الجديد من الأمور الطبية الحديثة فيما يتعلق بصحة الوليد حيث أن حالته الطبية غير اعتيادية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر استخدام الجهاز المنشط لخلايا العظام الذي يستخدمه رواد الفضاء .
7- وأشهد أخيراً أن حالة الأمير الإبن واستقرار أعضائه الحيوية بطريقة طبيعية حالة علمية نادرة جداً إن لم تكن مستحيلة :
_ لماذا لم يتدهور وضعه الصحى كما كان متوقعا ؟!
_ لماذا لم يتعرض لعدوى المستشفي المتكرر ؟!
_ لماذا بدأ بالتنفس التلقائي بعد أكثر من سنة ؟!
_ لماذا شفي بصورة سريعة من أزمة القلب التي مرت به ؟!
وأسئلة أخرى كثيرة .
فلا أقول إلا كما قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ )
وفي ختام هذه الشهادة وأنا أترك العمل بالمستشفى لا أملك إلا أن أدعو الله للوالد الأمير والوالدة الأميرة أن يتقبل الله دعاءهما ويقر أعينهما بشفاء الوليد ، ويعطيهم المزيد من ذلك الإيمان الراسخ واليقين الثابت برحمة الله عز وجل ، ويجازيهم أفضل الجزاء على رضاهم بإبتلاء الله عز وجل لهم ، وأدعو الله عزو جل أن يعطي كل أب وكل أم جزءاً من ذلك الحنان والعطف الذي لم أرى مثله أبداً (انظر رسالته السابقة )، وغداً يصادف ذكرى مرور أربع سنوات على دخول ابنه المستشفى فهو نعم الوالد قبل أن يكون نعم الأمير .
الدكتور حسين عبد العزيز العوضي
استشاري العناية المركزة والأمراض الصدرية .
رئيس برنامج تدريب زمالة العناية المركزة سابقاً