من أهم ميزات الباحث والقارئ التجرد للحقيقة التاريخية والبحث عنها وكم سمعت شيخنا حمد الجاسر رحمه الله يردد ويقول "ما أكثر ما يكتب وأقل ما يحقق". أي أن الحقيقة هي التي يجب الأخذ بها وترك ما سواها من الأقوال بعد التحري عنها وتمحيصها وهذا جزء من المنهج النقدي الذي يجب أن يفعّل في دراستنا التاريخية وصولاً إلى الحقيقة المبتغاة.
ما دعاني لذلك إشارة أحد الأحبة - وهو ليس من الباحثين- بالقول أن أحد أجداده وترتيبه السابع في سلسلة نسبة. قد أوصي بأضحية له فتوقف عن تنفيذها؟ لأنه كافر ومشرك!!!قلت له وما دليلك على ذلك قال : كل من كان قبل الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو كذلك. طلبت منه الوثيقة وقراءتها فمما جاء فيها : هذا ما أوصى به فلان بن ... وهو يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول والله وأن الجنة حق والنار حق... وأن عيسى عبد الله ورسوله...الخ .قلت له بعد أن قرأها بتمعن هل من يقول ذلك مشرك أو كافر!! و ناقشته بعدها وأوضحت له ذلك الأمر فقنع وطلبت منه الرجوع إلى المصادر . ثم أوضحت له بأن البلاد النجدية وغيرها انما كانت في صراع مرير حول السلطة والسياسة وليست ضد الدين. حيث كانت الحالة الأمنية قبل قيام الدولة السعودية عام 1157ه تعيش في تأزم وتناحر وتصارع وقد وحُدت بحمده تعالى تحت كيان واحد. بينما كانت الحالة الدينية على مذهب أهل السنة والجماعة ولم يدخلها - نجد- بحمده تعالى ما ذكر عنها - ابن غنام أو من أخذ ونقل عنه بعض طلبة العلم - من وجود الخرافات والشركيات المنتشرة في جنباتها .
هذا في ظني أحد الأمثلة على تلك الحالة نسأل الله العافية والسلامة على من يعتقد أو يقرّ بمثل هذه الأقوال الفاسدة والباطلة . أن القارئ الفطن والباحث الجاد لمؤلفات تلك الفترة التي سبقت تعاضد الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع الأمير محمد بن سعود رحمهما الله. لا يجد صحة لتلك المبالغات التي صدرت من بعض مؤرخينا عن وصف الحالة التي كانت سائدة قبل ذلك. وأن أراد القارئ قراءة شيء من التزام المجتمع بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيه و السلف الصالح رضي الله عنهم فهذه مئات الوثائق من الوصايا والبيوع الشرعية وربما آلاف ماثلة أمام أعينهم لدي الباحثين وبعض المراكز العلمية وما وصل إلينا إلا جزء منه وأقدم ما أمكن العثور عليها يعود إلى القرن الثامن الهجري وعند قراءتها لا يجد فيها أثراً لخرافة أو لمعتقد فاسد أو مذهب منحل.وإذا لم تكفه تلك الوثائق فليذهب إلى مؤلفات علماء القرن العاشر كالعلامة أحمد بن عطوة (ت 948ه) قاضي العارض في العيينة والجبيلة والدرعية . أو قاضي العيينة و الرياض وفقيه نجد في زمنه الشيخ عبدالله بن محمد بن ذهلان (ت 1099ه). أو فتاوى علماء أشيقر وقضاتهم الكُثر أو مؤلفات الفقيه العلامة عثمان بن قائد الحنبلي (ت1097ه) كنجاة الخلف في اعتقاد السلف وتقريره للتوحيد وحاشيته العظيمة على المنتهى وغيرها من المؤلفات التي وقفت له على أكثر من عشرين مؤلفاً ورسالة. وقس على غيرها من المؤلفات والمصنفين النجديين رحمهم الله تعالى قبل القرن العاشر الهجري إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري .كما يمكن للباحث والقارئ الاطلاع على مجلدين ضخمين لفقيه نجد في زمنه العلامة أحمد بن محمد المنقور(1125ه)وهو : الفواكه العديدة في المسائل المفيدة والتي للأسف الشديد لا يناله العناية والاهتمام بل نجد أن أقل من هذه المؤلفات تؤخذ لها الصدارة ومع ذلك فأن هذا الكتاب لا يدّرس لطلاب العلم اليوم بّل ولا يقرر في المناهج الدراسية والجامعات والمعاهد العلمية !! . عند قراءتك له واطلاعك عليه ونقله لأحكام المئات من علماء نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ستجد أن خدعة نجد والشرك ما هي إلا خرافة ولم تعد اليوم قابلة للتصديق بحمد الله تعالى !!!