موت شاب بسبب فرحته بالحصول على أنبوبة بوتاجاز".. ليس مشهدًا تخيليًا في فيلم سينمائي أو حبكة قصصية في رواية، ولكنها حقيقة حدثت بالفعل عندما قتلت الفرحة العارمة شابًا نتيجة نجاحه في الحصول على أسطوانة غاز، متأثرًا بإصابته بهبوط حاد بالدورة الدموية، هذا هو الواقع المصري في الوقت الحالي الذي يعاني من عدة أزمات اقتصادية، ما دفع محللين واقتصاديين إلى التحذير من أن هذه الأزمات ستفجر ثورة ثالثة ضد السلطة الحالية، واصفين إياها بأنها "ثورة جياع". أولى الأزمات التي تهدد النظام الحالي هي أزمة أنابيب البوتاجاز، بعد أن شهد السوق في الفترة الأخيرة نقصًا في الكميات المطروحة ووصلت سعر الأسطوانة في بعض المناطق إلى 100 جنيه، وقد ساهم الأزمة الانخفاض الحاد في درجات الحرارة في درجات الحرارة، مما أدى إلى زيادة معدل استهلاك المواطنين للبوتاجاز. فضلاً عن انقطاع الكهرباء، إذ وصل الانقطاع إلى معدل لم تشهده مصر، منذ أن تم العمل بالتيار الكهربائي، وذلك في فصل الشتاء، وبدلا من أن تخرج الحكومة لتتحدث عن حل الأزمة في فصل الصيف، كان حديثها عن أن الانقطاع لن يقل عن ست ساعات يوميا، وأن الحكومة ستقدم جداول للمواطنين عن أوقات الانقطاع، بالإضافة إلى ذلك، زيادة أسعار الكهرباء مع حلول مايو، كما سيصاحب ذلك ارتفاعًا في أسعار البنزين والسولار. من أهم الأزمات التي تواجه المصريين في الوقت الحالي مشكلة غلاء الأسعار، وبالرغم من تراجع أسعار السلع الغذائية في الأسواق العالمية بنحو 3.7% إلا أنها تشهد زيادة ملحوظة في أسعار البيع للمستهلك بالسوق المحلية المصرية نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه الأمر الذي يؤدي لزيادة التكلفة الاستيرادية على المستوردين. بالإضافة إلى أزمة البطالة, إذ قدرت تقارير حكومية سابقة حجم البطالة بنحو 11.5 في المائة، ولم تخرج دراسات رسمية عنها بعد ذلك، مشيرة إلى أن عدد العاملين بالقطاع الحكومي والأعمال العام يصل إلى 5.5 مليون من إجمالي قوة العمل البالغة نحو 27 مليونًا. وأصبح تأخر سن الزواج ظاهرة مجتمعية تفشت في مصر وارتفعت معدلاتها في الآونة الأخيرة، حيث بلغ عدد الشباب والبنات الذين تخطوا سن الزواج وفقًا للإحصاءات الرسمية نحو 10ملايين شاب وفتاة. كما أكدت الإحصاءات أن 40% من النساء في المجتمع المصري يعانين من مشكلة العنوسة التي باتت ظاهرة تنمو باستمرار خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار وانتشار البطالة في صفوف الشباب. ويقول الدكتور إبراهيم الشاذلي، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد ووكيل شعبة بأكاديمية الدراسات المتخصصة بالجامعة العمالية: "القرارات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة في الآونة الأخيرة تعجل بثورة جياع، فالحكومة عندما تلمس دخل المواطن المصري عن طريق بعض الإجراءات كرفع الدعم وزيادة الأسعار ستؤدي إلى سخط المواطنين والقيام بثورة قادمة". وأشار إلى أن القمع والوضع الأمني الزائد عن الحد والوضع غير المستقر سيمنع من الاستثمار في مصر إضافة إلى أن إضرابات العمال ومواجهة ذلك بالطريقة الأمنية والقمعية سيجعل المستثمر يخشى من استثمار أمواله في مصر وسيؤثر ذلك بصورة سلبية على النظام الحالي. فيما يقول الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية: "تعتبر مشكلة البطالة في مصر من أكبر المشكلات التي تهدد بثورة جياع حقيقية، خاصة أن نسبة البطالة تجاوزت 24% وهو رقم كبير جدًا وإن لم تجد الحكومة حلًا لها ستتفجر الأزمات وهذه الأزمة تهدد الأمن القومي الداخلي، مشيرا إلى أن هناك 42% من الشعب تحت خط الفقر على قائمة الانتظار في الثورة الجديدة". وأشار إلى أن ثورة الجياع في مصر ستتوقف على المؤتمر الاقتصادي الذي دعا إليه النظام الحالي والذي سيكون في مارس القادم، موضحا أن النظام يسعى لحل المشاكل الاقتصادية من خلال جذب الاستثمار في المؤتمر وإذا لم ينجح هذا المؤتمر فثورة الجياع قادمة لا محالة. غير إن الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاقتصادية، استبعد أن يقوم المصريون بثورة جياع في الفترة الحالية، وذلك لعدة أسباب منها أن "الدولة حاليًا سيطرت على كل مقدرات ومفاصل الدولة وأصبحت كل مؤسسات الدولة عبارة عن ثكنات عسكرية، فالمواطنون يفتقدون الحماس إلى عمل إضرابات أو مظاهرات أو ثورات لأنهم يفتقدون الحراك الثوري إما خمولا أو خوفا من النظام الحالي". وأضاف غباشي: "الجميع حاليا يسعى إلى ود الحكومة ولا يوجد أحد على الساحة معارض ومن المتوقع أن يكون مجلس النواب القادم مجلسًا خاليًا من المعارضة نهائيًا فالكل يتسابق ناحية الحكومة وليس العكس، والواقع السياسي يقول إن هناك مرحلة سكون تشهدها مصر فبالرغم من الأزمات الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد إلا أن لا أحد يتحرك".