تقول الأسطورة أن هناك أحد الملوك القدامى فرض حصارا على مملكة أخرى ، وبعد الحصار قام ملكها بتوجيه سؤال إلى نظيره المحاصر وهو : ماذا تريد المرأة ؟ وتكون الإجابة على هذا السؤال شرطا لفكّ الحصار .. لم يستطع الملك معرفة ماذا تريد المرأة ، ولم تستطع ذلك حاشيته ولا وزراؤه ولا خبراؤه ولا مفكروه ، وعندها نصحه أحدهم بالذهاب إلى عرّافة عجوز قبيحة تشترط بدورها أن يزوجها أحد أكثر رجاله نبلا ووسامة لتدلّهم على الإجابة ، وقبل الفارس النبيل الزواج من أجل مملكته ، ويأتي جواب العرّافة تاليا : إنّ كل ما تريده المرأة حقا هو أن تترك لها حريّة الاختيار .. تنهي هذه الإجابة حصار المملكة ، وفي يوم الزفاف يفاجأ الفارس بعروسه القبيحة وقد تحولت إلى صبية فاتنة ، يسألها متعجبا مما يرى فتجيب : لأنّك قبلت الزواج منّي ، قررت أن أمنحك فرصة وعليك الاختيار ، إمّا أن أصبح جميلة في الليل فقط أو في النهار فقط .. ويحتار النبيل طويلا ، ثم بعد تفكير عميق يجيبها : سأمنحك أنت الاختيار ، تبتسم العرّافة وتقرّر : إذا أظلّ جميلة طوال النهار والليل .
جمال المرأة الحقيقي لا يطلب ؛ بل يطلق ، الطلب وثاق ، والإطلاق ثقة ، والجمال يخنقه الوثاق .. يكبّله .. وتحرّره الثّقة .. تبعثه .. جمال المرأة ليس شكلا فقط ، بل هو مزيج من روحها وعقلها وقلبها وفكرها وذكائها ورهافتها وحاسّتها وعاطفتها وأمومتها وأنوثتها وعذوبتها وكبريائها وتمرّدها وقوّتها وحتى ضعفها ، إنّه عبقها الخاص .. وعزفها المنفرد .. وسحرها المتفرّد .. المرأة أشبه بمحيط هائل عميق ، جدير بالفهم والاحتواء والإحاطة بأسراره وخباياه ، لا ينكشف لك الجمال المتكوّن في عمق المحيط حتى تؤمن بامتداده الشّاسع وعمقه الفاتن وقدرته الخارقة وكيانه الاستثنائي ، وقبل ذلك تؤمن بقصوره عنك : كيف أنت لولا أن الجمال يحيط بك ؟ حينها فقط ستنصرف إليه بصدق .. تنصت إليه بثقة .. تمتدّ فيه بتواضع .. تلجه بحبّ .. حينها يتحرّر الجمال الكامن في أعماق المحيط ( المرأة ) ويكشف لك شيئا من أسراره المتناهية العمق ، هكذا تحرّر الثقة الجمال المختبئ في الأشياء .. فالثقة رهان .. وهكذا المرأة كلما مددتها بثقة ( ما تختار وما تقرّر وما ترى وما تريد وما تمضي إليه ) مدّتك بثقة رهانها .. أبدعتك خياراتها .. أظهرت لك أجمل ما فيها .. أدهشتك والآخرين بما لا تتوقعونه من قدراتها ، فبعضهم لا يرون في جمال المرأة إلاّ القشرة الخارجية ، فتراهم يعملون إمّا على غمغمته وحجبه وإخفائه وتغييبه ، أو على افتراسه وابتذاله وامتهانه .
المرأة عرّافة الجمال ، لا لما تمتلكه من جمال وهبته لها الطبيعة فقط ، بل لأنّ ممكنات الجمال عندها لا متناهية ، فهي قادرة على إخراج تنويعات مختلفة ومتعددة للجمال ، قادرة على تحويل مفاهيم الجمال وتوسيعها ، قادرة على مفاجأة الآخرين بتعريفات جديدة ومبتكرة للجمال ، لكنّها عرّافة لئيمة تمتحن الأشياء بدهاء قبل أن تهبها جمالها الكامن والمخبوء أو تبقيه مستورا إلاّ ما ظهر .
إذا أردت ( رجلا ، مجتمعا ) أن تقع على إمكانيات الجمال العميقة في المرأة ، عليك فقط أن تمنحها خيار أن تكون ذاتها .. أن تجعلها تثق بثقتك بها ، ثم تأكد أن جمالها الحقيقي لن يخذلك .. لكن حتما أنتما ( أيها الرجل وأيها المجتمع ) لن تريا من جمال المرأة الكامن ما يقنع طالما المرأة بينكم ضلع أعوج .. وخطيئة أبدية .. وشيطان متحفّز .. طالما هي عقل ناقص وطاعة ناقصة .. طالما حرّيتها الشخصية والفكرية ضلال وتيه وانحراف وفساد وشرّ وفتنة وخروج على الدّين والأعراف والعادات والتقاليد .. حتما لن تقعا على جمال المرأة ، ولن توقعكما المرأة في جمالها طالما ذاتها بينكما هامش ، فيما كل الذّوات الأخرى متن .. لن تريا جمالها المخبوء طالما عليها في كلّ مرّة أن تبتكر أعذارها ، قبل أن تعبّر عن أيّ من رغباتها الخاصة ، طالما عليها أن تصيغ رغباتها وفق رغبات الآخرين ، وتبرمج إرادتها وفق إرادات الآخرين كي تحظى بقبولكما وموافقتكما ( رجلا ومجتمع ) ، طالما أن عليها أن تقول دائما : أنّ أبي يريد .. أخي يريد .. زوجي يريد .. أبنائي يريدون .. لكن ليس مقبولا منها أن تقول : لأنّي أريد .. فتلك أنانية قبيحة خارجة عمّا رسمته لها نواميس الكون .
ماذا تريد المرأة ؟ هل سأل أحد عن ذلك ؟ إنّ كلّ ما تريده المرأة حقا ، هو أن تترك لها حرّية الاختيار من دون أن تلجم .. من دون أن ترجم .. من دون أن تهشّم .. من دون أن تلعن .. من دون أن تحارب .. من دون أن تسفّه .. ومن دون أن تقتل واقفة .. تريد المرأة أن يثق الآخرون بقدرتها على بعث مساحات الجمال الحقيقية حولها .. تريد أن تقولا لها : سأمنحك أنت الاختيار ، لتفك حصار القبح الباسط نفوذه على كل شئ ذكوري حولها ، المرأة هي التي تلقي بالضوء الأعظم .. أو بالعتمة العظمى في أحلامنا .. لذا ( سأمنحك أنت الاختيار ) كافيا لتلقي المرأة بضوئها الأعظم على الحياة لتجعلها حلما محرّرا بمعاني الجمال التي لم نرها بعد .